قراءة في كتاب معجم المصنفات الحسينية الجزء الثالث
ألزم المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي نفسه جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، والخصوصيات، والحيثيات والتفاصيل وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بالإمام الحسين (عليه السلام) وسيرته الشريفة وجوانب شخصيته العظيمة في جميع أدوارها وأبعاد نهضته المقدسة وكل المزايا المتعلقة بهذا الموضوع، ودراسته دراسة دقيقة موثقة.
لقد اقتحم الكرباسي مضمار التاريخ وشق عباب العلوم لإخراج موسوعته الخالدة دائرة المعارف الحسينية وحدَّد هدفه في رصد كل متعلقاتها وتداعياتها القريبة والبعيدة والصغيرة والكبيرة لنشرها ودراستها فكوَّن انسكلوبيديا حسينية بكل مقوِّماتها وخصائصها.
في هذا الجزء وهو الثالث من مبحثه معجم المصنفات الحسينية والثامن والستون من دائرة المعارف الحسينية يضيف الكرباسي إلى ما ذكره في جزأيه الأول والثاني، مائتين وأربعين عنواناً جديداً من المؤلفات التي ألفت في الإمام الحسين (عليه السلام) ليصبح مجموع ما ذكره ستمائة وثلاثة وأربعين عنواناً مع حرصه على ذكر أسماء المؤلفين كاملة وتواريخ ولاداتهم ووفياتهم أن وجدت وتحديد عصرهم ولو بالمؤشرات إذا لم توجد وكذلك مكان ولاداتهم كما يكمل ذكر المكتبات التي وردت في هذا الجزء لتضاف إلى الجزأين السابقين.
ومن المكتبات التي وردت في هذا الجزء:
المكتبة الآصفية في حيدر آباد بالهند
مكتبة خليفة بن علي الموسوي في الإحساء
مكتبة دار الكتب المصرية
مكتبة سلطان المتكلمين، ومكتبة شاه عبد العظيم في طهران
مكتبة عبد الحسين شرف الدين في صور بلبنان
مكتبة كاشف الغطاء في النجف الأشرف
مكتبة المازندراني في كربلاء
مكتبة معهد المخطوطات العربية في القاهرة
مكتبة الميثمي في أراك بإيران
مكتبة الروضة الباكستانية في كراجي
ثم يشرع الكرباسي في ذكر المؤلفات...
وقبل أن نذكر العناوين المهمة منها نقول: ولرب سائل يسأل لم كل هذه المصنفات والمؤلفات والبحوث والدراسات والمراثي والتعازي حول شخصية الحسين وحادثة استشهاده ؟ فهناك كثير من الرجال العظماء في التاريخ قدموا أرواحهم في سبيل الله واستشهدوا كما فعل الحسين ؟ ألأنه سبط النبي وابن علي والزهراء أم هناك شيء آخر؟
إن من يستقرئ أحداث تلك الفترة وما رافقها من ظلم وإرهاب وسلب للحقوق ليدرك سرّ عظمة الحسين، ويعي معنى هذه العظمة، ويقف على الأهداف الإنسانية السامية النبيلة التي سار عليها الحسين، وضحّى من أجلها واستهان بحياته في سبيل تحقيقها، وهي أهداف تشترك في سبيل تحقيقها الإنسانية جمعا، فالإنسانية ليست وقفاً على دين من الأديان، أو قومية من القوميات، وهذه الإنسانية حمل أهدافها الإمام الحسين يوم الطف.
ويتجلّى الهدف السامي من ثورة الحسين واستشهاده في قوله: (أيها الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله.، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرّموا حلاله).
فأيّ هدف أسمى وأرقى وأنقى وأعظم من هذا الهدف ؟ ولقد صرح الحسين برأيه هذا مراراً وتكراراً من أجل إيقاظ الأمة وتحريرها من العبودية فأرسل كلمته في عمق الأمة: (إنا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله)
لقد ارتقت هذه الثورة على كل الثورات، كونها أحدثت تغييراً جذرياً في مسار الأمة، وأعادت إليها كرامتها المهدورة، وصحّحت المفاهيم العظيمة للإسلام بعد أن حرّفها الأمويون، وزيَّفوها في الأذهان، فكانت عظيمة في تضحيتها، وعظيمة في عطائها، عظيمة لأنها انتهت بأروع استشهاد في تاريخ البشرية، وأعظم تضحية مثلت ذروة العطاء البشري، فتغلغلت في الضمير الإنساني وأحيت الضمائر شبه الميتة التي خنقتها سياسة الجور الأموية. وعظيمة لأنها كانت التحدّي لأبشع وأقسى سياسة في تاريخ الإسلام، فالثورة في ذلك الوقت تعني الموت بلا شك، والحسين كان أكثر الناس وعياً بتلك المرحلة فقدّم نفسه فدية متوهّجة بالدم
فالحسين (عليه السلام) وريث جده النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، ووريث دعوته المباركة التي قضت على الجاهلية وأنقذت الإنسان من العبودية، فكان الحسين امتداداً لتلك الدعوة بثورته ضد التحريف والظلم الأموي، فقام بدوره التاريخي الرسالي من أجل إنقاذ الرسالة من أعدائها في الجاهلية والإسلام، فكان المثل الأعلى لكل ثائر على الظلم في كل الأزمان
ولذلك لم يقتصر التأليف عن الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته المقدسة على لغة العرب وحدها ولا على المسلمين وحدهم فتمجيد الثورة ضد الظلم هو تمجيد للمبادئ الإنسانية جمعاء, فقد كانت ثورة الحسين عالمية بكل مقاييسها وقيمها ومبادئها السامية فغطى صداها جميع أصقاع العالم وأصبحت كربلاء أنشودة الحرية في فم الأجيال.
يقول جبران خليل جبران: (لم أجد إنساناً كالحسين سجّل مجدَ البشرية بدمائه).
ويقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون: (أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية، وقتل في سبيل العدل بكربلاء)
لذلك كان الحزن عليه سرمدياً كما وصفته الدكتورة بنت الشاطئ بقولها: (ما أحسب أن التاريخ قد عرف حزناً كهذا طال مداه حتى استمر بضعة عشر قرناً دون أن يفتر)
وفي هذا الكتاب كشف الكرباسي عن كنوز هذه التآليف ومنها هذا الكتاب
محمد طاهر الصفار