قراءة في كتاب معجم المصنفات الحسينية للكرباسي .. الجزء الأول

: محمد طاهر الصفار 2024-09-16 11:02

(خلال جولتنا في أزقة المكتبات، وتصفحنا لمطاوي المؤلفات، لم نجد قط شخصية في العالم بأسره، ألِّف عنها بقدر ما ألف عن شخصية أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته وأنصاره، ولو أضفنا إلى ذلك الكم الهائل، ما كتب عنه (عليه السلام) من مقالات وكلمات، لرجحت كفته على مجمل شخصيات القرن الواحد على الأقل).

بهذه الحصيلة يمهّد المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي لمبحث آخر من مباحث دائرة المعارف الحسينية وهو معجم المصنفات الحسينية ــ الجزء الأول، وفيه يشرع في تسليط الضوء على ما استطاع الحصول عليه من مؤلفات ومصنفات في الإمام الحسين (عليه السلام)

ومن هنا يشرع بالقول: (وتأسيساً على هذه الحقيقة، رأينا أن من الجدير بموسوعتنا المعروفة بـ (دائرة المعارف الحسينية) أن نستقصي الكتب والمصنفات التي ألفت في سيد الشهداء (عليه السلام) في معجم شامل يكون الأول من نوعه في هذا المجال، ويكون أيضاً دليلاً للباحثين وعوناً للدارسين، ويعكس مظهراً من مظاهر عظمة الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال وفرة ما ألف عنه).

ولكن هذه المهمة لم تكن بالسهلة أبداً، بل من العسير جداً الإلمام بكل عناوين المصنفات في الإمام الحسين (عليه السلام) لكثرتها فعملية الاستقصاء عنها على مدى أربعة عشر قرناً يحتاج إلى جهدٍ مضنٍ، بل إنها تحتاج إلى مجموعة من الباحثين، خاصة إن المحاور والجوانب والاتجاهات قد تعددت حول شخصيته العظيمة وكذلك نهضته المباركة وهو ما أكده الكرباسي بقوله:

(وما كدنا نبدأ بالعمل، حتى أدركنا سعته وامتداده وتشعبه وصعوبته، فالمصنفات التي تمحورت حول شخصية الحسين (عليه السلام) أو تلك المتعلقة بنهضته المباركة، أو المرتبطة به من قريب أو بعيد، تتجاوز الآلاف المؤلفة، الأمر الذي يتطلب وقتاً طويلاً ودأباً مستمراً لاستقصائها ومراجعتها...)

ولكن الكرباسي آلى على نفسه أن يبذل كل طاقته وجهده، ويسخِّر وقته من أجل الاحاطة بكل ما يتعلق بالإمام الحسين ونهضته المباركة، وحرص على أن لا يفوته مُصنَّف دون أن يدوّنه فيقول: (ولكن الذي هوّن علينا ذلك، هو أننا بادرنا إليه في سياق عملنا الموسوعي المتمثل بالبحث عن كل ما يتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام) حيث خفف ذلك عنا الكثير من البحث المستقل حول هذا الموضوع، إذ أنه يتم ضمن بحثنا الأوسع والأشمل) وقد اتبع في ذلك تسلسل الحروف الأبجدية.

وكما في مباحثه يبدأ الكرباسي من جذور المواضيع التي يتناولها، فيبدأ بتاريخ الكتابة فيتدرج من أول كتاب كُتب على وجه الأرض إلى أول مكتبة عُرفت في التاريخ وهي مكتبة نيبور البابلية على عهد السومريين، إلى تاريخ التأليف في العهد الإسلامي فيتناولها بالتوثيق والمصادر والتواريخ.

ثم ينتقل إلى الخط فيتحدث عن أنواعه ونشأته وانتشاره وأبجديته في الكتابة المسمارية، والهيروغليفية الحيثية، والهيروغليفية المصرية، والصينية، ويضع جدولاً بحروفها، ثم يشير إلى أن الفينيقيين هم أول من اكتشف الحروف الأبجدية وعنهم أخذت الشعوب الأوربية.

