الجبال في القرآن الكريم
قراءة: أ د حميد حسون بجية
كشفت دراسة الزلازل عن وجود ثلاث طبقات لباطن الأرض هي القلب والرداء والقشرة. ويتكون القلب من مادتي الحديد والنيكل في حالة صلبة ودرجة حرارة تصل إلى خمسة آلاف درجة مئوية. ونصف قطر مركز القلب 800 ميل، ثم يليه القلب الخارجي بسمك 1350 ميلا ويكون فيه الحديد والنيكل بحالة سائلة. ويبلغ سمك الرداء 1800 ميلا ويقع بين القلب الخارجي والقشرة. ويتكون الرداء من صخور منصهرة. ويبلغ سمك القشرة بين 20 إلى 25 ميلا، لكنه يزداد إلى الضعف تحت الجبال العالية.
وتحدث في القشرة ظاهرة الالتواءات التي تكوّن سلاسل الجبال orogensis، حيث يكون الجبل مرتبطا ومثبّتا بأساس ممتد في عمق القشرة الأرضية داخل الرداء. وذلك واضح في قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا)(النبأ 6-7). فالوتد قطعة خشب أو حديد تستخدم لتثبيت الخيمة. وتكمن أوجه التشابه بين الجبال والأوتاد في كون الأوتاد تغوص تحت الأرض بقوة الطَّرق، في حين تغوص الجبال تحت الأرض بقوة الجاذبية. كما أن الأوتاد تمسك بالخيمة وتثبتها، في حين تعمل الجبال كهيكل عظمي يمسك بأنسجة الأرض التي تحيط به. ناهيك عن أن الجبال تساهم في تثبيت الغلاف الجوي وتمنعه من الهروب.
ومن حيث التوازن، يؤكد العلماء على ظاهرة الاتزان الايسوستاتيكي الذي يعني طفو الكتل القارية والجبال الأقل كثافة على طبقة في باطن الأرض أكبر كثافة، مثل رسو السفن. ومن الغريب أن يشار إلى ذلك بدقة في الآية 32 من سورة النازعات:(وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) وفي الآية 15 من سورة النحل: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ).
والجبال عوامل توازن للأرض التي نعيش عليها كيلا تميد وتتأرجح، كما في نص الآية 15 من سورة النحل: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ) والآية 31 من سورة الأنبياء: (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ)أي أنها تضمن استقرار الأرض.
والفعل (ألقى) يشير إلى الجبال الرسوبية التي تتكون بإلقاء الرواسب وتراكمها طبقة فوق أخرى. وقد يشير إلى ما يلقى من السماء من نيازك ضخمة وهو ما أكده العالم الجيولوجي الفاريز من جامعة كاليفورنيا عام 1979.
ثمة علاقة بين الجبال العالية والماء العذب، كما في الآية 27 من سورة المرسلات: (وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ شَٰمِخَٰتٍۢ وَأَسْقَيْنَٰاكُم مَّآءً فُرَاتًا). فقمم الجبال تعمل عمل الاسفنج في تجميع الماء العذب وتخزينه وترشيحه. فارتفاعات قمم الجبال العالية تساعد في تكثيف بخار الماء في الهواء الرطب تحت درجة حرارة منخفضة فيتكثف الماء على هيئة ثلوج تغطي تلك القمم. ثم ينصهر الثلج تحت الطبقات الثلجية المتراكمة ويتحول إلى ماء عذب منحدرا من السفوح مكونا الأنهار في الوديان الخصبة التي تعدّ أصلح الأماكن لشق الطرق. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك في الآية 15 من سورة النحل بوضوح جلي: (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون).
أما عن حركة الجبال، فيقرر القرآن حقيقة جلية تخص الجبال في قوله تعالى: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ....)(النمل: 88) التي فسرها المفسرون القدماء بما سيحدث للجبال يوم القيامة، وتشتمل على الاشارة إلى ثلاثة أشياء:
- تعرية الأرض: فقد أكد علماء طبقات الأرض(الجيولوجيا) مثل جيمس هاتون وتشارلز لايل على التغير التدريجي المستمر لسطح الأرض عبر الأحقاب الجيولوجية الطويلة uniformitarianism وهو ما أثار جدالا مع رجال الكنيسة في القرن السابع عشر فقد ظنّوا أن نظرية هاتون تعطي انطباعا عن خطأ الإنجيل.
