!قصة الطيور المهاجِرة.. نَجم (سهيل) شاهد على إبادتها
تقرير: صباح الطالقاني
تكتسب هجرة الطيور أهميتها من حيث إغناء البيئة بالتنوع الأحيائي، واعتبارها وسيلة فعالة للتكاثر فضلاً عن قيمتها الجمالية التي تضفيها على الطبيعة المحلية في اوقات معينة من السنة.
ومن ناحية تكوينية فإن الواعز الأساسي للهجرة هو المحافظة على النوع حيث تضع الطيور بيوضها في منطقة معينة من العالم وبعد تفقيسها تنتقل مع صغارها بحلول الشتاء الى مناطق اخرى اكثر دفئاً وتوفيراً للغذاء، ومنها ما يسقط في البحار او يتعرض في الطريق الى الصيد فيما يكمل الأكثر قوة وشباباً وجهتهُ ببوصلة غريزية نحو المناطق الجديدة، وهي تقدّم بهذه العملية المستمرة بمدار الزمن أنموذجاً رائعاً للحفاظ على النوع من جهة وللعلاقة المتكاملة بين المخلوقات والطبيعة من جهة ثانية.
يكشف تقرير صادر عن الأمم المتحدة بعنوان (تحقيق أهداف التنوع البيولوجي بحلول عام 2020) عن وجود ثمانية خطوط رئيسية لهجرة الطيور على مستوى العالم، اربعة منها ضمن قارات آسيا وافريقيا واوربا، والأربعة الأخرى تقع ضمن قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية.
وبالنسبة للمنطقة العربية فإنها تقع ضمن خطّين هما، خط الهجرة الهندي - الآسيوي، وخط الهجرة غرب آسيا - شرق افريقيا، وهذان الخطّان يمرّان بالعراق حيث تشهد مناطق بادية الجنوب، والمسطحات المائية الكبيرة (الأهوار) استقبال أسراب الطيور البرّية والمائية المهاجِرة من سيبيريا ومناطق جنوب شرق آسيا مروراً بأفغانستان وايران ثم العراق.
وقد أغنى هذان الخطّان للهجرة العراق بتنوع كبير في الطيور حيث بلغت أعداد السلالات المسجلة في العراق للطيور المهاجرة 287 سلالة، فيما قدّرت أعداد السلالات دائمة الوجود بـ 68 سلالة.
تتواجد هذه الأسراب لأربعة أشهر سنوياً في بادية وأهوار الجنوب، لكنها تتعرض لما يشبه الإبادة الجماعية، بسبب الصيد الجائر الذي أخذ يهدد بعض أنواع الطيور المهاجرة بالانقراض، حيث يعتبر تواجدها في هذه المدة من السنة طقساً موسمياً للرزق، وممارسة هواية الصيد باعتبارها من التقاليد العربية المتوارثة.
ويتضمن قانون حماية الحيوانات البرية في العراق رقم 17 لسنة 2010، 13 مادة تهدف الى حماية الحيوانات البرية باعتبارها ثروة وطنية، وتنظيم مناطق صيدها، واجراءات منح اجازة الصيد، وتحديد الأنواع المسموح بصيدها ومواسم الصيد، فضلاً عن أحكام قانونية بحق المخالفين تصل للسجن مدة 3 سنوات وغرامات مالية بحدود 3 ملايين دينار ومصادرة وسائل النقل والعِدد والأسلحة للمخالفين.
ويحتوي القانون على قائمة بـ 50 نوعية من الطيور تقريباً، تقع ضمن ضوابط وشروط الصيد الواردة في القانون المذكور.
لكن الواقع يشهد مأساة لبعض أنواع هذه الطيور مثل (الفلامنكو والأوز والصقر الحر والكركي والحبارى) حيث تجد أكداس منها على الأرصفة وفي الأسواق ببعض محافظات الوسط والجنوب، في وضعية مزرية بلا رقابة او محاسبة.
ويشير ظهور نَجم (سهيل) وهو ألمع نجوم السماء بعد الشعرى اليمانية، الى انكسار حدّة الصيف وبرودة المياه، وبدء توافد الطيور المهاجرة الى المنطقة ولكنه في الوقت نفسه يشهد ما يشبه الإبادة الجماعية للطيور المهاجرة في عدة بلدان ومنها العراق، حيث تستخدم طرق الصيد الجائرة مثل الأسلحة والحبوب المعفّرة بالسُم والمبيدات الزراعية...
ومع هذا الواقع الصعب فإن مساحات شاسعة من الأهوار جنوبي العراق تشهد موجات كبيرة من أسراب هذه الطيور تبلغ أعدادها بالآلاف، الأمر الذي يشير الى ضرورة اقامة محميات طبيعية بسلطة قانونية تنفّذ القوانين بشكل صارم ضد المتجاوزين.