الفساد الآفة المستديمة.. كيفية مواجهتها والحد من آثارها

2024-02-08 10:43:38

الباحثة: غانيا درغام


جاء في تعريف الفساد عموماً أنه اساءة استخدام السلطة، ويمكن أن يبدأ الفساد من الدائرة الاجتماعية الاولى وهي الأسرة حين يكون استخدام السلطة الأبوية بطريقة غير صحيحة من قبل أحد الوالدين تجاه الأبناء أو تجاه أحدهما للآخر، كما يمكن أن تتسع دائرة الفساد إلى المنحى التعليمي الذي يعتبر الحلقة الثانية لحياة الفرد بعد الأسرة، وصولاً إلى الفساد العملي المعرّف بأنه الأعمال غير نزيهة التي يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون وظائف عامة او مناصب في السلطة، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة.

أسباب الفساد


فيما يأتي بعض أهم أسباب الفساد في المجتمعات:


-الأطماع الشخصية: يمتلك البشر دافعاً فطرياً للتملك، فيرجع سبب الفساد أحياناً إلى رغبة بعض الأشخاص في المال والسلطة بشكل مطلق، دون وضع اعتبارات للحدود الأخلاقية.

-انخفاض الحس الوطني: ذلك بسبب نقص مستوى التعليم أو تجربة التعليم السلبية التي مر خلالها الشخص ينخفض لديه الحس الوطني والإنساني، أو بعض التجارب التي تعرض لها الشخص ولم يتم انتقاد سلوك الفساد أمامه.

-انخفاض الوعي: قلة الوعي وعدم وجود الشجاعة بين الناس لمواجهة الفساد والفاسدين، فبعضهم يغضون البصر، أو يصمتون عن الفساد، مما يشجع الفاسدين للاستمرار بأعمالهم بشكل أكبر.

-وجود بيئات ثقافية تشجع الفساد، وتتغاضى عنه، ويمكن أن يعتبر التهرب من المسؤوليات والقدرة على تحقيق مكاسب شخصية بطرق غير شرعية أمراً يدعو للإعجاب في بعض البيئات!!

-القوانين واللوائح غير الرادعة: يؤدي الإهمال القانوني في المناطق المعرضة للفساد إلى انتشار الفاسدين بشكل كبير، وكذلك البطء في العمليات القضائية في بعض البلدان، وعرقلة سير العدالة.


جهود مكافحة الفساد:


يمكن مواجهة الفساد ومكافحته من خلال الاستخدام الفعال لمعايير وأساليب وآليات حقوق الإنسان عن طريق:

- تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة.

- ممارسة الحقوق والحريات العامة الفردية والجماعية مثل حرية التعبير وحرية الصحافة والحق في تكوين الجمعيات..

- تحقيق استقلالية القضاء. 

- تحقيق الشفافية والمساءلة في الممارسة السياسية.  


المنظومة الرقابية:


وتتعدد الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن مراقبة ومواجهة ومحاربة افعال الفساد وتحديد نوع الردع المناسب ضد القائمين بأفعال الفساد مثلما تتعدد وتتحدد الجهات التي تنشط بشكل طوعي في ممارسة نفس المهمة باستثناء صفة الردع المادي المباشر.

ويمكن حصر تلك الجهات بشكل رئيسي بما يلي:

-السلطة التنفيذية: وتتمثل بالهيئات والمؤسسات الرسمية المرتبطة بالحكومة المركزية والتي تناط بها مهام مراقبة مظاهر الفساد وكشف الفاسدين وتقديمهم للعدالة وهي تتمثل بشكل مباشر بهيئة النزاهة ودائرة الرقابة المالية..

- السلطة التشريعية: وهي السلطة المعنية بسن وتشريع ومناقشة القوانين والانظمة وتتحدد مسؤولياتها في موضوع محاربة الفساد من خلال لجنة النزاهة في البرلمان التي تعمل بالتنسيق والتشاور مع الهيئات المعنية في السلطة التنفيذية اضافة الى استقائها المعلومات من خلال منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام ووسائلها الرقابية والاخبارية الخاصة، ورغم اهمية دور السلطة التشريعية "البرلمان" في قضية محاربة الفساد الا انه يصدم احيانا بقضية التوافقات السياسية لمكونات السلطة و حالات التقاطع والتلاقي فيما بين تلك المكونات وما يرتبط بذلك من مصالح متبادلة..

