لَوحة وتفسير: (الرُّؤى بَينَ اليَقينِ والوَهْم)
بقلم الفنان: حسن حمزة
في خضم تداعيات ظهور ميليشيات تنظيم داعش الإرهابي في العراق عام 2014، وما أقدم عليه من إفساد في الأرض ومجازر دموية إجرامية تنئى عن الإنسانية عموماً وعن الدِّينِ خاصَّةً؛ تناول الفنان حسن حمزة في العمل الرمزي التعبيري المرفق مع المادة عام 2017، موضوع في غاية التعقيد سواء بتطوراته خلال رحلة تاريخية طويلة، وبتداعيات مفاهيمه الفكرية والمذهبية، التي تتمحور حول مفهوم معتقد التوحيد ودلالات (لا إله إلا الله) عند بعض المذاهب الإسلامية.
خطَّ الفنان كلمة التوحيد في اللوحة كونها منطلق ومحور الصراع الجدلي بين الفكر الإسلامي المستقيم وبين الفكر المتطرف، وبين مفهومي التوحيد والشرك، والإيمان والكفر. فشهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله هي مفتاح بوابة الدخول للإسلام؛ على قوله تعالى: ( فَاعْلَمْ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لذَنْبِكَ ) ـ محمد 19 ـ وكذلك هي الفاصلة بين الحق والباطل كقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ البَاطِلُ) ـ الحج 62 ـ.
لقد شهد القرن الثالث عشر الميلادي تحديداً وإلى الآن؛ احتدام التداعيات الجدلية المذهبية ضمن أطر أيديولوجية متعددة، وتباين تصورات عقلية حول مفهوم الإيمان والكفر والتوحيد والشرك، وفوضوية التصنيف المذهبي على إثر ذلك، وكان من أبرزها تعصباً هو المذهب السُنِّي السلفي، الذي خلال حقب زمنية متوالية بات يُصنَّف الكثير من المذاهب والفِرق الإسلامية بالإبتداع والكفر والشرك، وتطورَ الحال الى الإخراج من دائرة الإسلام من لم يتبع عقائد المذهب السلفي المتشدد، ومن مخلفات ذلك ظهور تنظيم القاعدة الذي أنتج فيما بعد تنظيم داعش وغيرهم والذين باتوا يُقتلون الناس بإسم حُلم الخلافة الإسلامية المزعومة وبإسم الإيمان والكفر والتوحيد والشرك.
رمز الفنان في اللوحة شخصاً مُخُّ رأسه عبارة عن أيادي متراصة مع بعضها البعض، وتعلوه نظرة شاخصة تتخطَّى بزمانها ومكانها للتأمل والتفكيك والتشريح ـ بعين البصيرة، والوعي الإنساني، وثوابت المنظومة الأخلاقية ـ في دعاوى أيديولوجية راديكالية تناوئ وتُصادم الدين السمح، والفطرة الإنسانية السليمة، والعقل الذي يطرح الفكر البنَّاء؛ مما أنتج واقعاً وردّة فعل استنكارية كبيرة؛ بأن هؤلاء لا يمكن أن يُمثلوا الإسلام الحقيقي، وهكذا عبر رحلة تاريخية طويلة ومُحاولات وصَولات عِدَّة؛ يثبتوا فشل مشروعهم الطوباوي وانهدامه، ويُعَرُّوا دعاواهم أمام المجتمع الإنساني؛ وهُم كما قال سبحانه: (أفَمَنْ أسَّسَ بُنيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أم مَّن أسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ واللهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ) ـ التوبة 109.
فرمز الفنان لهذا المعنى برمزية تهاوي بنيان وسقوط شخص مشوهٌ بتمزقهِ وتحته أشباح سوداء معذبون، وهو إشارة لقوله تعالى: (حُنَفَاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِيْنَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيْقٍ) ـ الحج 31 ـ وهؤلاء بحقيقة الأمر أشركوا بالله حين نصَّبُوا أنفسهم وهماً بأنهم نوَّاب الله في الأرض، وبأنهم المالكون للحقيقة المطلقة؛ ليُكفِّروا ويُنَفِّروا ويَقتُلوا الناس بغير حق.
ورمز الفنان في الجانب الآخر من اللوحة إلى الإنسان الحقيقي بإيمانه ووعيه وبصيرته؛ الذي يرتقي بالإيمان والأخلاق وبالحرف والكلمة لِسُلَّم المَجْد والحياة البناءة بالروح والمعنى والعمل الصالح؛ لِيُرَوِّي ببقائهِ وعطائهِ التاريخي ورسالته الإنسانية، جذور شجرة طيبة بالحق والنور، شجرة الحياة الحقيقية التي أينعت وعانقت أغصانها نور السماء؛ وهنا أشار الفنان للنهج القويم والسبيل المنير الباقي؛ نهج آل البيت الأطهار عليهم السلام، الذي لطالما سعى الظلاميون محاربته ومعاداته بالوهم والتيه (يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأبَى اللهُ إلَّا أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِى أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ــ التوبة 32 ، 33.
لقد جمع هذا العمل الفني في ثناياه؛ بين المضمون ذو الرؤية الفكرية النقدية وبُعدها الإجتماعي، وبين الأسلوب الفني ذو التكوين الجمالي والدلالات الرمزية.