بروفيسور جزائري: لم اتصور ان كربلاء بهذا الجمال فهي مدينة عصرية في بناء الإنسان والبنى التحتية
يواجه المجتمع العربي والإسلامي الكثير من التحديات ومنها تحديات الخطاب الإعلامي وما يبثه من رسائل مما يستدعي ايجاد المعالجات وأحد أهم هذه المعالجات برأي المختصين والمراقبين ممن يحملون هم الأمة هو ايجاد أرضية تعاون بين المجتمعات العربية والإسلامية قائم على أساس التعايش السلمي واحترام الآخر. هذه المعالجات تحدث عنها خلال زيارته لكربلاء برفقة وفد عربي الأمين العام للاتحاد العربي للتمكين الرقمي البروفيسور أحمد أبو داود في حوار خص به وكالة كربلاء الدولية.
ــ قبل ان نبتدأ حديثنا دكتور، اوجز لنا سيرتك.
ــ أحمد أبو داود من الجزائر، حاصل على شهادة الدكتوراه واللقب العلمي بروفيسور وباحث في علوم الإعلام والاتصال ومتخصص باللغة العبرية، عملت في ادارة الكثير من المؤسسات الصحفية والتلفزيونية في الجزائر، و هذه هي الزيارة الأولى لي للعراق وكربلاء، كنت اسمع الكثير عن كربلاء وعن العراق لكنني لم اتصور ان كربلاء بهذا الكم الهائل من الجمال والرقي في كل شيء فهي مدينة عصرية في بناء الإنسان والبنى التحتية.
ــ شاركت بندوة علمية في كربلاء المقدسة ما مضمونها ورسالتها؟
ــ ضمن دعوة مقدمة لي من مركز الإعلام الدولي لزيارة كربلاء وعلى هامش هذه الزيارة أقيمت ندوة علمية دولية شاركتُ بها ببحث كان يحملُ عنوان (قواعد الخطاب الإعلامي في الفضائيات الإسلامية) فهو بحث لتحليل الخطاب الإعلامي الإسلامي والوقوف على نقاط القوة والضعف في هذا الخطاب من أجل الارتقاء بمستوى هذا الخطاب حتى يصل الى جميع انحاء العالم، الهدف من هذه الندوة هو ترسيخ مفهوم التعايش بين المسلمين فالندوة أعطت جملة من الأهداف النبيلة من خلال عنوانها العام إلا وهو أثر الإعلام في ترسيخ الوحدة الإسلامية.
ــ ما سبل ايصال رسائل قادرة على نقل حقيقة الإسلام الى العالم ؟
ــ كباحثين متخصصين في الإعلام وقفنا على حقيقة مرة وهي أنه لا يوجد أكاديمياً وضع مفهوماً للإعلام الإسلامي فهناك فرق بين الإعلام الديني والإعلام الإسلامي فالإعلام الديني شامل يشمل كل الشرائع اما الإعلام الإسلامي للأسف الشديد لم توجد له قواعد وأسس فكل ما هو موجود عبارة عن عموميات أوجدها رجال الدين مع جل احترامي لرجال الدين في كل المذاهب لكنهم ليسوا إعلاميين، هذه أول نقطة ننطلق منها وللأسف غُيب الباحث الإعلامي عن اسس الإعلام الإسلامي او ما يعرف بخصائص الإعلام الإسلامي والرسالة الإعلامية ومن هذا المنطلق استغلت بعض المدارس السياسية هذه الفرصة على تطرفها وعلى غلوها وعلى عدم انتمائها لأي مذهب من هذه المذاهب وللأسف وجدت الدعم المادي الكثيف وأسست لإعلام لا يتماشى مع أخلاقيات الإعلام ولا حتى مع أخلاقيات الدين الإسلامي إلا انها نجحت رغم التطرف ورغم الغلو ورغم ما تدعو آليه من تشرذم لأنها احيطت بدعم مادي قوي جدا، وهذا اثر على عامة الناس فهم لم يستقطبوا المسلم بل جعلوا في ذهنه تشويشا فهم من شوشوا بين الشيعي والسني والحنبلي والشافعي وبين المالكي وحتى وصل بهم الأمر التشكيك