بقيع الغرقد .. شاهد على أحقاد نواصب العداء لآل البيت (عليهم السلام)
البَقيع، الارض المباركة التي حظيت بأن تكون مقبرة لأهل المدينة، وأمر نبيَّه المصطفى صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم بالدعاء والاستغفار لأهله، فقد كان صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم يخرج ليلاً؛ ليدعو ويستغفر لأهل البقيع، ويسلِّم عليهم، ويحضر مشاهد مَن يتوفَّى من الصحابة -رضي الله عنهم-. يُضاف إلى ذلك شفاعته، وشهادته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمن يموت في المدينة أقدم مقبرة للمسلمين في المدينة المنورة، بجوار قبر رسول الله وتضم أربعة من أئمة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم: الإمام الحسن والإمام علي بن الحسين، الإمام الباقر، الإمام الصادق (عليهم السلام).
كما تضم أيضا قبر العباس بن عبد المطلب وقبر إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقبر عدد من عمات النبي، وزوجاته، وبعض أصحابه، وعدد من شهداء صدر الإسلام، والعديد من كبار شخصيات المسلمين.
وقد كانت البقيع منذ عهد الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) مزاراً للمؤمنين وإلى يومنا هذا، لكن الوهابيين هدموا القباب الموجودة فيها، ومنعوا المسلمين من تأدية شعائرهم الدينية وممارسة معتقداتهم الشرعية.
والبقيع لغةً موضع من الأرض فيه أروم شجر من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد بـالمدينة المنورة، لأن هذا النوع من الشجر كان كثيراً فيه، ثم قطع، وفي كتاب (العين) الغرقد: ضرب من الشجر.
تاريخ البقيع
لا توجد معلومات تاريخية أو روايات تشير إلى وجود مقبرة باسم البقيع قبل الإسلام، وأقدم نص أدبي شعري، في ذكر بقيع الغرقد هو لعمرو بن النعمان البيضاني، من زعماء الخزرج يرثي قومه الذين اقتتلوا في داخل بستان بالعقيق على عشرة أميال من المدينة وبقيع الغرقد، وقد ذكر ابن الأثير في تاريخه هذه الحادثة التي وقعت بين الأوس والخزرج وأطلق عليها (بيوم البقيع) وكان الانتصار فيها للأوس، وكان يهود يثرب يدفنون موتاهم في بستان (حش كوكب) عند بقيع الغرقد.
في صدر الإسلام
عندما هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وقام بتأسيس الحكومة الإسلامية فيها، كانت إحدى احتياجات المسلمين وجود مقبرة يدفنوا بها موتاهم، فعين (صلى الله عليه وآله) لهم منطقة البقيع، وأول من دفن فيها من المهاجرين هو عثمان بن مضعون، ومن الأنصار هو أسعد بن زرارة، وقد أشارت بعض النصوص التاريخية، إنَّ هذا البستان - (البقيع) لم يكن فقد لدفن الموتى، ولكن يوجد من المهاجرين خاصة من قام ببناء دار له فيه، ــ حيث ذُكر أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قام بتقسيم الأرض من أجل بناء دور للمهاجرين فيها ــ ومن ثم أصبحت هذه الدور فيما بعد مقبرة العائلة، أو محل دفن أحد الشخصيات المهمة، ومن أشهر تلك الدور الكبيرة التي في البقيع دار عقيل بن أبي طالب، وكذلك توجد بعض الدور الصغيرة، وقد أصبحت فيما بعد محل دفن أصحابها، واختارت كل قبيلة ناحية من البقيع لدفن موتاهم، فعرفت كل قبيلة مقابرها، ومن الأماكن المعروفة في البقيع (بيت الحزن) أو بيت الاحزان بناه أمير المؤمنين (عليه السلام) للسيدة الزهراء (عليها السلام)، حيث كانت تأوي إليه للبكاء بعد رحيل أبيها (صلى الله عليه وآله).
وقيل إنَّ الإمام علي (عليه السلام) اختار دار بجوار دار عقيل في البقيع، فقيل له: مالك جاورت المقابر، فقال: "وجدتهم جيران صدق".
في زمن الأمويين
استقطبت أرض البقيع اهتمامَ الناس في زمن الأمويين، مع استمرار توسع المدينة المنورة، حيث قام بعض الأفراد ببناء دور لهم فيها، مع استمرار دفن الأموات، وقد قام محمد بن الحنفية (رضوان الله عليه) ببناء دار له بالبقيع في زمن عبد الملك بن مروان، وكذلك دفن في البقيع، وكذلك يوجد دور أخرى قد بنيت في تلك الفترة، منها: دار كانت تُنسب للإمام زين العابدين (عليه السلام).
وقد قام مروان بن الحكم والي المدينة، في زمن معاوية بتوسيع البقيع حيث قام بإدخال بستان (حش كوكب) الذي دفن فيه عثمان في البقيع، ورفع حجر وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قبر عثمان بن مضعون حتى يعرف به، وجعل ذلك الحجر على قبر عثمان بن عفان.
