مكتبات العتبات العامة في العراق

2024-02-18 12:26:54

- أوعيةٌ غزيرةُ العلوم والمعرفة ذات تراث جم


تحقيق: رواد الكركوشي

للمكتبة العامة صورة من الصور الثقافية التي تربط الباحثين والرواد من القراء بتجارب وأفكار علماء ومثقفين قد يكون الفاصل بين هؤلاء وتجارب أولئك حاجز يتخطى الزمن من خلال الكتب التي توفرها وتحتفظ بها بين خزاناتها، ومن خلال التنوع في عطاء الأقلام التي رسمت لوحات شتى في العلوم والآداب والفنون.

كان للعناية الكبيرة التي أولاها سماحة المرجع الديني الأعلى الإمام السيد السيستاني (دام ظله الشريف) الأثر الكبير في إعادة تأهيل مكتبات العتبات العامة، فرُفدت بآلاف المصادر.. وقدمت خدماتها لآلاف المستفيدين والباحثين من مختلف التخصصات الاكاديمية والعلمية، بين طلاب علم وباحثين ورجال الدين، فغالباً ما ترتبط عوامل الحضارة عند الشعوب بالثقافة التي تعبّر عن درجة التفوق في المجتمع وما ينتجه من آثار قد تبقى شواهد دالة لمئات السنين إذا لم نقل للآلاف منها على وعيه وقد تتنوع الصور الثقافية ولكنها جميعاً تصبُّ في مجرى واحد، مجرى التأصيل لعمق التجربة في المجتمع المقصود.

وفي المدن المقدسة وبالتحديد في أحد أركان كل صحن مشرف تتخذ المكتبة العامة عريناً لها، فهي تستلهم من الأئمة روح العلم وتتعطر بعابق الأريج الذي ينفحه كل مرقد مقدس فتلقي على روادها ومرتاديها أنواراً معرفية، وتمنحهم جواً روحانياً مستمداً من اريج المرقد المقدس عبقا، لذا حدانا الشوق والاحترام لقيمة كل مكتبة منها بأن نحل ضيوفاً عليها ونتجول بين ثنايا ذاكرتها التي حوت الكثير من حديث الأمس لتبوح به لنا ونوثقه في ملف خاص لمجلة (العتبات).

المكتبة الحيدرية العامة

ومن جملة المكتبات المهمة في العراق والتي كانت لها الريادة العلمية في المجتمع العراقي والنجفي على وجه الخصوص هي «الخزانة العلوية أو الخزانة الغروية» وما تعرف بـ(الخزانة الحيدرية) الواقعة في الصحن العلوي المقدّس في مدينة النجف الأشرف، مدينة العلم والعلماء، المدينة التي امتازت عن سائر البقاع، فهي ثالث بقعة استجابت لمودة أهل البيت (عليهم السلام).

و(الخزانة العلوية) والتي باتت تعرف اليوم باسم (مكتبة الروضة الحيدرية) فهي من أقدم هذه المكتبات، ويعود تأسيسها إلى القرن الرابع الهجري، حيث ذهب البعض إلى أنّ مؤسسها وواضع لبنتها الأولى هو عضد الدولة البويهي - وهو من أهم حكام الأسرة البويهية التي حكمت العراق وبلاد فارس، واستمرت حكومته من سنة (338 ـ 372هـ) وكانت دولته واسعة الأطراف شملت العراق المعروف اليوم كلّه وبعض المناطق الأخرى.

وامتازت هذه المكتبة عن غيرها بما فيها من كتب ونفائس كثيرة ونادرة كان أغلبها بخط مؤلّفيها أو عليها خطوطهم، وكانت محط أنظار أهل العلم حتى زارها جماعة من المؤرّخين والرحّالة كابن بطوطة (727 هـ) وغيره، وقد زارها الشيخ علي حزين اللا هيجي المتوفى سنة (1180 هـ) عندما جاء إلى النجف الأشرف ومكث فيها ما يقارب ثلاث سنوات وقال عنها: "قد اجتمع في مكتبته (عليه السلام) من كتب الأوائل والأواخر في كل فن مالا أتمكن من عدِّهِ"، وكذلك وصفها السيد عبداللطيف الشوشتري (ت1220 هـ) عندما زارها بقوله: "أنّ فيها من نفائس العلوم المختلفة التي لم توجد في خزائن السلاطين".

