عبد المجيد لطفي 1906-1992م - الأديب المنسي-

في كل الأمم وعند كل العصور ، قد يولد عبقري موهوب ثم يرحل عن عالمنا دون أن يشعر به أهل زمانه بسبب انزوائه وكرهه للأضواء أو بسبب موقفه الحاد مع سلطة غاشمة تعلي من لا يستحق الإعلاء وتنزل من مكانه القمة، وما أن يُكشف عن عبقرية هذا الموهوب في جيل لاحق بعد موته حتى تستعيد الناس أسرار عبقريته وتتجاذب شأن إبداعه، ولنا في أديبنا العراقي الراحل ( عبد المجيد لطفي) شاهد حي على معيشة الأديب حياة الهامش بعيدا عن دائرة الاهتمام الجديرة به بوصفه عنصرا ناشطا في مهمة إعداد المجتمع وبنائه بناء سليما.

ينتمي عبد المجيد لطفي إلى عائلة كردية نزحت إلى خانقين بعد أن أصابت السليمانية جائحة (مرض) أودت بحياة الآلاف من الناس قبل أكثر من قرنين من الزمان، وعاش في خانقين طفولة قاسية زاد من قسوتها فقْدُه لأبيه الذي قتل في الحرب العالمية الأولى في العام 1916م حينما كان يقاتل مع الجيش التركي القوات الإنجليزية الغازية.

وفي مدينة خانقين المعروفة بمناظرها الخلابة وتلالها الخضراء ونهرها الصغير العذب (الوند) أمضى لطفي ردحا من صباه في أفياء هذه المدينة التي أوصى أن يدفن جثمانه في ربوعها بعد رحلة طواف مريرة بين المدن العراقية دامت لأكثر من سبعة عقود، كما علمته مدارس خانقين الابتدائية حروف الهجاء والقراءة والكتابة وحفظ ما تيسّر من القرآن الكريم .

حياة الضيق التي دفعت (لطفي) ليجرب حظه في أكثر من مدينة بحثا عن الكسب المشروع موظفا بسيطا مرة وعاملا بأجر يومي مرة أخرى كانت دافعا قويا انجذب بسببه الفتى اليتيم المعذّب إلى عالم الأدب والكتابة في وقت مبكر ليجد فيهما متنفسا عن الضيق النفسي والاجتماعي اللذين تعرّض لهما أديبنا جرّاء حياة التقشّف والعوز والتنقل الدائم بحثا عن لقمة العيش الكريم!

ولقد كانت إبداعاته الفنيّة الأولى تعكس صورة صادقة عن نفسية معذّبة تشعر بالإحباط واللا اطمئنان في ظلّ مجتمع يفتقر إلى العدالة الاجتماعية وتسوده الفوارق الطبقية الظالمة، في حين توزّعت أعماله الأدبيّة والفكريّة بين حقول عدة حيث كتب القصة والرواية والشعر والرباعيات، كما كانت له مشاركات عدة في البحث التاريخي، وفي تناول سيرة النماذج الإسلامية المبكرة، ويأتي كتابه الموسوم: (الامام علي رجل الاسلام المخلد) في مقدمة هذه الكتب.

 ومع هذا فلم يأخذ عبد المجيد لطفي نصيبه المستحق من العناية والاهتمام والدرس النقدي، وحتى في مجال إبداعه القصصي الذي كان فيه هذا الأديب مبدعا مبرزا إلى جانب ذنون أيوب ومحمود أحمد السيد وسليمان فيضي وعبد الحق فاضل وآخرين؛ إلا أننا نجد مؤرخي القصة العراقية يغفلون ذكر اسم هذا الرجل ودوره البارز في ريادة التحديث للقصة العراقية المعاصرة من خلال محاولته المبكرة جدا في كتابه الموسوم: (أصداء الزمن) والصادر عام 1938م، ، حيث جعل من الادب في كتابه المذكور، ومن كتابة القصة تحديداً سبيلا للتعبير عن آرائه ومشاعره الخاصة وعن طريقة فهمه لما يدور حوله من ظواهر وأمور تستحق الكتابة والتعبير وصولا لمحاولة التأثير في توجّهات القرّاء وقناعاتهم عبر قصص بسيطة هادفة تأخذ على عاتقها إيقاظ الضمير من غفوته وإرشاد المجتمع لأسباب التطور والتفتح ودخول العصر للحاق بركب الأمم الأخرى التي سبقتنا أشواطا طويلة في هذا المجال.

وقد أعرض عنه النقّاد في الكتابات الأخرى التي كتبها كالشعر مثلا، حيث كانت له مجموعة أعمال مطبوعة أهمها رباعياته (خليج المرجان) وتنوسي عطاؤه الشعري كما تنوسي إبداعه القصصي، ولعل ذلك يعود إلى موقف الأديب الراحل من النظام السياسي القائم في بغداد منذ نهايات الستينيات وحتى رحيله عام 1992م، حيث لم يكتب هذا الأديب قصيدة واحدة أو عملا أدبيا واحدا يمجد من خلاله رأس النظام السابق ولم يطبل لأي عمل أو سلوك من سلوكياته، بل على العكس كان كثيرا ما يتعرض للمساءلة وللاستفسار عن عدم تأييده الصريح لمواقف النظام السياسية ولإجراءاته العامة وكبته لحريات الملايين.

وقد ظلت مواقف عبد المجيد لطفي ثابتة في انتمائه للشعب العراقي الموحد ومخلصا للغة العربية بالرغم من كونه كرديا في الانتماء القومي، كما انحاز لقضايا الأمة المسحوقة وظلاماتها ولم يداهن أحدا من الحكام والطغاة، بل كان متواضعا نزيهاً محبا للفقراء والبسطاء جريئا في اقواله وافعاله ممّا أوقعه في لحظات حرج شديد مع ذوي الجاه والسلطان يرويها من تابع سيرته الشخصية بعد وفاته.



العودة إلى الأعلى