- السلطة القضائية: وهي السلطة الثالثة والمعنية بالنظر في قضايا الفساد والبت فيها من النواحي الاجرائية والقانونية والعدلية ودراسة وتحديد نوع وشكل الردع الخاص بجرائم الفساد دون ان يتعدى دورها في هذا الموضوع الى مرحلة المراقبة والتقييم والكشف، وغالبا ما ترتبط قوة تأثير ودور السلطة القضائية في ذلك بموضوع الاستقلالية الحقيقية فكلما كان القضاء مستقلا ومحصنا ضد تأثير السلطات الاخرى زادت قوته واتسع تأثيره في عملية الردع العقابي.

- السلطة الرابعة "الاعلام": نعود للتأكيد على دور الإعلام في مكافحة الفساد، وتتمثل سلطته من خلال وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والالكترونية فضلاً عن المؤسسات والتشكيلات الاعلامية والمهنية والنقابية، وتتحد سلطتها بشكل طوعي ويكون على اشكال متعددة منها الرصد والمراقبة والتقييم اضافة الى الكشف والتوثيق والفضح، فضلا عن تسليط الضوء وارشاد السلطات الرسمية الى حالات الفساد التي تكشف من خلال العمل الصحفي في متابعة وتوثيق الاخبار والاحداث، وتأثير السلطة الرابعة في موضوع محاربة وكشف مظاهر الفساد بشكل فعال ومؤثر دائما ما يرتبط بمستوى وحجم استقلاليتها ومدى مساحة الحرية الممنوحة لها فلا قدرة ولا دور ولا فعالية للصحافة في مواجهة ومحاربة الفساد دون استقلالية وحرية ودون حماية دستورية للعمل الصحفي.


دور الاعلام في محاربة الفساد


تتزايد أهمية وسائل الإعلام في تناول قضايا المجتمع، كما تبرز مسئولياته تجاه التعبير عن مصالح الجماهير، حيث تعد هذه الوسائل من وسائط وأدوات التعبير والتوجيه والضبط الاجتماعي، ويفترض انها تمثل قوة مستقلة في المجتمع.

وكان تحدث الاعلامي، مروان حويجة، في جلسة بعنوان "دور الإعلام في مكافحة الفساد.. واجب وطني ومهني" مبيناً أن دور الإعلام يتجلّى في اعتباره الأداة الأهم في مكافحة الفساد بما يعكس الدور المحوري والجوهري لهذه السلطة في محاكاة الواقع بكل شفافية، وهذا يضع الإعلام أمام مسؤوليته وواجبه ومهمته كمنظومة عمل تمارس دورها الرقابي والنقدي".

كما لفت حويجة إلى" ان إسهام الصحافة ووسائل الإعلام الإلكتروني في كشف حالات وقضايا الفساد بما يجسد أحد أهم وظائف الصحافة في استطلاع ومراقبة البيئة المحيطة وعرض القضايا الملتصقة بحياة الفرد والمجتمع ومعالجتها بما يعزز موقع الصحافة بوصفها رافعة حضارية للواقع بكل إحداثياته وبكل إيجابياته وسلبياته ما من شأنه تعميق دور الصحافة والإعلام الإلكتروني في ممارسة المعالجة النقدية".

مبيناً" أنه عندما نريد للصحافة أن تعمّق دورها في مكافحة الفساد من خلال ما تنشره من قضايا وتحقيقات وما تفرده من مساحات لهذه الظاهرة فإن السبيل الأمثل والأنجح يكمن في ضرورة أن يتواجد الإعلام في كل زوايا المجتمع.

