أسباب وتداعيات النزعة الإسلامية الجديدة في آسيا الوسطى
يعتبر الإسلام والنزعة الإسلامية، مؤشرين مؤثرين في المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والأمنية في آسيا الوسطى. وكانت اغلبية المسلمين في هذه المنطقة وتجربة الصحوة الإسلامية والدينية في هذه البلدان بعد انهيار الاتحاد السوفييتي من العوامل الرئيسية لهذا التأثير. وفي هذا الجانب، ووفقا للتطورات المحلية والإقليمية والدولية، سيكون لعنصر النزعة الإسلامية تأثيره السلبي والإيجابي.
وفي الفترة الحالية وخلال العام الماضي، وعلى الرغم من التطورات الواسعة التي شهدتها المنطقة وعلى المستوى الدولي، يبدو أن النزعة الإسلامية أصبحت مرة أخرى عاملا مهما ومؤثرا على سلوك الحكومات، وان طريقة تعامل حكومات المنطقة معها يمكن أن يؤثر على التطورات المستقبلية.
موجة النزعة الإسلامية الجديدة
أدت ثلاثة تطورات رئيسية في المنطقة إلى تنشيط موجة جديدة من النزعة الإسلامية في آسيا الوسطى. وهو السبب الأول للتغيرات في أفغانستان. ومع وصول طالبان إلى السلطة في هذا البلد، تشكلت وجهة نظر حول انتصار النزعة الإسلامية على الإرادة السياسية في آسيا الوسطى. ومن وجهة نظر بعض دوائر النزعة الإسلامية في المنطقة، فإن الجماعات الأصولية الإسلامية مثل طالبان، وفي حالة المقاومة طويلة الأمد، يمكنها الوصول إلى السلطة السياسية وتنظيم الشريعة الإسلامية في إطار تشكيل الحكومة.
في السابق، وباستثناء جماعة الإخوان المسلمين وموجة الصحوة الإسلامية في الدول العربية، والتي كان لها تأثير مؤقت وقصير، كانت الثورة الإسلامية الإيرانية تمتلك هذه الامكانية. وعلى الرغم من ذلك فإن وجود طالبان في السلطة كحركة حنفية سنية كان له تأثير أعمق على منطقة آسيا الوسطى والحكومات التي أصبحت على وشك الاعتراف الدولي بحكومة طالبان. وشكل غياب وجهات النظر الدولية لطالبان عائقا أمام تطوير فعالية هذا العامل.
الحرب في أوكرانيا
أما العامل الثاني المؤثر فهو الحرب في أوكرانيا. وبسبب دعم الغرب، تجمعت تحت راية المقاومة الأوكرانية العديد من التيارات الإسلامية المناهضة لروسيا، والتي ترى في الجرائم التاريخية التي ارتكبتها روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي ضد مسلمي هذه المنطقة من المنظور التاريخي، حافزا لأعمالها المناهضة لروسيا. إن دعم قوى المعارضة للنزعة الإسلامية الإقليمية في أوروبا، مثل الحركة الإسلامية في طاجيكستان (في إطار الميثاق الوطني) للمعارضة الروسية، والادعاء بفرضية أن الطريق إلى الحرية في طاجيكستان يمر عبر موسكو، هو بمثابة مثال على هذا التأثير.
ومن ناحية أخرى، قامت روسيا باستفزاز مسلمي هذه المنطقة، وخاصة المهاجرين في روسيا، من خلال توظيف قوات عسكرية مكونة من المهاجرين وتفعيل العناصر الشيشانية في الحرب. وقد أدت حصيلة هذين التيارين إلى تعزيز وإحياء نوى النزعة الإسلامية في المنطقة المتضررة من التطورات في أوكرانيا.
التطورات في غزة
العامل الثالث الذي يبدو أنه كان أكثر فعالية هو التطورات في غزة، وفي واقع الأمر عملية طوفان الأقصى. لقد نشطت جرائم النظام الصهيوني نواة النزعة الإسلامية ومعاداة الصهيونية حتى في المجتمعات الغربية، وفي آسيا الوسطى، وعلى الرغم من القمع الواسع النطاق، شهدنا تشكيل موجات دعم للشعب الفلسطيني ومعارضة الصهيونية. ويعد تشكيل حركات عفوية مناهضة للصهيونية في المنطقة، وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، علامة على هذا الاتجاه.
ونظرا لطبيعته الدولية وتأثيره المتعدد الأوجه (على عكس العاملين السابقين اللذين كان لهما تأثير أحادي الجانب) وكونه يحمل الثقافة الإسلامية والعامة للمقاومة، فقد اجتذب هذا العامل اهتمام الدوائر المركزية واللامركزية للنزعة الإسلامية في المنطقة.
رد فعل الحكومات
إن إحياء موجة النزعة الإسلامية في دول المنطقة قد أثار قلق حكومات المنطقة حتى في شكل محتمل وبأقل النتائج العملياتية. إن حكومات آسيا الوسطى تعلم بوضوح أن النزعة الإسلامية، ومن خلال المثاليات التي تحملها، ستصبح دافعا قويا جدا لتشكيل احتجاجات واسعة النطاق ضد الاستبداد وعدم الكفاءة والفساد والتيار العلماني وحتى الملحد في مختلف مستويات الحكومة، ومن هنا يبدو أن التدابير الوقائية قد تم وضعها على جدول الأعمال.
