التظاهرات الأوروبية المؤيدة لغزة: صوتٌ احتجاجي وتحدٍ للثوابت
في العديد من العواصم والمدن الأوروبية، تصاعدت التظاهرات التضامنية مع غزة وفلسطين، بعد التصعيد العسكري، وحالة الأزمة الإنسانية التي أصبحت من المسلّمات التي لا يمكن تجاهلها. هذا الحراك لم يقتصر على مظاهر العاطفة بل أصبح يشكل ضغطاً سياسياً ومطلباً قانونياً للمساءلة وحقوق الإنسان.
جذور ودوافع التظاهرات
1. الإنسانية أولاً
المئات من المواطنين يدافعون عن حقوق المدنيين في غزة، خاصة مع التدمير والخسائر المدنية الكبيرة، ونداءات المساعدات العاجلة. هذه الدوافع ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان التي تُعتبر من الثوابت في المجتمعات الديمقراطية.
2. الانتماء الأخلاقي والسياسي
الكثير من المحتجين يرون أن للدول الأوروبية دوراً أخلاقياً في الضغط لوقف التصعيد، وضمان الحماية القانونية للمدنيين، ومحاسبة المسؤولين الحكوميين أو العسكريين على الانتهاكات. كما يُرى الأمر جزءاً من التزام أوسع تجاه السلام وحق تقرير المصير.
3. الشباب والجامعات كمراكز للنشاط
الطلبة والجامعات لعبوا دوراً مركزياً: اقتحامات جامعية، احتلال ساحات، طالبات وطالبين تخللوا الحراك بمعارضاتهم لمؤسسات تربطها علاقات مع مؤسسات إسرائيلية أو تمويل بحثي مشترك، مطالبين بالمساهمة الأكاديمية والمالية في العدالة والشفافية.
أشكال الحراك والمطالب
المسيرات والمظاهرات الشعبية عبر شوارع المدن الكبرى: برلين، فيينا، مدريد، أمستردام، وغيرهم.
الإضرابات والتحركات العمالية، مثل إيطاليا حيث تم عرقلة البنى التحتية، النقل العام، الخدمات، كوسيلة احتجاجية قوية.
الاحتجاجات الجامعية: احتلال المباني، الإنعاش الأكاديمي (teach-ins)، حملات مرافعة داخل الجامعات لمراجعة أو إنهاء التعاون الأكاديمي مع مؤسسات أو شركات تُتهم بالمساهمة في الحرب.
المطالب غالباً ما تشمل:
وقف فوري للهجمات العسكرية
فتح ممرات إنسانية إلى غزة
رفع الحصار وقطع علاقات اقتصادية أو أكاديمية مع من يُرى أنهم يدعمون الحرب
محاسبة مرتكبي الانتهاكات ومنعهم من الإفلات من العقاب
التحديات والمقاومات
1. القيود القانونية والأمنية
بعض الدول الأوروبية فرضت قيوداً على مثل هذه التظاهرات، منع استخدام شعارات معينة، أو الأعلام، أو رموز ثقافية – بذرائع الحفاظ على النظام العام أو مكافحة التحريض على الكراهية.
2. خلافات داخلية سياسية
الأحزاب السياسية تختلف في مواقفها: هناك من يدعم الحركات الاحتجاجية بشكل واضح، وهناك من يخشى أن تؤدي هذه التظاهرات إلى اضطرابات أو تأجيج التوترات بين المجتمعات العرقية والدينية داخل الدول الأوروبية.
3. الوصمة والاتهامات
بعض المحتجين يتعرضون لاتهامات بمناهضة السامية أو التأييد لـ "منظمات إرهابية" – خاصة عند استخدام شعارات مثل "من النهر إلى البحر" التي تعتبر جدلاً قانونياً وثقافياً في بعض الدول.
التأثير المتوقع والآفاق
ضغط دبلوماسي متزايد على الحكومات الأوروبية لاتخاذ مواقف رسمية أكثر وضوحاً تجاه الوضع في غزة، بما في ذلك فرض عقوبات أو مراجعة العلاقات التجارية أو الأكاديمية.
تعزيز النقاش العام حول حرية التعبير وحق الاحتجاج، خصوصاً عند وقوع تعارض بين القوانين الوطنية ومبادئ الحقوق والحريات الدولية.
من الممكن أن تؤدي هذه التظاهرات إلى تغييرات مؤسساتية، مثل سياسات الجامعات أو البلديات التي تتخذ مواقف مستقلة، أو توجه نحو دعم مبادرات حماية حقوق الإنسان.
التظاهرات الأوروبية المؤيدة لغزة ليست مجرد رد فعل عاطفي أو تضامني فحسب، بل هي تعبير متزايد عن رغبة شعوب في أن تكون سياسات بلادهم متماشية مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان. وهي أيضاً اختبار كبير للديمقراطية الأوروبية: حيث تتواجه الضغوط من الأعراف القانونية، السياسة الداخلية، والحساسية الاجتماعية، مع مطالب الشعب بأن يُسمع صوته، من دون أن يُقيد عبر التشريعات أو القوانين المنافية لحرية التعبير.