في زمن العباسيين
بسبب دفن العباس بن عبد المطلب عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دار عقيل، وكذلك دفن الإمام الحسن المجتبى والإمام السجاد، والإمام الباقر (عليهم السلام) قام بنو العباس بتوسيع وتعمير قبور أئمة البقيع وتحويل دار عقيل إلى حرم، وذلك لسياستهم المخالفة لبني أمية من جهة، وكسب ود العلويين وبالخصوص أولاد الإمام الحسن من جهة أخرى، كما قام هارون العباسي الذي حكم في سنة 170 هـ إلى 193 هـ، بتعمير وتوسيع قبور أئمة البقيع.
في زمن السلاجقة
وذكرت المصادر التاريخية إعادة بناء مقبرة أئمة البقيع (عليهم السلام) في زمن السلاجقة، حيث أرسل مجد الملك ألب لاساني القمي (ت: 492 هـ)، وزير بركيارق السلجوقي (ت: 498 هـ) المعمار القمي من أجل عمارة قبة أئمة البقيع ولكن حينما قُتل الوزير، قتل أمير المدينة المعمار بعد أن أعطاه الأمان.
وذكر ابن جبير (ت: 614 هـ) في كتابه: أنَّ بقيع الغرقد يقع في الجهة الشرقية من المدينة، تخرج إليه من باب يعرف «بباب البقيع»، وأول ما تلقى عن يسارك عند خروجك من الباب المذكور مشهد صفية عمة النبي (صلى الله عليه وآله) ومن ثم يبدأ بذكر قبور البقيع فيذكر روضة العباس بن عبد المطلب والحسن بن علي (عليه السلام) وكانت قبة مرتفعة على مقربة من باب البقيع المذكور عن يمين الخارج منه، ورأس الإمام الحسن (عليه السلام) إلى رجلي العباس وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان مغشيان بألواح ملصقة مرصعة بصفائح الصفر ومكوكبة بمساميره على أبدع صفة وأجمل منظر، وعلى هذا الشكل قبر إبراهيم بن النبي (صلى الله عليه وآله)، ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يعرف ببيت الأحزان.
في زمن الإيلخانيين
بعد سقوط بغداد عاصمة الدولة العباسية على يد المغول، وذهاب بني العباس إلى مصر، ليشكلوا فيها حكومة المماليك في القاهرة، في هذه الحقبة من الزمن سافر ابن بطوطة سنة 725 هـ إلى مكة والمدينة وذكر بقيع الغرقد، ووصف المزارات وذكر ما تحتويه، إلا أنه لا يُعرف أكثرهم.
في زمن العثمانيين
في سنة 1220 هـ قام الوهابيون بمحاصرة المدينة المنورة، وهدموا القباب التي في البقيع، ما عدا قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر سعود بن عبد العزيز، فأرسل السلطان محمود الثاني العثماني جيش للمدينة لمحاربة الوهابيين، وتمكن الجيش من اخراجهم في سنة 1227 هـ، وأُطلق على هذا الحدث التاريخي (بقطع دابر الخوارج).
وذكر (جون لويس بوركهارت) في كتابه ترحال في الجزيرة العربية، رحلة التي حدثت في 3 صفر سنة 1230 إلى الحجاز ومكة والمدينة، وقدم وصفا شاملاً للبقيع بعد التخريب الذي أحدثه الوهابية، وذكر أنَّ القبور جميعها قد دمرت، ولا يوجد أي نقوش وكتابات عليها، فلا يوجد إلا أكواماً من الطين، ولم يسلم من تخريب الوهابية إلا بقايا القباب والبنايات الصغيرة.
بيت الاحزان
و هو البيت الذي كانت تأوي إليه السيدة الزهراء (عليها السلام) للبكاء على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد رحيله، بناه أمير المؤمنين (عليه السلام) لها في البقيع، ويقع في أعلى نقطة في البقيع على يمين الداخل، وخلف مشهد الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، حيث كان هذا البيت يُزار سابقاً كما تُزار المشاهد المقدسة، إلى أن تعرّض للهدم، واختفت معالمه بعد الهجوم الثاني للوهابيين على المدينة، سنة 1344 هـ.
لمحة تاريخية
أورد العلماء أنه بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله) اشتد حزن السيدة الزهراء (عليها السلام) وعدم رضاها عن الوضع الجديد، فبنى الإمام علي (عليه السلام) لها بيتاً خارج المدينة وتحديداً في مقبرة البقيع؛ لكي تقيم العزاء لأبيها. ويُنقل أنها (عليها السلام) كانت تخرج يومياً وبين يديها الحسنان (عليهما السلام) إلى ذاك البيت الذي أصبح يُدعى ببيت الأحزان، ثم كانت ترجع عند الغروب إلى بيتها في المدينة برفقة أمير المؤمنين (عليه السلام).