وفي كازاخستان، حيث كان لتطورات يناير 2022 تأثير عميق على النزعة الإسلامية، اقترحت الحكومة بعض التدابير. تدرس وزارة الثقافة في هذا البلد خطة لحظر الملابس الدينية في الأماكن العامة. كما أصبحت قضية الحجاب في المدارس إحدى القضايا الرئيسية في هذا البلد.
وفي وقت سابق، نشرت بعض التقارير حول طرد الطالبات المحجبات من المدارس. وردا على هذه الأخبار، اعتبرت الإدارة الإسلامية في كازاخستان، في موقف محافظ، أن الحجاب اختياري للفتيات تحت سن 10 سنوات. وكما هو الحال في قيرغيزستان، فقد تم تقديم القضايا الأمنية باعتبارها السبب الرئيس لهذا القرار في كازاخستان.
التداعيات
إن انبعاث النزعة الإسلامية في المنطقة أمر طبيعي، لكن تقاطع هذه القضية مع مكونات سياسية وأمنية أخرى يمكن أن يؤدي إلى بعض الاعتبارات والتداعيات الخاصة. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن أحد أهم اللاعبين الذين يستفيدون من إحياء النزعة الإسلامية في آسيا الوسطى كحافز للضغط على الحكومات هو الغرب. كما أن التيارات الإسلامية المتطرفة كانت دائما أداة مهمة ومؤثرة يستخدمها الغرب ضد مصالح روسيا ودول المعارضة الأخرى في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، فإن وجود شخصيات مثل “ديفيد هوفمان” في أوزبكستان كمدير إقليمي للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والمتخصص في تنظيم الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار المستهدف، يمكن أن يكون له علاقة بهذه القضية.
وفي هذا الصدد، فإن إحياء النزعة الإسلامية ورد فعل الحكومات الإقليمية عليه يمكن أن يؤدي إلى وضع الأساس للخطط الأمنية للغرب. ومع ذلك، يدرك الغرب جيدا حقيقة أن تعزيز النزعة الإسلامية وإضفاء الطابع الأمني عليه سيؤدي بالحكومات الإقليمية إلى التقرب من موسكو لتوفير الأمن. ومن هنا، فإن الإجراءات المحتملة ستكون إما جزئية وموجهة أو واسعة النطاق ولا يمكن السيطرة عليها.
وفي هذا الإطار، ينبغي إلقاء نظرة خاصة على التطورات الداخلية في روسيا والصين باعتبارهما منطقتين متجاورتين معرضتين للنزعة الإسلامية المتطرفة. وفي روسيا، تكثفت التطورات المتعلقة بالنزعة الإسلامية في الأشهر الأخيرة على الرغم من دعم الشيشان للحكومة الفيدرالية. وفي باشكورستان، باعتبارها منطقة يشكل المسلمون 70% من سكانها، شهدنا أهم التطورات في الأشهر الأخيرة.
وفي يناير، نُظمت مسيرات احتجاجية حاشدة في باشكورستان، مما أثار بعض المطالب المتعلقة بالهوية. وقد سببت هذه الاحتجاجات، التي أدت في بعض الحالات إلى صراع، إلى تنشيط بعض نوى النزعة الإسلامية في روسيا. في الوقت نفسه، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بذل الغرب جهودا كثيرة لبناء قدرات المسلمين داخل روسيا لاتخاذ إجراءات ضد حكومة هذا البلد، الأمر الذي لم يسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن.
وفي هذا الصدد، يبدو أن تيارات مماثلة قد نشطت في الصين. وفي الأشهر الأخيرة، تم نشر العديد من التقارير المتعلقة بحقوق الإنسان فيما يتعلق بالإجراءات المناهضة للإسلام. ويؤكد تقرير هيومن رايتس ووتش في هذا السياق أن الحكومة الصينية في شمال هذا البلد بدأت إجراءات منظمة لهدم المساجد أو إغلاقها. ووصفت بعض المصادر في الصين هذا الإجراء بأنه يتماشى مع توحيد المساجد لبناء دور عبادة جديدة.
ومع ذلك، وفقا للتقارير المنشورة، تم تدمير أو إغلاق حوالي ثلثي المساجد في شينجيانغ وثلث المساجد في نينغشياهوي حتى الآن. كما اعتبر تركيب كاميرات المراقبة في المساجد القائمة لمراقبة حركة المرور، من بين تدابير أخرى اتخذتها الحكومة الصينية. وقد كان لهذه التصرفات التي اتخذتها الحكومة الصينية ردود فعل كبيرة في آسيا الوسطى.
آخر الكلام
تعتبر النزعة الإسلامية سمة حساسة ومؤثرة في آسيا الوسطى. إن تصرفات الحكومات الإقليمية في قضايا مثل اللحى والحجاب، والتي تعتمد على فهم سطحي ودون عمق كاف للتعامل مع الجماعات المتطرفة ومنع انتشار هذا الاتجاه في المنطقة، سيكون لها نتائج عكسية في جعل الجماعات المتطرفة أكثر نشاطا. ومن الممكن أن تخلق هذه المواقف تهديدا إيجابيا وطويل الأمد في المنطقة، والذي في حالة عدم التفاعل مع التيارات الحاملة للنزعة الإسلامية المعتدلة يمكن أن يكون له عواقب غير مناسبة على هذه التيارات في سياق عزلتها أو تدميرها.
.................................
المصدر: مطالعات شرق