المسؤول خادمٌ للشعب.. لا سيّد عليه
في الدول التي تسعى للنهضة وتحقيق العدالة الاجتماعية، لا يُنظر إلى المسؤول بوصفه "سيّداً" أو "متفضلاً"، بل يُعدُّ موظفاً عاماً خادماً للشعب، تم توكيله من الناس، وتفويضه للقيام بواجبات محددة، لا أكثر. وهذا المفهوم لا يتوقف عند كونه مبدأً أخلاقياً فحسب، بل هو قاعدة دستورية وقانونية في أغلب الأنظمة الديمقراطية.
فالمسؤول، مهما علا منصبه، لا يتجاوز كونه جزءاً من منظومة خُلقَت لخدمة الناس، لا لتكبيلهم، ولتحقيق مصالح المجتمع، لا لفرض الهيمنة عليه. وبناءً على هذا، فإن سلوك المسؤول يجب أن يكون متواضعاً، مؤدباً، خالياً من التعالي، لأنه لا يتعامل مع "رعايا" أو "أتباع"، بل مع أصحاب الحق: الشعب.
المنصب ليس امتيازاً بل أمانة
حين يتولى الإنسان مسؤولية عامة، فإنه يُحمَّل أمانة ثقيلة لا يجوز أن تُستغل لمصلحة شخصية أو حزبية أو عائلية. فكل دينٍ سماوي، وكل تشريع أرضي عادل، يُحمّل المسؤول مسؤولية كبيرة، ويضعه تحت رقابة دائمة من الناس والقانون والضمير.
والأسوأ من استغلال المنصب، هو أن يتعامل المسؤول مع المواطنين بطريقة فيها استعلاء، أو يتحدث معهم بلغة فوقية، وكأنه "أعلى" منهم مقاماً أو "أحق" بالاحترام منهم. هذا السلوك دليل على جهل واضح بطبيعة المنصب، وتنكّر لأساس الوظيفة العامة.
الأدب مع الناس ليس ضعفاً بل واجباً
بعض المسؤولين يتصورون أن التواضع مع المواطنين يُقلل من هيبتهم أو يُفقدهم الاحترام، والحقيقة أن العكس هو الصحيح. فالمسؤول الذي يستمع بتواضع، ويتكلم بأدب، ويخدم الناس بإخلاص، تزداد هيبته، ويُحترم لأنه صادق ومخلص، لا لأنه متسلط أو متغطرس.
ولنا في سيرة كبار القادة والزعماء في التاريخ عبرة، حيث كان أعظمهم أكثرهم تواضعاً، وأشدّهم قرباً من الناس. فكيف نقبل اليوم أن نرى من هم دونهم مقاماً يتعاملون بتكبر أو جفاء مع أبناء وطنهم؟
من الشعب وإلى الشعب
ينبغي أن نُرسخ في ثقافتنا أن المسؤول "يأتي من الشعب ويعود إليه"، وأن المنصب لا يدوم، ولا يُحصّن أحداً من النقد أو المحاسبة. وعلى المواطنين أن يطالبوا بحقوقهم بأدب، ولكن دون خوف، وأن يُذكّروا كل من في موقع المسؤولية بأنه مجرّد موظف، ينتهي عقده بانتهاء رضى الناس عنه.
ختاما
السلطة ليست مظلة للتعالي، بل مظلة للحماية والخدمة. وكل من يتصدر للعمل العام عليه أن يتذكّر دائماً أنه خادم، لا سيد، وأن الأدب مع الناس ليس خياراً بل فريضة.
فمن لا يحترم الشعب، لا يستحق أن يكون في موقع المسؤولية يوماً واحداً.