وبناء على بعض الروايات فإنّه بعد سبعة وعشرين يوماً من رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله) لم تستطع السيدة الزهراء (عليها السلام) الوصول إلى بيت الأحزان بسبب مرضها.
بيت الأحزان في كلام أهل السنّة
ورد ذكر بيت الأحزان في بعض مصادر أهل السنة، منها ما ذكره السمهودي الشافعي مفتي المدينة المنورة ونزيلها المتوفى سنة 911 ه في كتابه "وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ج 3، ص 918"، حيث كتب في بيان المشاهد المعروفة اليوم بالبقيع: "والمشهور ببيت الحزن إنما هو الموضع المعروف بمسجد فاطمة في قبلة مشهد الحسن والعباس، وإليه أشار ابن جبير بقوله: ويلي القبة العباسية بيت لفاطمة بنت الرسول (صلى الله عليه وآله)، ويعرف ببيت الحزن".
هدم بيت الأحزان
اختفت معالم بيت الأحزان بعد الهجوم الثاني للوهابيين على المدينة، سنة 1344 هـ، وكان الوهابيون قد دمّروا البقيع في هجومهم الأول، لكن بعد ذلك أُعيدَ بناء بعض الأضرحة ومن جملتها أضرحة الأئمة الأربعة (عليهم السلام) في البقيع بعد انهزام الوهابيون أمام العثمانيين.
وفي بعض التقارير، ذُكر أن السلطان محمود العثماني أمر بإعادة بناء قبة بيت الأحزان ضمن بناء قبب قبور زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله).
بناء القبور و القباب في البقيع
قضية دفن أموات المسلمين، والشخصيات الدينية في البقيع والعناية الفائقة للمسلمين وتأكيدهم على استحباب زيارة قبور الصالحين والمؤمنين أدى إلى بناء أضرحة وقبب ومباني على هذه القبور، فمن ذلك يمكن الإشارة إلى قبر العباس بن عبد المطلب، وأربعة من أئمة الشيعة فضلاً عن شخصيات أخرى من بني هاشم وأقرباء النبي (صلى الله عليه وآله) والصحابة والعلماء والنخب من المسلمين على مدى التاريخ، كما وقد بُني على القبور قبب ووضعت لها أضرحة حيث زارها السياح، ووردت أخبار موثقة في الكتب والمصادر.
وصف الرحالة ابن بطوطة مزارات البقيع
جاء في وصف ابن بطوطة في النصف الأول من القرن الثامن الهجري للبقيع: "يقع بقيع الغرقد شرقي المدينة المنورة، وفيه قبر مالك بن أنس وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء وأمامه قبر السلالة الطاهرة المقدسة النبوية الكريمة إبراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه قبة بيضاء، وروضة فيها قبر العباس بن عبد المطلب عم رسول الله، وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهي قبة ذاهبة في الهواء بديعة الأحكام عن يمين الخارج من باب البقيع ورأس الحسن إلى رجلي العباس وقبراهما مرتفعان عن الأرض متسعان مغشيان بألواح بديعة الالتصاق مرصعة بصفائح الصفر".
وصف الامراء القاجاريين للبقيع
وفرهاد ميرزا أحد أمراء القاجارية سنة 1293، ومحمد حسين خان فراهاني سنة 1303 هكذا وصفا البقيع:
"البقيع يشتمل على بقع متعددة منها بقعة لقبور أربعة من الأئمة (عليهم السلام) والعباس عم الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقبر منسوب إلى السيدة الزهراء (عليها السلام) كما وعليه ستار مطرز أُهدي من قبل السلطان أحمد العثماني سنة 1311 هـ، وبقعة لقبور بنات الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وبقعة لزوجاته (رضوان الله عليهن) كما وهناك بقع أخرى هدم قبور أئمة البقيع هي عملية قام بها الوهابيّون وحكّام آل سعود عندما سيطروا على المدينة المنورة، فاستباحوا مقدساتها، وعثوا في آثارها تخريباً وهدماً، وقد تكررت هذه العملية على مرتين، الأولى: سنة 1220 هـ والثانية: سنة 1344 هـ.
هدم القبور
قام الوهابيّون وحكّام آل سعود بهدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام) عندما سيطروا على المدينة المنورة، واستباحوا مقدساتها، وعاثوا في آثارها تخريباً وهدماً، وقد تكررت هذه العملية على مرتين، الأولى: سنة 1220 هـ، والثانية: سنة 1344 هـ، وأثار هدم القبور مجموعة من الاحتجاجات في البلدان الإسلامية منها إيران والعراق حيث يعقدون الشيعة مجالس عزاء في هذه الذكرى ويلقون الخطابات ويذكرون الناس بهذا الحادث حتى سمي بيوم الهدم.
وقد ألف علماء المسلمين كتب في الردّ على مزاعم الوهابية حول هدم القبور، منها كتاب كشف الارتياب.
المصدر / مجلة العتبات _ العدد الاول