ويمكن أن نوجز أهمّ الأسباب التي أدّت إلى شهرة هذه المكتبة بين تشرّفها بالانتساب إلى مرقد باب مدينة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) وحامل راية الإسلام الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومجاورته، واهتمام السلاطين والأُمراء والوزراء برفدها، حيث كانوا يهدون إليها أنفس ما بحوزتهم من مخطوطات ونفائس تقرّباً إلى الله تعالى وتكريماً لصاحب الروضة، وكذلك اهتمام العلماء والمؤلّفين بها، وذلك من خلال رفدها بالكتب والمكتبات الخاصة، فإنّ صدر الدين الكفّي الآوى لمّا قام بتأسيس المكتبة من جديد بعد احتراقها، بدأ بشراء الكتب والمكتبات الخاصة من بغداد حيث أُصيبت بغلاء وقحط فبيعت خزائن الكتب للغلة.

من أشهر أوقافها في الكتب والمكتبات، وقف ابن العتائقي الحلّي (ت 760 هـ) وكذلك جلال الدين بن شرف شاه الحسيني لكتبهم وتأليفاتهم على مكتبة الخزانة الغروية ولا تزال أغلب الكتب التي ألّفها أو نسخها ابن العتائقي (رحمه الله) بخطّه موجودة في خزانة المخطوطات إلى الآن.

وزار المدرسة ابن بطوطة في رحلته عام (727 هـ) ووصفها بقوله: "ويدخل من باب الحضرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكلّ وارد عليها ضيافة ثلاثة أيّام من الخبز واللحم والتمر، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبّة"..

ويرى بعض أنّ هذه المكتبة كانت تحتوي على أربعمائة ألف كتاب، إلّا أنّها تعرّضت للتلف والنهب تارة و للحريق تارة أخرى، وقد أُعيد تأهيلها وافتتاحها مجدداً بجهود حثيثة وبسعي مبارك من قبل مركز الأبحاث العقائدية وتحت إشراف ودعم المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف، في العشرين من جمادى الآخر يوم المولد المبارك لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) سنة (1426ق) الموافق (2005م)..

وتجدر الاشارة الى أن أعداد الكتب التي تم شرائها خلال عام 2017 بحدود (8000) كتاب، فضلا عن الكتب المهداة للمكتبة والتي بلغت بحدود (13000) كتاب، ليصبح العدد الكلي لكتب المكتبة بحدود (197165) كتاباً، إضافة (200) قرص ليزري في شتى المعارف والعلوم ليصل العدد إلى (5100) قرص ليزري، وإضافة (1100) رسالة جامعية مفهرسة ليصل العدد إلى (15000) رسالة مفهرسة، يضاف عليها أكثر من (5000) كتاب رقمي ليصبح العدد الكلي بحدود (305000) كتباً رقمياً، وتصنيف (11500) كتاب رقمي تصنيفاً موضوعياً ليصل العدد إلى (18000) كتاباً رقمياً بحسب تصريح مسؤول شعبة المكتبة الحيدرية في العتبة العلوية المقدسة، علي لفتة كريم لموقع (أخبار الشيعة) المنشور بتاريخ 23 يناير عام 2018 وأشار إلى "إصدار عدد من الموسوعات العلمية خلال عام 2017 بلغت بنحو (20) موسوعة ومكتبة علمية، وإدخال أكثر من (10.000) كتاب جديد و(750) مجلة جديدة، وفهرسة أكثر من (35.000) مقالة جديدة"، مؤكدا "رفد المكتبة بالكتب المختصة بأمير المؤمنين (عليه السلام) بمجموع (350) كتاب جديد من خلال الاتفاق المبرم مع المكتبة التخصصية في مشهد المقدسة.

مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

تُعدّ المكتبة العامة للعتبة الحسينية المقدسة من المكتبات الكبيرة والمهمة في العراق، حيث يعود تاريخ خزانة المشهد الحسيني الشريف الى ما قبل سنة 1131هـ / 1718م والتي كانت تحتوي على نفائس المصاحف الخطية والمخطوطات النادرة والتحف والذخائر المهداة من قبل الملوك والامراء والاعيان، الا ان هذه الخزانة تعرضت الى عدة هجمات وحشية وسرقات ومصائب كثيرة، منها الغارة الاجرامية الوهابية في عام 1216هـ/1802م والذي تم فيه حرق كثير من الكتب والمخطوطات ونهب النفائس والذخائر الثمينة.

وفي عام 1975م جمعت المصاحف والمخطوطات النادرة المتبقية، واضيفت اليها مجموعة من الكتب في مختلف أنواع العلوم والآداب يبلغ عددها قرابة خمسة عشر الف كتاب، ليتم انشاء مبنى خاص باسم مكتبة الروضة الحسينية المقدسة في الجهة الغربية من الصحن الحسيني الشريف بالقرب من باب الزينبية، والتي تم نقلها فيما بعد الى الجهة اليمنى عند مدخل باب القبلة في موقعها الحالي، الا انها تعرضت الى نكبة اخرى من قبل ازلام النظام البعثي المقبور في عام 1411هـ / 1991م، حيث سرقت واحرقت كتبٌ ومخطوطاتٌ نادرة كثيرة، كما اصبحت قاعات المكتبة بعد ذلك عبارة عن مكان مظلم لاحتجاز زوار الإمام الحسين (عليه السلام) وتعذيبهم، وبعد إبادة النظام البعثي بادرت ادارة العتبة الحسينية المقدسة الى افتتاح هذه المكتبة في اوائل عام 1426هـ/ 2005م حيث تم الانتهاء من تأهيلها وبدعم من المرجعية العليا في النجف الأشرف، بما يتناسب مع احتياجات المطالعين والباحثين، برفدها بآلاف المصادر والمراجع العلمية والأكاديمية في مختلف العلوم الإسلامية والإنسانية والتطبيقية، وقد زُوّدت بالأجهزة الآلية الحديثة من حاسبات متطورة واجهزة تصوير واستنساخ وانظمة برمجية متقدمة، مع استحداث شعب ووحدات فنيّة تخصصية، لتؤدي دورها في تقديم الخدمات الفكرية والمعرفية للباحثين وطلبة العلم بما ينعكس إيجابا على الوعي المعرفي والثقافي العام للمجتمع.

أما اليوم فمكتبة العتبة الحسينية المقدسة من اهم وأفضل المكتبات في العراق لاحتوائها على أكثر من (150 الف) مجلد بمختلف العناوين العلمية والانسانية وبمختلف اللغات منها: (الإنكليزية الفرنسية والاوردية والفارسية فضلاً عن العربية)، وللمكتبة اكثر من (150الف) بحثا منشورا في المجلات العلمية العراقية في (95) مؤسسة اكاديمية، أما المصادر الرقمية فمنها: اكثر من (35 مليون) ملفا رقميا من البحوث العلمية باللغة الانكليزية فقط، أما المصادر الرقمية باللغة العربية فهي اكثر من (مليون) مصدر عربي، كما توفر المكتبة اكثر من (140 الف) رسالة واطروحة رقمية عربية وعراقية، وايضا اكثر من (10 الاف) مصدر رقمي في حياة وفكر الامام الحسين (عليه السلام) واولاده وانصاره (عليهم السلام).. فيما تتعدد العناوين المطبوعة والمخطوطة والرقمية مختلف الموضوعات كالتفسير والحديث والفقه واصوله والطب والهندسة والرياضيات والزراعة وكتب اللغة والأدب والنقد والتاريخ والجغرافيا والقانون وغيرها.

وللمكتبة رؤية مستقبلية حيث تأمل إدارتها ان تُكوّن منظومة ثقافية وواجهة حضارية تعكس الفكر الإسلامي الأصيل في المجتمع من خلال تلبية احتياجات الباحثين وتوفير مصادر المعلومات المطلوبة والخدمات المتميزة، كما تتطلع إلى التميز والريادة في مجال نشر المعرفة والثقافة الإسلامية في صفوف المجتمع والرقي إلى مصاف المكتبات العالمية المتقدمة بما يتناسب مع المكانة الدينية والروحية والعقائدية للعتبة الحسينية المقدسة.

