السياحة الاعلاميّة مفتاح لعودة السياحة في العراق
تقرير: صباح الطالقاني
تمثّل رحلة الفنان والمصور الفرنسي Louis Cyprien (لويس سايبرن) الى العراق حلقة مهمة في سلسلة رحلات انفرادية يشهدها البلد، يقوم بها ناشطون واعلاميون من جنسيات مختلفة في ظاهرة تبشّر بعودة مفهوم فُقدَ منذ عقود، ألا وهو مفهوم السياحة في العراق.
ما يميز هذه الزيارات هو ان القائمون بها يمثلون شرائح مجتمعية متعددة ومن كلا الجنسين، فمنهم الفنان والاعلامي والمثقف والناشر الالكتروني والناشط المدني والباحث في التراث والاثار فضلاً عن مستكشفو العادات والتقاليد وأصحاب قنوات اليوتيوب ذات الاشتراك العالي.
يقول (لويس) في لقاء متلفز" استمتع بوقتي في العاصمة بغداد من خلال بعض الجولات التعريفية التي اقوم بها، وأحببت كربلاء أكثر بوجود هذه القيمة الروحية الكبيرة فيها، وكذلك مدينة النجف ووادي السلام الذي اعتبرهُ مرآة ما بين الحياة والموت... ومدن اخرى زرتها مثل كركوك والناصرية والبصرة وتكريت، ان هذه المدن تحتاج للكثير من الاهتمام لكي يظهر ما فيها من قيم جمالية وتاريخية مهمة.."
guliz taşlı (كوليز تشلا) مديرة قناة CEM TV الفضائية التركية، في زيارة لها الى العتبات المقدسة في كربلاء، برفقة وفد فني، لعمل فيلم وثائقي، تقول" في هذه الزيارة، حققتُ حلمي في انتاج فلم وثائقي بعنوان (رحلة الى كربلاء مع أمي) فقد أحضرتُ والدتي لزيارة أئمتها التي كانت تذرف الدموع من أجلهم لسنوات طويلة حبّاً وشوقاً وكرامةً... وبفضل مسيرتي المهنية هيأ لي الله تعالى هذه الفرصة العظيمة، مع الكادر الفني لإنجاز عمل وثائقي عن كربلاء والنجف.
وأضافت كوليز" كصحفيّة ومديرة تلفزيون، ان هدفي الأكبر في الحياة هو نشر رسائل أئمة اهل البيت عليهم السلام للعالم أجمع، وأعتقد أن هذا الفيلم الوثائقي الذي نعمل عليه سيساهم بشكل كبير في ذلك.."
مبينةً" أنا علويّة ولدتُ ونشأتُ في تركيا، ووالدتي أيضاً نشأت على حبٍّ شديد لأهل البيت عليهم السلام، على الرغم من كل القمع والمجازر التي تعرض لها العلويون في الأناضول، فأنا ابنة لعائلة لم تستسلم أبداً وبقيَت متمسكة بأهل البيت ولم تبتعد عن طريقهم".
وتابعت مديرة قناة CEM TV التركية" انها الرحلة الأكثر سحراً في حياتنا.. وعَدتُ والدتي منذ كان عمري 12 عاماً ان آخذها الى العتبات المقدسة في العراق، وفي تلك اللحظات التي دخلنا فيها الى مرقد حضرة علي عليه السلام كان شعوراً لا يوصف... الإثارة والسعادة والمفاجأة والحزن كلها تحيط بروحك، عندما تتذكر الظلم الذي لحقَ بالإمام وعائلته، يحترق قلبك من جديد... يا له من شرف عظيم أن نكون في حضوره".
وختمَت كوليز بالقول" حظيتُ بزيارة الكوفة قبل كربلاء، ثم سامراء... الشيء الذي جذبَ انتباهي أكثر هو آثار الدمار الذي سبّبهُ داعش، حيث لا زالت تلك الآثار ماثلةً بوضوح وتدلُّ على اضطهاد أهل البيت عليهم السلام الى اليوم، لكن ذلك لم يخيفنا أبداً، بل على العكس، فأنتَ تشعر في تلك الاجواء باحتضان اهل البيت أكثر.."
المخرج والمصور من دولة تشيلي george sed (جورج سد) لم يخفي دهشته لما رآه من أجواء روحانية في زيارته الى المدينة المقدسة كربلاء، بل ان التأثير ظهر على محيّاه وهو يسألني عن سبب الروحانية العالية التي تلمَّسها في مراقد كربلاء المقدسة المتمثلة بالعتبتين الحسينية والعباسية، فأجبتهُ" هذه الاجواء الروحانية تمثّل روح الاسلام الاصيل الذي يرتبط مباشرةً بالنبي الاعظم محمد صلى الله عليه وآله، وشعورهُ هذا انما ينبع من بركات زيارته ونفحات حفيد النبي الإمام الحسين عليه السلام، الذي هو امتداد لجدّه رسول الله الذي قال عنه في حديث شريف (حسين مني وأنا من حسين)، ونحن نعتبره موجوداً بيننا لقول الله تعالى (ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء ولكن لا تشعرون).
يقول سد، الذي ينوي إتمام فلم وثائقي عن مدن مختارة من العراق" حضرتُ سابقاً الى كربلاء وكان للفيديو الأول الذي عملته منذ عامين تأثير إيجابي، على منطقة امريكا الجنوبية وخاصة البرازيل، وبشأن زيارتي الثانية هذه للعراق فأنا أعمل على فيديو حول الاسس المشتركة للأديان السماوية، وأريد أن أزور مدينة أور وبيت النبي إبراهيم جنوب البلاد".