أما عند العرب فإن اللغة العربية يعود أصلها إلى النبي إسماعيل (عليه السلام) والذي كان أول من تكلم بها، وقد تعلم العرب الخط منذ زمن بعيد، وكان بعض أهالي الحجاز ممن رحلوا إلى العراق يكتبون الكلام العربي بالخط النبطي والعبري والسرياني، ولما جاء الإسلام نشأ خط النسخ عن الخط النبطي والكوفي عن السرياني.

ثم يستعرض الكرباسي أنواع الخطوط المستخدمة عند العرب وهي اثنان وعشرون نوعاً، ويتحدث عنها وعن تشكيلاتها واشتقاقاتها وخواصها بشكل مفصل، ويعرض نماذج لكل واحد منها، وينقل عن المعصومين أحاديث في شأن الكتابة وأهميتها.

أما الأنواع التي ذكرها فهي: الإجازة، والأندلسي، والبصري، والبغدادي، والتاج، والتعليق، والثلث، والحديث، والحر، والحيري، والديواني، والرقعة، والريحاني وشكستة، والطومار، والكوفي، والمدني، والمغربي، والمكي، والنبطي، والنستعليق، والنسخ.

ثم ينتقل الكرباسي إلى الورق وتاريخ صناعته وأحجامه وأنواعه كالفرعوني، والسليماني، والجعفري، والطلحي، والطاهري، والنوحي، والبغدادي، والشامي، والحموي، والمصري، والسلطاني، فيستطرد في الحديث عن كل واحد من هذه الأنواع وعن أصوله ونشأته وتسميته.

وكذلك يفصل الحديث في باب الكتاب في نقاط شملت أحجامه ومقاييسه ونسبته في أنواعه المتعددة مثل: البغدادي، والبياضي، والتمائمي، والجيبي، والحمائلي، والخشتي، والربع، والرحلي، والرقعي، والسلطاني، والوزيري، والعمي، والكف، والمعطفي.

وفي باب التأليف يعرض الكرباسي أموراً مهمة في هذا الجانب فيميز أولا بين التأليف والتصنيف، فالأول أعم من الثاني، ثم يتطرق إلى كل ما يخص التأليف من الحقوق قانوناً وشرعاً، والمصطلحات التي تعنى بالتأليف كالاختزال والاختصار والاشراف والاعداد والاقتباس والانجاز والتحريف والتحقيق والترجمة والتصحيح والتصحيف والتعريب والتنقيح والقلم والمراجعة والمراقبة والمستل والمنسّق والنقد ويشرح كل هذه الأمور شرحاً وافياً.

أما في باب الطباعة ومتعلقاتها فيلج الكرباسي هذا الباب من أصله ثم اصطلاحه ونشأته وتأسيسه الذي بدأ في القرن السادس الميلادي في الصين ثم كوريا فأوربا، أما في العالم الإسلامي فقد دخلت المطبعة إلى الهند ثم إيران عام 1046 هـ

أما في العراق فإن أول مطبعة دخلت إليه كانت في كربلاء وعرفت بالمطبعة الحجرية ثم الموصل.

ولا يدع الكرباسي أمراً يتعلق بالكتابة والكتاب دون أن يطرقه ويكشف عن ماهيته وجذوره وتأسيسه فيتحدث عن التجليد والنشر وعن المكتبة بشكل مفصل في بحث هام جداً حيث يتناول المكتبات في التاريخ وإنشائها وعدد الكتب التي احتوتها. وهكذا في تدرّج معرفي يتطرّق إلى معرفة الكتاب وآلية العمل في هذا المعجم قبل أن يستعرض مائة وخمسة وستين مؤلفاً ومصنفاً في الإمام الحسين بلغات مختلفة مع مواضيعها وأسماء مؤلفيها وتاريخ طباعتها وعدد صفحاتها وجهة النشر.

إن هذا الكتاب يعد مصدراً غنياً ليس بالمعلومات التي احتواها فقط، بل يعد منهجاً لكل مؤلف ومصنف قبل شروعه بالتأليف.

محمد طاهر الصفار   

 


العودة إلى الأعلى