ولها أهداف جمة حيث تسعى الى توفير البيئة الملائمة للمطالعة والبحث، والمجموعات الشاملة والمتوازنة من مصادر المعلومات التقليدية والرقمية، وايضا تسعى الى رفع الوعي المعلوماتي لدى المستفيدين وذلك بإعداد برامج تسويقية للمعلومات وأخرى تعريفية بالخدمات المقدمة، وتأهيل وتدريب العاملين في مجال المكتبات، كذلك إرساء وتطوير علاقات التواصل والتعاون مع مؤسسات المعلومات الأخرى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وهذه الاهداف جميعها تنتهي في صناعة نهضة علمية في البلد..

وتجدر الاشارة الى أن تنظيم مقتنيات المكتبة وفقا الى نظام الرفوف المفتوحة والمغلقة، كما تستخدم المكتبة قواعد الفهرسة الانجلو امريكية المتوافقة مع التقنين الدولي للوصف الببليوغرافي ومعيار وصف المصادر واتاحتها على تسجيلات الفهرسة المقروءة آليا (مارك21)، كما تستخدم المكتبة خطة تصنيف مكتبة الكونغرس في تصنيف اوعية المعلومات.

مكتبة العتبة العباسية المقدسة

من التأسيس يعود إلى 1382هـ، حيث حوت آنذاك على كتب ومصادر مهمة تربو على الخمسة آلاف، وكانت تضم بين دفتيها مخطوطات يصل تعدادها إلى حدود الألف مخطوطة، وقد صُودرت هذه النفائس الخطيّة من قبل عصابة البعث المقبور.

أمّا الكتب فصُودر الكثير منها، وأُتلف بعضها الآخر، وما بقي استُخدم كوقود للتدفئة ولصنع الشاي لجنود النظام عند احتلاله للعتبة المقدّسة إبّان الانتفاضة الشعبانية المباركة سنة 1411هـ.

وقُدّر لهذا الصرح الثقافي الكبير أن ينبض بالحياة من جديد، وتسطع منه أشعّة الثقافة والمعرفة، وتلوح في الآفاق آمال جديدة لغدٍ مشرق، فاُستُحدثت فيها الوحدات الجديدة؛ كوحدة التزويد، والمكتبة الالكترونية، والفهرسة، والتحقيق، والاستنساخ.

وبعد مضي أقلّ من ثلاث سنين على إعادة التأهيل حدثت قفزة نوعيّة فيها، فتم تفعيل جملة من الوحدات المهمّة؛ كوحدة ترميم المخطوطات، ووحدة تصوير المخطوطات وفهرستها، ووحدة التأليف والدراسات، حتى صارت بحمد الله تعالى متكاملة متماشية مع واقع الثقافة، ملبّية لطموح الباحثين والقرّاء بمشاربهم الفكرية المختلفة.

وتجلت الأهداف في المكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية بحفظ وصيانة التراث الوطني من مختلف الأوعية (كتب، مخطوطات، دوريات...)؛ كما تقوم بدور قيادي في الرفع مستوى الخدمات المكتبة على الصعيد الوطني و المساهمة في بالنهوض بواقع المكتبات والمعلومات الوطنية و العمل على تطويرها و ذلك عن طريق: (إعداد المعايير المتعلقة بالمعالجة المكتبية والتوثيقية والإعلامية على الصعيد الوطني و تطبيقها، والتعاون مع المكتبات ومراكز المعلومات الوطنية، والتعريف بالمجموعات المتوفرة لديها عن طريق اقامة المعارض وإقامة المؤتمرات الثقافية).

كما أولت مهام كبيرة في جمع ومعالجة وحفظ التراث الوطني، وفهرسة وتحليل وتصنيف الاوعية المحفوظة لديها، وتوفير وسائل البحث البيبليوغرافي، وصيانة المجموعات الخاصة بها والحفاظ عليها، والعمل على التنسيق والتعاون مع المكتبات ومراكز المعلومات، والمشاركة في الأنشطة العلمية الوطنية والدولية.

