عبد الحسين فرج .. شاعر الحشد والفتوى
تمهيد: الكلمة الصادقة نور وضوء وبهجة تبقى خالدة ان نطقت بالحق ..لذا كان الشعر الحقيقي يعبر عنه بديوان العرب ، ومنتهى الحكمة إن كان مستثنى من التكسب ويهدف للسمو الروحي والتربوي والأخلاقي وشحذ الهمم بالجهاد او بمدح النبي الأعظم وأئمة الهدى بابراز مناقبهم وفضائلهم ..الشاعر الذي رحل يوم أمس عبد الحسين فرج .رحمه الله. كرس شعره لآل البيت .عليهم السلام. وللعراق .
القصيدة الخالدة :
لقد ناصر رجال الفتوى المقدسة التي حفظت العراق من المجاميع المسلحة الموجهة لتدمير الوطن بقصيدة نصرت أبطال الوطن :
"نحن لا نهزم.. ومنا عطاء الدم
نحن لا نهزم -- ومنا عطاء الدم -- سقا نخلة الصبر
رغم ريح الهم – شراع الاباء يمم – الى ضفة النصر
منتصرون – شهداء – سجناء -- غرباء – والله لا نهزم
-------------------------------
في كل عام لو مضى – نزداد عزما ورضا – بالشعب والثورة
لا نسأل النصر متى – فالنصر بالله اتى -- والامة الحرة
منتصرون انا -- وصامدون كنا -- وثابتون عنا -- سل قطرة قطرة
------------------------------
عدنا وعاد الانطلاق كما كانا ------- نحمل بالراحات روحا وريحانا
اذن فينا البر بغي الى العلياء ------ شعب اراد العز في العمر ما هانا
مر عام ام مضى الف عام ----- ام جهلت ولم تدري
آن ان تعلم وان كنت لا ترحم ----- فحكم القضاء يجري
منتصرون -- شهداء -- سجناء -- غرباء -- والله لانهزم
---------------------------------
في كل عام ابتلي – اعلم ان النصر لي --- والخزي للعادي
ازداد علما انني -- ابني بعزمي موطني --- في ترب اجدادي
منتصرون نصرا – لو كلنا اسرى -- لو جسدي يذرى – فالموت ميلادي
---------------------------------
جئنا ولحن النصر في الشعب هدار ----- في كل قلب شع در ودوار
شعب يبيع الروح للعز لا يهوي ----- والعار والخزي الى كل من جار
مُنتهى الحلم بالبهجة بتراتيل ومزامير وبوح الشاعر "عبد الحسين فرج" بديوانه (تفاصيل قلقة) الصادر عن دار الجواهري –بغداد ب186صفحة ؛
حياة قلقة وصعبة سردها لي حينما التقيته بتوقيع كتابي الإعلام والأمل الموعود بالهيئة الثقافية بغداد ..كيف كان الاعتقال لأكثر من عقد بزمن الدكتاتورية ..وخروجه محملاً بأعباء المرض..
ليدون تلك السيرة بديوانه.
لقد حلم بالأمل لكنه يتلظى بجرحه العميق وينز الألم بتفاصيله وقلقه الوجودي من خلال رؤيته العميقة لمعنى الشعر وهو يمشط ظفائر القصائد بتؤدة ..والتأني ..بتنميق ساطع الجمال ..وعناية فائقة من خلال بُنية متكاملة (صور شعرية – تكثيف رفيع- إنزياحات بمقاصد الدلالات) وأجد النمو الطبيعي بلا تكلف واستغراق وإيهام وشذوذ بل المفارقة الشعريه لدى "فرج" تنم عن قدرة وتكنيك عال بتوظيف بلاغة اللغة بلا نتوءات مشوهة يسعى لها البعض بالإغراق والإستغراق للمفردة بغير محلها ..فالمحمول الدلالي برع فيه بإشاراته الرمزية لمقاصد النص من الإهداء ص7 : إلى أصدقائي علي قاسم مهدي حميد المختار علي السوداني حبا ووفاء. جسدَ المبدع "عبد الحسين فرج" رؤيته الشعرية في تفاصيله القلقة بين الإنزياحات الدلالية بلا غموض وركز بنثرية مختزلة تفي بالغرض الشعري من دلالات مُشبعة بحنكة النظم بمفارقاته وجسد النص كأنما يكتب إقصوصة بها شخوص وافعال وصراع ,فالمفارقة لديه فن عبر فيه عن ثنائية الصراع بين الجمال والقبح..والفضيلة والرذيلة.. والضوء والعتمة مُعبرا عن الذات والواقع وأزمات الوجود المحاصر والمحاط بالقلق اليومي المترسب باللاوعي ..منح ديوانه التفوق المركز بالنثر كحلم الأب والأم بالعثور على طفلهما المفقود وكم تتوجس العائلة خيفة على مصيره، تتماهى المفردات برموز من وجع يقض مضاجع وأد الحلم بالمستقبل . في ص 11 إذعان :
لأنك
لم تذعن
لحلم الواقع
صار ...