وعن انطباعه في زيارته الى كربلاء بيّنَ المخرج التشيلي ان" معرفتنا بكربلاء والإمام الحسين محدودة لأن المعلومات غير متوفرة في كل مكان، لكنني فوجئت بمشاريع التوسعة التي تحيط بمرقد الإمام الحسين (ع) وهناك تطور ملحوظ في المدينة بشكل عام فقد كان الأمر مختلفاً قبل عامين.."
ويمثّل السائح Thibaud Laval (تيبو لافال) صورة الباحث والمستكشف، الذي يريد استثمار أقصى لفترة تواجده في العراق، فهو من جهة يحضّر لشهادة الدكتوراه في اختصاص...، ومن جهة ثانية يغوص عميقاً في مكتبات علمية وأدبية وتراثية وسياسية عراقية، دعتهُ لتركيز مهارة تعلّم اللغة العربية، وما مرّت سوى سنتين على تواجده حتى اصبح يتقنها بشكل جيد.
يقول (تيبو)" في العراق يوجد آلاف من المواقع الأثرية القديمة ولكن للأسف لم يتم تنقيبها حتى الآن، وهي تمثل حضارة وادي الرافدين التي تعد من أولى الحضارات التي عرفها الانسان، وهي غنية عن التعريف لكنها بحاجة للكشف والتنقيب والبناء ليعرفها العالم بالقدر الذي تستحقه".
ويضيف" هناك مشتركات بين الدول الأجنبية والدول التي تحتضن الآثار، حيث لا الغرب يعرف عنها ما يكفي ولا البلدان التي تحتوي هذه الآثار تسعى الى جلب البعثات المتخصصة، ولذا من واجب المختصين بالآثار والسياحة في المنطقة العربية أن يهتموا بهذا الجانب من حيث الدعاية والاعلام، وحث السلطات لتسهيل دخول الوافدين من السياح والباحثين، من ناحية تأشيرة الدخول، وتهيئة كوادر متخصصة لإدارة مواقع التراث والآثار".
ونوّه الباحث الفرنسي الى" ضرورة ان تكون الجهود متوازية ومتوازنة في سبيل دعم الاهتمام بالتاريخ و بالسياحة لأنها النافذة الأكثر إطلالة على العالم والمجتمعات الأجنبية".
مشيراً الى أن" العراق يحمل تاريخ كبير وإرث حضاري قديم جداً يجب الحفاظ عليه، بل نرى ضرورة قصوى لأهمية استثمار هذا الإرث وإعادة العراق الى الواجهة مجدداً عبر العمل المشترك مع الجهات الدولية المعنية".
ولا يخفى تأثير القوانين التي تسهّل أمور السفر على انسيابية الدخول الى العراق، فقد قامت الحكومة العراقية بإعفاء مواطني (37) دولة من تأشيرة سمات الدخول إلى العراق، وهو قرار جريء ويأتي لتنشيط الاستثمار والسياحة ودعم الاقتصاد العراقي، وقد بدأ العمل به منذ الخامس عشر من مارس آذار الماضي".
ويفيد مهتمون ومراقبون بأن زيارة البابا التي قام بها الى العراق مؤخراً قد تساهم بشكل كبير في فتح أبواب الاستكشاف والسياحة على مصراعيها، لما يمثّله البابا من قيمة معنوية وروحية لأكثر من مليار مسيحي كاثوليكي، يمكن أن يتبعوا أثره في زيارة جنوب العراق وبيت أبو الانبياء ابراهيم عليه السلام.
ومنذ عدة أشهر، تضج مواقع التواصل الاجتماعي بصور لسائحين اجانب من كلا الجنسين وهم يتجولون في مناطق مختلفة العراق، في تصاعد ملحوظ لأعداد السائحين.
مدير مفتشية آثار ذي قار، عامر عبد الرزاق، يقول ان" مدينة أور الاثرية استقبلت قرابة الـ60 سائحاً أجنبياً خلال الأسبوعين الماضيين". مضيفاً" ان المدينة استقبلت وفوداً سياحية أجنبية وعربية، منها فنلندية وبريطانية والمانية وكويتية ولبنانية، وأن السائحين وصلوا لزيارة زقورة اور، وبيت النبي ابراهيم الخليل (ع)، وبقية الاماكن الاثارية ومتحف الناصرية الحضاري".
Diána Leskó الناشطة البلغارية ديانا ليسكو، تقول في منشور لها على التواصل الاجتماعي" في نوفمبر الماضي سافرتُ الى العراق موطن الأماكن مذهلة، ومن اكثر الاماكن الخلابة في العراق هو ضريح الامام الحسين في كربلاء، المدينة الأقدس عند المسلمين الشيعة، وعلاوة على ذلك، فهي الاكثر شهرة بكونها اكبر موقع للحج المسلم المعاصر في العالم.. زيارة مدينة كربلاء الكبرى تسمى (اربعينية) يحضرها ملايين المسلمين من جميع انحاء العالم.."
وتضيف ديانا" الحجّاج يحيون ذكرى استشهاد الامام الحسين حفيد النبي محمد (ص) الذي قُتل في معركة كربلاء التاريخية المعروفة.."