تاريخ المراقد ... الجزء الثالث
شاء الله سبحانه وتعالى أن يذكر اسمه في هذا المرقد الذي أبى صاحبه إلا أن يعلو صوت الله على كل صوت، فكتب سبحانه وتعالى الخلود له بعد أن كتب بدمه الطاهر منهج الإصلاح في الأرض، ويوماً بعد يوم يشمخ هذا المرقد برايته الحمراء التي وجهت ولا تزال توجه وستبقى، كلمة الحق بوجه الباطل: (ما خرجت إلا لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن أأمر بالمعروف وأنهي عن المنكر)
وهكذا بدأت الشرارة التي تحولت إلى شعلة أزلية توقد للأجيال طريق الحرية المعبّد بالدم بعد أن جسد صاحبها أروع معاني الإباء وأسمى مبادئ السماء فشاء الله تخليده مهما تفاقم مد الدهور واستفحلت أمواج العصور وعربدت أعاصير السنين ومهما تطاولت معاول الحقد واشتعل فتيل مدافع الكفر والنفاق
لقد نهض الحسين لله فأكرمه الله بالشهادة، وثار من أجل كرامة الإنسان فهفت إليه الأفئدة، وانتصر للإسلام فأصبح رمزه، وقدم دمه فأصبح عنوانا للسلام والصلاح والخير.
مرة أخرى يعود الكرباسي للحديث الذي لم ينته ولا ينتهي أبداً عن تاريخ مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) فيتناول في الجزء الثالث من تاريخ المراقد الذي يقع في ثمانية أجزاء وهي من أجزاء موسوعته الخالدة دائرة المعارف الحسينية في المقدمة كرامة أعطاها الله للإمام الحسين وأخيه قمر بني هاشم أبي الفضل العباس (عليهما السلام) وكان هو أول من توصل إليها وهي أن المسافة بين الصفا والمروة هي نفس المسافة بين المرقدين الطاهرين للإمام الحسين وأخيه العباس وقد حثه على البحث عن ذلك شعر قرأه بالفارسية يستخدم فيه الشاعر كلمة سعي فتوصل إلى هذه المعلومة التي أهداها إلى عدد من الخطباء واشتهرت والتي يقول عنها إنها (لم تأت حسب تصوري اعتباطاً وصدفة)
يستمر الكرباسي بإكمال مسلسل الأحداث حول مرقد الإمام الحسين بذكر الأعلام الذين زاروا القبر الشريف ابتداء بالقائد الكوفي عبيد الله بن الحر الجعفي الذي يعد أول من زاره ثم المختار ثم زائدة بن قدامة الثقفي ابن عم المختار الذي كان مواظباً على زيارته فالإمام زين العابدين (عليه السلام) .... ثم يسترسل بذكر من زاره من الشخصيات من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وأولادهم ومن المحدثين والرواة والعلماء كما يذكر من تولى سدانة المرقد المقدس من السادة العلويين حتى القرن الخامس عشر الهجري ثم يذكر المشاريع والأعمال التي أقيمت لتطوير المرقد على يد شخصيات عدة وأسماء المتبرعين ومقدار تبرعاتهم كما يذكر زيارات ملوك الدول ورؤسائها للمرقد الشريف وتواريخ الزيارات
كما يستعرض الكرباسي الأحداث المهمة التي رافقت زوار المرقد الشريف من منع السلطات البعثية لهم من الزيارة والمضايقات التي كانت تستهدفهم، إضافة إلى السلفيين الذين كانوا يستهدفون مقيمي الشعائر في العراق وباكستان وغيرها من البلاد ثم يتحدث عن مشاريع التطوير والتوسعة للعتبة الحسينية المقدسة بعد سقوط النظام البائد.
وبعد أن يستعرض كل الأحداث التي مر بها المرقد طوال خمسة عشر قرناً بدقة متناهية وموثقاً بالتواريخ والصور التي توفرت لبعض هذه الأحداث يستعرض في (مصطلحات لا بد منها) المصطلحات المتعلقة بالمرقد وتعريفها فالضريح هو المشبك المنصوب على القبر، والروضة هي المساحة المحيطة مباشرة بالضريح، والرواق هو المساحة المحيطة مباشرة بالروضة، أما الصحن فهو المساحة المحيطة مباشرة بالرواق ويضم كل هذه المساحات المرقد.
وبعد أن يقسم الكرباسي محتويات المرقد يعرّف كل واحد منها اصطلاحاً ولغة، فالضريح من الضرح أي الشق يقال: ضرح القبر أي حفره وشقه، وبعدها يتناول كل ما له علاقة بضريح الإمام الحسين من طول وارتفاع ومساحة وتطورات عبر العصور، أما الروضة فقد جاءت تسميتها من (رياض الجنة) كما ورد في الروايات عن المعصومين (عليهم السلام).
ثم يضع الكرباسي جدولاً لتاريخ الضريح والروضة ضم كل الأعمال التي أجريت عليهما وتطويرهما وكذلك ضريح الشهداء وأبواب الروضة وكان أول من شيد باباً لها إبراهيم بن مالك الأشتر من جهة الجوب أما باب القبلة فقد بناه الداعي الصغير ملك طبرستان ثم توسعت الأبواب وتعددت.
أما مساجد المرقد فهي خمسة مسجد رأس الحسين، ومسجد شاهين نسبة إلى عمران بن شاهين، ومسجد مرجان نسبة إلى أمين الدين مرجان، والمسجد الناصري نسبة إلى ناصر الدين خسرو القاجاري، ومسجد الرشتي نسبة إلى السيد كاظم الرشتي. وقد مرت هذه المساجد كغيرها من معالم المرقد المقدس إلى كثير من عمليات التطوير والتوسعة عبر العصور ذكرها الكرباسي بالتفصيل والدقة
وفي باب الأروقة وهي الجنوبي والشرقي والشمالي والغربي فإن لكل منها مواصفات وشواهد تدل عليها فالأول يسمى بالقبلي نسبة إلى القبلة وكذلك برواق حبيب بن مظاهر، أما الثاني فيسمى برواق العلماء وكذلك برواق البهبهاني نسبة إلى العالم محمد باقر البهبهاني، أما الثالث فسمي برواق الملوك نسبة إلى الملوك الذين دفنوا فيه، أما الرواق الرابع وهو الغربي فقد عرف برواق السيد إبراهيم المجاب حيث يقع مرقده وكان يسمى برواق ابن شاهين وهو الذي قام ببنائه.
أما الأبواب فهي: باب الذهب (القبلة) وباب حبيب بن مظاهر وباب صاحب الزمان وباب علي الأكبر وباب الكرامة وباب إبراهيم المجاب وباب رأس الحسين، ثم يتحدث الكرباسي عن الأواوين لغة واصطلاحاً وشرحاً ويصف أواوين المرقد بدقة متناهية ويؤرخ التطورات التي جرت عليها خلال العهود المتلاحقة ليصل إلى القبة فالمآذن فالصحن فأبوابه فالإنارة والتهوية والخزينة والسدانة والخدمة والزيارة وإحصاء الزيارات والاستثمار والهبات وكل ما مر به المرقد من صغيرة وكبيرة أحصاها الكرباسي وأشار إليها ببوصلة دقيقة