فيما قدمت خدمات كثيرة للمستفيدين منها والباحثين من مختلف التخصصات الاكاديمية والعلمية، بينها جولات إرشادية، وتدريب المستفيدين وخدمة البحث في الفهرس الإلكتروني، وخدمة البحث والإيداع بالمستودع الرقمي، وخدمة الإعارة، وخدمة التصوير، وخدمة توصيل الملفات، والنظام الآلي المتمثل بنظام سيمفوني لإدارة المكتبات.

وللمكتبة بيانات حيث كان تاريخ إنشاءها في يناير 1963، ورقمها البريدي: (233)، أما المقتنيات بالأعداد فهي (2000) خريطة و(1000) دورية، و(45000) رسالة علمية، و(35000) كتاب، و(300.000) مخطوطة، و(2000) مادة سمعية وبصرية.

مكتبة الجوادين العامة

تقع مكتبة الجوادين العامة في الركن الجنوبي الشرقي من الصحن الكاظمي المطهّر، حيث تطل بابها الرئيس على الإيوان المحاذي للركن المذكور، والداخل عبر الباب يصادفه ممر طولي يقوده إلى قاعة جميلة تبلغ مساحتها حوالي (49) مترًا مربعًا، تعلوها قبّة كبيرة عليها نقوش إسلامية رائعة الصنع، كتبت على الطوق الذي يحيطها من الأسفل سورة الدهر، وتحيط بهذه القاعة رفوف جميلة ممتلئة بالكتب الحجرية والثمينة ومنها الكتب الهندية التي نوهنا عنها سابقاً، كما يتوسط القاعة مرقد السيد المؤسس هبة الدين الحسيني الشهرستاني (رحمه الله) وهو عبارة عن صندوق من الخشب المكسو بالقماش الأخضر الفاخر ويعلوه مكعب زجاجي يحتوي بداخله عمامة المؤسس سماحة السيد محمد علي الحسيني الشهرستاني الشهير بـ(هبة الدين)، الذي استقر سكنه في بغداد بعدما كان ساكناً في كربلاء، حين أصبح وزيراً للمعارف عام 1921م، إضافة لكونه رئيس مجلس التمييز الشرعي الجعفري حيث يمارس مهام عمله في بغداد العاصمة، وبعد إعلان الحرب العالمية الثانية سنة 1939م آثر السيد الشهرستاني الانتقال إلى الكاظمية حيث اصطحب معه مكتبته الخاصة وذلك بتاريخ 18/6/1940.

وتعد مكتبته الخاصة من أهم المكتبات لما تحتويه من نفائس الكتب سواء ما كان منها المطبوع أم المخطوط، لذا أصبحت محطاً لأنظار الباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والعلمي حيث زارها – حينما كانت ببيت المؤسس السيد الشهرستاني في بغداد- جملة من المفكرين المستشرقين، الذين سمعوا بما تضمه فسعوا بجدهم لكي يطلعوا عليها عن كثب وليتعرفوا على ما يفيدهم في بحوثهم ودراساتهم ومحاضراتهم، ومنهم: (السنيور كارلو الفونسو نالينو (1872-1938) مستشرق إيطالي طبعت محاضراته بالعربية عن تاريخ علم الفلك عند العرب في روما سنة 1911م)، و(الدكتور لويس ماسينيون (1883-1962) أستاذ مادة التاريخ الإسلامي في جامعة باريس، من أكبر مستشرقي فرنسا وأشهرهم)، وايضا (الهر جوزيف شاخت (1902-1969) أستاذ الأدب العربي بجامعة برلين، مستشرق وباحث ألماني في الدراسات العربية والإسلامية، متخصص في الفقه الإسلامي) وكذلك (جيمس نورمان أندرسون أستاذ الشريعة الإسلامية في جماعة أكسفورد وكامبردج).