- حركة الأرض: وفي الآية 88 من سورة النمل التي مر ذكرها ما يشير إلى كون حركة الجبال دليلا على حركة الأرض. وهذا ما لم يجرِ التعرف عليه الا في العصر الحديث. فقد كان الاحساس العام منذ زمن بطليموس في القرن الثاني الميلادي أن الأرض ساكنة، وهي مركز الكون، والذي بقي سائدا حتى جاء كوبرنيكوس في القرن السادس عشر وقال بمركزية الشمس وليس الأرض. واصطدم العلم مع رجال الكنيسة، فحوكم جاليليو وغيره من العلماء.
- تحركات القشرة الأرضية(إزاحة القارات): يتكون سطح الأرض من الداخل من طبقتين: طبقة الليثوسفير بسمك 60 ميلا، وطبقة الاثينوسفير. فتتحرك القارات بجبالها على ألواح ضخمة (الليثوسفير) على طبقة الأثينوسفير بما يسمى زحزحة القارات.
أصول الجبال وأعمارها: قد يقال إن عمر الجبال هو عمر الأرض. لكن تاريخ بعض الجبال يعود إلى زمن الالتواءات والانثناءات وقوى الرفع. دلت الدراسات الجيولوجية على أن معظم الجبال بدأت بتكوين الأحواض الرسوبية عبر أحقاب زمنية طويلة. فقد نشأت من تراكم الرواسب وحمم لافا البراكين والصخور الجرانيتية والبازلتية في قيعان البحار القديمة، ثم انضغطت بقوى هائلة أدت إلى بروز الصخور فوق السطح لتصبح جبالا شامخة. فكانت ألواح القشرة الأرضية(الليثوسفير) تتحرك طافية على طبقة الأثينوسفير. ومن هنا جاءت التسمية في القرآن الكريم(الجبال الرواسي) أو الراسية أي الطافية.
ولو تأملنا الآيات التي تتناول الجبال في القرآن الكريم، لوجدنا هنالك وصفا لعملية معينة مشتركة وأساسية عن مدّ الأرض قبل إنشاء الجبال. فهنالك إشارة للخلق الأول للجبال(تقدر حاليا قبل 570 مليون إلى 400 مليون سنة). وفي آيات أخرى ثمة إشارة إلى مد الأرض وإلقاء الرواسي (قبل 250 مليون إلى 400 مليون سنة). وفي آيات سواها هنالك إشارة إلى الجبال الحديثة (منذ 650 مليون سنة). فذكر الأنهار والثمرات يوحي بالتضاريس الحديثة. وبهذا فالقرآن يشير إلى اختلاف أعمار الجبال.
وعندما يقول سبحانه في الآية 21 من سورة الحشر: (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ...)، فهو يؤكد أن الجبال رغم ارتفاعها وصلابة صخورها، تخرّ متواضعة أمام هذا القرآن. فثمة سبب لذلك المثل، كما يقول سبحانه في سورة العنكبوت الآية 43: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ).
هذا غيض من فيض. والكتاب مفعم بالمعلومات المستمدة من القرآن الكريم بما يتوافق مع ما توصل إليه العلم الحديث.
(من كتاب القرآن الكريم والعلم الحديث تأليف دكتور منصور محمد حسب النبي، استاذ ورئيس قسم الطبيعة الأسبق، كلية البنات، جامعة عين شمس)
البصرة: دار الزهراء للنشر والتوزيع
(والكتاب ترجمة لكتاب The Glorious Quran and Modern Science بقلم المؤلف نفسه). ويذكر الكاتب أن باعثه لتأليف كتابه الأصلي دعوة غير المسلمين لدين الاسلام وذلك باستخدام الاسلوب الموضوعي القائم على تبيان الاعجاز العلمي للقرآن بما يثبت نبوة الرسول الكريم(صلى الله عليه واله) لكل من ينكرها. كما يساعد المسلمين في ايجاد اجوبة علمية لكثير من التساؤلات لأثبات أن الاسلام دين علم لاسيما وأن عصرنا لا يؤمن بغير العلم لغة ووسيلة للتخاطب تفضي إلى الاقناع.
مجلة الروضة الحسينية