بأهل السنة بعد ان سرقوا مصطلح أهل السنة والجماعة واخرجوا من هم اصل هذا المصطلح فهذا كله صنع إعلامياً للأسف الشديد، ورجال الدين لم يدركوا مدى أهمية الإعلام فهم اتبعوا ذات المنهج، منهج لم الشمل وهو عمل ومجهود جبار ولكنهم بقوا يستعملون منابر المساجد فهي بالتأكيد لها قدسيتها ولها روحها لكن شاشات الفضائيات ليست مساجد وهي تقوم على علوم إعلامية ولها قوانينها لذلك اعتقد ان اليوم ينبغي ان تكون كربلاء منطلقا لوضع أسس علمية ومنهجية، القائم في الاتصال بها ينبغي ان يكون رجل الإعلام المتخصص ما اصطلح عليه في الغرب فهم أوجدوا إعلاما متخصصا بمعنى من يقدم برنامج الطب يكون طبيبا متخصصا لكنه درس وخضع الى دورات لعلوم الاتصال والاعلام ليسمى صحفي متخصص كذلك رجل الدين ينبغي على رجل الدين ان يكون رجل دين متخصص في الإعلام خضع لدورات وتعلم فيها معنى الرسالة الإعلامية وادوات الاعداد وكيف يخاطب المتلقي وغيرها كثيرا.
ــ ماذا عن بلدك الجزائر هل يتأثر بالتطرف ام أنه يتصدى له؟
ــ لم يسلم اي بلد من التطرف فهو ظاهرة موجود منذ القدم للأسف إذ قال الله تعالى (كَانَ الإنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا).. في القرن الرابع عشر شهدنا تطرفاً مختلفاً تماما فهو موجود داخل الكيان او المنظومة الواحدة او المذهب الواحد أحيانا لكن ما نشهده اليوم فهو تطرف مقيت لمدرسة او لحركة سياسية جردت عامة المسلمين من الإسلام ونسبت كل قواعد الإسلام لها وجعلت من هو خارج عن دائرتها فهو ليس بمسلم أو خرج عن دائرة الإسلام، الجزائر دفعت اثمان باهظة بسبب هذه المدرسة فكان هؤلاء يفتون بقتل الجزائريين من الأطفال و الرضع وارتكبت جرائم بإسم الدين، كانت جرائم فضيعة جدا لكن لله الحمد الوضع تغير.
ــ ما موقف الشعب الجزائري من الهم الفلسطيني؟
ــ وكأن معركة فلسطين الآن وطوفان الأقصى ميزا بين الخبيث والطيب، عامة الناس أدركوا إذا لم ينتفض اي مسلم في اقصى الأرض او ادناها فهو يصف بصف الصهاينة المحتلين، الجزائر تبنت منذ الاستقلال قاعدة (مع فلسطين ظالماً او مظلوما) فلسطين هي قضية كل أحرار العالم.
ــ كيف نستثمر السلطة الرابعة في مكافحة التطرف وما جدوى تنظيم المؤتمرات؟
ــ أول الغيث مطر ثم ينهمر، هذه الخطوة في إقامة مؤتمرات تدعو للحد من التطرف والإرهاب مهمة لكن يجب أن نبني عليها اي بمعنى أننا نعمل خطوة ثم لا تنقطع فلابد أن نستثمر بمخرجات هكذا مؤتمرات والعمل على كيفية تحييد الإعلام المتطرف او الإعلام الشاذ، ويمكن ان نحيده بتفعيل دور اتحاد إذاعات والتلفزيونات الإسلامية وأرى ان دوره مغيب تماماً، أيضا يجب التأسيس لمرجعية إسلامية إعلامية يتشارك فيها رجل الدين باعتباره مرجع ديني لكن يؤسس لها ويرسم خطاها رجل الإعلام وتتشكل هنا المصطلحات العامة التي نستطيع ان نتقبلها او نطبق ما يعرف بنظرية التماهي بعلوم الإعلام والاتصال بحيث استطيع ان أتفرج اليوم على قناة شيعية او الشيعي يستطيع ان يتفرج على قناة سنية وما الضير من ان توضع سياسة مخاطبة الآخر حتى يشعر أن الآخر لا يختلف عنه شيئا والاختلاف لا يفسد للود قضية.