وحينما انتقل المؤسس بمعية عائلته إلى الكاظمية، اتخذ من جوار الإمامين الهمامين الكاظمين (عليهما السلام) سكناً له، حيث كان يؤم المسلمين في الصلاة الجامعة في الصحن الكاظمي المقدس، كما اتخذ حجرة من الحجرات المحيطة بالصحن مركزاً له يستقبل فيه الزائرين والذين يقصدونه رغبة منهم في التزود من علومه ومعارفه خصوصاً في ضحوات الجمع والأمسيات الأسبوعية.

في مطلع الشهر الثامن من سنة 1940م عَلِمَ السيد هبة الدين أنّ في الركن الجنوبي الشرقي من الصحن الكاظمي – وبالتحديد بين باب القبلة وباب المراد- توجد قاعة كبيرة مهملة يتخذها القائمون على خدمة المرقد المقدس مخزناً لحفظ المواد التالفة والمستهلكة، فرغب باتخاذها مكاناً لمكتبته ليجعلها مكتبة عامة تؤدي خدماتها العلمية إلى طلاب العلم والمعرفة قربة إلى الله تعالى حيث نقل السيد المؤسس رغبته للأستاذ رؤوف الكبيسي مدير الأوقاف العام وأعرب فيها عن حاجته لهذه القاعة ليلقي فيها دروسه.

وفي يوم الأحد 28 رجب لسنة 1359هـ الموافق 1/9/1940 استلم السيد القاعة بعد موافقة مديرية الأوقاف التابعة لمجلس الوزراء يومها حيث وافق رئيس الوزراء رشيد عالي الكَيلاني على الطلب المقدم من قبل السيد المؤسس، حيث تم تنظيف القاعة وترميمها بما يتناسب ومكانة المكتبة مع تزويدها بهاتف لتلبية خدماتها، ثم عهد السيد المؤسس بإدارة المكتبة لولده السيد جواد منذ سنة 1941 وكانت فترته هي المرحلة الثانية من تاريخ المكتبة حيث أشرف على إدارتها ثم أصدر السيد المؤسس أمراً رسمياً بتعيين ولده أميناً عاما لها وذلك في 21/1/1956م، فيما شكلت المرحلة الثالثة التي بدأت بسقوط نظام البعث عام 2003م بداية جديدة حيث شمّر السيد جواد عن ساعديه مع أنجاله الكرام ليعيدوا للمكتبة دورها الأصيل ولتعود تخدم الهدف الذي تأسست من أجله فقد توجه إلى ترميم المكتبة وإعادة ما تضرر جرّاء السنين العجاف التي مرت حتى فتحت أبوابها للمطالعين.

أما الدور الرابع فيبدأ برحيل السيد جواد الحسيني الشهرستاني إلى الدار الآخرة في 13/8/2008م حيث أناط مهمة إدارة المكتبة بولده السيد محمد إياد الذي سار على نهج والده وجده في تحسين الخدمات المقدمة من قبل المكتبة وتيسير المصادر للباحثين، إضافة لقيامه بإحياء المجلس المنعقد في فناء المكتبة، حيث يعقد في أول يوم خميس من الشهر الميلادي مجلساً يتم خلاله إلقاء محاضرة لأحد الأساتذة أو المختصين في مجالات منوعة من العلم والأدب.

وتجدر الاشارة الى مبادرة وزارة الأوقاف في عهد الوزير أحمد عبد الستار الجواري بضم قطعة أرض مجاورة للمكتبة بدون بدل ورصد مبلغاً لتشييد قاعتين وعدة غرف ودورة مياه صحية خاصة بالمكتبة، حتى بلغت المساحة المضافة للمكتبة حوالي (88) مترا مربعا، أما ما تحتويه المكتبة اليوم من الكتب المخطوطة النادرة منها (200) مخطوطة من نفائس مقتنيات السيد الشهرستاني و(300) مخطوطة أخرى وهي مؤلفاته بخط يده، أما إجمالي عدد المطبوعات فقد بلغ اكثر من (23 ألف) كتاب، حيث تنوعت عناوينها بين حقول العلم والأدب والمعرفة، ولا زالت المكتبة جادة في اقتناء أي مصدر مهم يستفيد منه الباحثون والقرّاء عن طريق الشراء أو الإهداء.