الواقع حلما ...؟
الطاقة التعبيرية بنصوصه تزخر بتعدد المعاني بالتأويل بمعاني السمو المؤطر بأسئلة الوجود واختناق ووأد لحلم ورودنا بالنمو بلا اشواك تعيق مسيرته.. تتماهى مع واقع مليء بالسجون ..الكبت ..الضياع ..الحصار للأمنيات ذاكرة اشرأبت من محن مكثت بوجودنا نأمل لتطلعات بغد أبهى وأجمل تتحقق به الأحلام.
وظيفة الشعر بث الجمال حتى بالرماد كما يقول أبو حيان التوحيدي بالإمتاع والمؤانسة ص 85:( وأحسن الكلام مارق لفظه ,ولطف معناه, وتلألأ رونقه ,وقامت صورته بين نظم كأنه نثر, ونثر كأنه نظم ).
شحوب
فيما
اترك ضجري
يرتق ليله
اندس
خلسة في الشحوب
وفي نص وقوف ص15 الانتظار ,الصبر ,الأمل , والأفق المفتوح على المساحات والأزمنة ودروب العمر بين التيه والطموح للوصول لمكامن وجوهر فيض الجمال لكن عتمة الليل تنكس بالشحوب ,ومشارب ومسارب الرهبة من الضجر الذي يوأد الحلم بواقع أبهى ..وإن كانت إنزياحاته تحمل مضامين تأويلية وتعبيرية مُخصبة بخيال تحرره من مباشرة الخطاب والرسالة والجوهر بالتأمل بإشراقات روح "فرج "التأملية . كما بنصه غرق ص23
حين
ترمي نفسك
في النهر
لا تكترث
لكمية المياه
التي ستغرقك
لهواة الحياة وظروف وجودنا القلق عبر عنه شعوريا بفعل الكتابة الشعرية المكثفة بلافتات اعتمد فيها على :الحذف والتلوين والتمكين عن الإفصاح عن عمق أزمة الوجود بكارثياته ,وغرقنا ببحر متلاطم الأمواج بسبب عدم العدالة والقهر والإستلاب .كما بنصوصه الأخرى (هامش- حالة خاصة – تفاصيل قلقة التي عنون الديوان بهذا النص – عبوة ناسفة- رصاص – تناص-خيبة –جندي-حياة وغيرها من النص التي أجاد فيها ببراعة.
حالة خاصة ص50
الأوغاد
قطعوا
جسدي
وردة
وردة
وفي تفاصيل قلقة يثير الأسئلة المُفزعة ويجيب عنها بالمقطع الثاني من نصه المُشع بوعي الذات .. يؤكد الناقد الدكتور هادي نهر في البحر وأعاليه ص 11:( إن الشعر الحقيقي, هو الذي يجعل اللغة ممكنة, إذ أن أحد السبل المؤدية لفهمنا ماهية اللغة, هو فهمنا لماهية الشعر, وهذا الفن الذي يمثل بالنسبة للشاعر رئة يتنفس من خلالها ,وهو للمتلقي فنَ يشبع الرُوح, ويسمو بها ,ويسر النفس ....)
تفاصيل قلقة
الموت كالحياة
الحياة كالموت
التفاصيل وحدها
توغل في الأثر
بينما الذاكرة
تحفر نفقا
للهروب
وفي نصه المترع بالوحشة وانسداد الأفق وصخب الوجود والصرخات المحبوسة بالصدور وإيقاع الوجود البطيء يبقى ثمة حلم .بنصه آفاق ص 172
عبر
فضاءات تتشكل
تصبح سادرا
لطرقات
ضيقة
عليك
في دواوينه الأخرى كان الوطن وما مر به من محن ..ومعاناته كتب بنقاء وطهر عن رموزنا المقدسة وتضحيات سيد الشهداء .واتخذ من صفحته بالفيس بوك منبراً لنصرة آل محمد بكل مناسبة، بالولادات والوفيات.