ــ زيارتك لكربلاء كيف تصفها وما مدى حرص هذه المدينة على التعايش؟
ــ تجربة جميلة وظاهرة صحية ومن المؤشرات التي تدل على ان مجتمع الشيعة مهما تعرض له من التشويه والأكاذيب التي ساقتها المدرسة التكفيرية عنه لكنه أثبت تحديه لهذه الهجمات وينبغي على العتبة الحسينية وحكومة العراق بشكل عام تصويب وتصحيح هذه النظر السوداوية عن الشيعة في العراق، للأسف لازالت حتى عند عامة الناس أنك عندما تذهب الى كربلاء سوف تقتل، لذا علينا جميعا أزالت هذه النظرة وهذه مسؤولية العتبات المقدسة والإعلام العراقي، وجدنا هنا مختلف الجنسيات والمذاهب ونحن كوفد المغرب العربي صلينا صلاتنا الاعتيادية لم يسألنا احد لماذا تصلون بهذه الطريقة؟ بالعكس كنا اينما ذهبنا نجد الترحاب وبشاشة الوجه وحسن الاستقبال فاستشعرنا قول الله عز وجل (أن هذه امتكم أمة واحدة) ووجدنا أنفسنا في مسجد نستقبل به القبلة لا كما يدعون أن الشيعة لهم قبلة خاصة للأسف هذه الأكاذيب انطلت على الناس بل وصل بهم الحال الى التشكيك بأن الشيعة يقرأون بمصحف خاص أشبه بالإنجيل وغيرها الكثير لذلك هي مسؤولياتكم ان تزيلوا هذه الشبهات والاكاذيب وهذا التدليس الذي استمر لعقدين من الزمن ونحن بدورنا كإعلاميين سوف نوصل هذه الرسالة وعلى النخبة ان تتصدى لموضوع التدليس بإقامة مؤتمرات وندوات وورش عمل والأهم الاحتكاك، فبالاحتكاك تزال الشبهات فعندما يكتشف الآخر بنفسه ان الشيعة ليس كما صور لهم فهذا يعود على الأمة بالاستقرار وأكرر ان الجرح عميق بسبب المدارس السياسية فهي لم تقتصر على تكفير الشيعة حتى كفرت اهل السنة المعتدلين أيضاَ.
ــ المؤسسة الدينية في كربلاء تقدم خدمات مجتمعية وإنسانية عديدة بالإضافة الى وظيفتها الدينية ما انطباعك عنها؟
ــ هكذا ينبغي ان تكون المؤسسة الدينية فأنا أعترض على من يقول ان المؤسسة الدينية عليها تقديم النصيحة والإرشاد الديني فقط فهذا عزل المؤسسة الدينية عن المجتمع فينبغي ان تعيش المؤسسة الدينية مع الناس وتشعر بمعاناتهم، وجدت الكثير من المشاريع الإنسانية التي ترعاها العتبة الحسينية إذ أن لديها اكبر مؤسسة في الشرق الأوسط وهي مؤسسة وارث لعلاج الاورام السرطانية وذهلت كثيرا وذهلت اكثر عندما سمعت انها تقدم خدمات مجانية لمن هو دون السن القانوني ونصف قيمة العلاج لمن هو في السن القانوني، حقيقة بوادر تشعرنا بالفخر اننا مسلمين فهذا هو دور الإسلام الحقيقي، أبهرت حقيقة بالفكر الاقتصادي الرائع جدا للعتبة الحسينية فهذا كله يعود على نصرة الإسلام والمسلمين.
ــ في الختام ماذا سوف ينقل البروفيسور أبو داود عن العراق وعن كربلاء على وجه الخصوص؟
ــ ببساطة الصورة التي وجدناها ابلغ تعبيراً ونقلا عن الواقع فأنا عرفت الشيعة عن كثب لكن ما اعرفه الان لا يعرفه عامة الناس، سوف نقوم بوظيفتنا على اكمل وجه بنقل الحقيقة الى المجتمع المغربي، لكن علينا ان نقف جميعاً كنخب وإعلاميين ومثقفين من أجل إعادة الصورة الإيجابية التي دلسها المغرضون.