المكتبة العامة لمسجد الكوفة المعظم

تأسست المكتبة العامة لمسجد الكوفة المعظم في 15/6/2009 وبعدد كبير من الكتب المهمة التي بلغ عددها أكثر من (18250) كتابا إضافة إلى أعداد أخرى محفوظة في خزانة المكتبة لم تجد لها مكانا للعرض بلغ أعداد الورقية منها أكثر من (26) ألف كتاب ومجلة دورية إضافة الى المئات من النتاجات الأدبية والعلمية لمهرجان السفير الذي تقيمه الامانة كل عام استذكاراً لوصول سفير الإمام الحسين (عليه السلام) الى مدينة الكوفة العلوية ابن عمه وثقته مسلم بن عقيل (عليه السلام) حيث تقام خلال المهرجان العديد من الندوات البحثية ومناقشة البحوث المهدوية والتي لها صلة بعلوم وسيرة آل البيت (عليهم السلام).

أما عن تصنيفات الكتب فمحتويات المكتبة تتضمن العلوم القرآنية والحديث والفقه والأصول والأخلاق والفلسفة إضافة إلى اللغة والأدب والتراجم والسيرة كسيرة المعصومين (عليهم السلام) كما ضمت المكتبة مجلدات عن التاريخ والسياسة والقانون وعلم النفس والاجتماع والتربية والتعليم والعلوم التطبيقية ولم تخلو المكتبة من كتب الفهارس والموسوعات والمجلات العلمية الدورية والاقتصاد والصحافة والإعلام والكثير من العلوم الأخرى.

وفي خطوة لتطوير مكتبة أمانة مسجد الكوفة تم إنشاء مكتبة إلكترونية ليتسنى للباحثين وطلبة العلوم والقرَّاء الحصول على ما يحتاجون اليه من الكتب والإصدارات بسرعة مستفيدين من التقدم التقني في هذا المجال.

أما مصادر الكتب التي تتألف منها المكتبة فهي تتراوح بين ما تبتاعه من المكتبات وأخرى مهداة من قبل باحثين وكتاب وإصدارات العتبات المقدسة والجامعات والمؤسسات الثقافية والتربوية الأخرى، ولمكتبة أمانة مسجد الكوفة المعظم مشاركات عديدة في المعارض التي تقام داخل البلد والتي يتم التنسيق فيها من خلال وحدة المعارض الموجودة في الأمانة، ويرتاد المكتبة العشرات من الطلبة والباحثين في مختلف المراحل الدراسية وخاصة طلبة الدراسات العليا كما يجد المتابع لنشاط المكتبة ان أعداد طلبة الحوزة العلمية يزداد يوما بعد آخر للاستفادة من العلوم الموجودة بين أروقتها.

المكتبة العامة لمسجد السهلة المعظم

مكتبة مسجد السهلة المعظم العامة افتتحتها امانة مسجد السهلة المعظم ضمن فعاليات مهرجان بقية الله الثقافي السنوي العاشر في صحن السيدة نرجس (عليها السلام) المجاور للمسجد المعظم وقد ضمت المكتبة الآلاف من الكتب في مختلف الاختصاصات الدينية والعلمية والانسانية كذلك افتتح قسم المكتبة الالكترونية فيها بغية توفير اكثر من مائة الف كتاب الكتروني في جميع الاختصاصات أمام الباحثين والمهتمين بشتى المعارف.. وقد افتتح المكتبة بتاريخ 13/5/2017 سماحة السيد علاء الموسوي وقت كان يشغل عنوان رئيس ديوان الوقف الشيعي وبرفقته عددا من امناء العتبات المقدسة والمزارات الشريفة وعددا من ممثلي مكاتب المراجع وشخصيات دينية وسياسية كما تضمن الافتتاح معرضا للصور الفوتوغرافية التي توثق المسجد المعظم والمزارات الشريفة في داخل العراق وخارجه.

ختاما تبقى المكتبة مناراً يشع على المعمورة علماً وعطاءً وتظل جدرانها تشدو بما قاله الشاعر:

أعز مكانٍ في الدنا سرج سابح          وخيرُ جليسٍ في الزمان كتابُ


المرفقات

العودة إلى الأعلى