وفي السياق ذاته نوّه الدكتور علاء الجاسم، مدير وكالة الآن الإعلامية في سورية، خلال حديث خاص عن أهمية مكافحة الفساد الاعلامي كي يستطيع الاعلام مكافحة الفساد العام، حيث قال: "ان تشويه صورة الاعلام يعتبر تشويه لصورة المجتمع، ونستطيع أن نعتبر الاعلام مرآة ذات وجهين في الداخل والخارج بحيث انه يعكس الصورة المحلية للمجتمع والبلاد محلياً وينقل هذا الانعكاس عالمياً، والجدير بالذكر أن الاعلام السوري خلال الحرب الارهابية وجّه اهتمامه الاكبر إلى الحرب، وتغيّبَ عن الاعلام العام، مما أدى إلى ظهور منصّات اعلامية تتاجر بالوضع الداخلي، بغية جمع مشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي التي هي بالأساس قد تكون مواقع مشبوهة، كما يسمي القائمين عليها أنفسهم أنهم اعلاميين، ويتبعون سياسة خالِف تُعرف".

وأكد د. الجاسم" أن قانون الاعلام ينص على أن المراقبة على الاعلام المحلي لاحقة، والمراقبة على الاعلام الخارجي مسبقة، وهذا من مصلحة قوة نفوذ الاعلام، لكن للأسف قانون الاعلام ضعيف التنفيذ من قبل القائمين عليه تحت شعار حالة الطوارئ بالتالي يتم تغليف الفساد الاعلامي".

ايضاً اوضح الجاسم" أن المكاتب الاعلامية في المؤسسات والمديريات والوزارات الحكومية تتبع للمؤسسات والمديريات والوزارات ذاتها، ولا تتبع في مركزيتها إلى وزارة الاعلام، بالتالي إن ما يتم بثه يكون في مصلحة المؤسسات والمديريات والوزارات التي تتبع لها، لأن المكاتب الاعلامي فيها تكون هي مرجعيته ولن ينشر إلا ما يصب في مصلحتها، أي تكون الإدارة الذاتية مغيّبة بالتالي تكون مسيّرة، هنا نستطيع أن نلفت إلى عدم المصداقية والشفافية في العمل الاعلامي، ولا نستطيع الاعتماد على عملها كإعلام مكافح للفساد".

وأضاف د. علاء الجاسم" أن دور الاعلام قوي وايجابي لتصحيح الخطأ إذا كان حقاً يسير في إطار الصالح العام وتكون بوصلته جهة تنفيذية وجهة تشريعية وليس موجهاً إلى المصالح الخاصة والفردية".


افكار ومقترحات اعلامية للحد من الفساد


لأهمية الاعلام كوسيلة مهمة لكشف الفساد ومن ثم المساهمة في الحد منه، فان هناد العديد من الافكار والمقترحات ذات التأثير المباشر في الوصول الى الهدف المنشود، ومنها:

-تنظيم حملات توعية للرأي العام لدعم مكافحة الفساد.

-نشر دراسات متخصصة بالظاهرة ومتابعة الندوات والمؤتمرات التي تختص بالموضوع.

-تسليط الضوء على مشكلات الجهاز الحكومي وكشف معوقات تحسين اداءه.

-متابعة الإجراءات الحكومية الخاصة بمحاربة الفساد للوصول إلى حل نهائي وجذري.

-المتابعة الجدية لقضايا الفساد المثارة وتتبعها للوصول إلى حل نهائي لها.

-نشر تجارب الشعوب الأخرى التي نجحت بالحد من الظاهرة الفاسدة.

-الشفافية في الطرح وكشف كل الممارسات الإدارية المشبوهة او الفاشلة.

بالتالي - على ضوء التجربة في سوريا - يمكن انضاج خطة اعلامية لمكافحة الفساد، والتي تكون برفد وزارة الاعلام لوحدات اعلامية إلى جميع المؤسسات والمديريات والوزارات، تتبع هذه الوحدات إلى وزارة الاعلام بشكل مباشر وتكون محصنة بقانون الاعلام، ويتاح لها الاطلاع على سير العمل في المكان الموجودة فيه، وتسلط الضوء على النشاطات التي تشوبها الشبهات، بعيداً عن التزييف من اجل ارضاء المسؤولين، حيث أنه في الواقع تقوم اغلب وحدات الاعلام في الدوائر بتلميع صورة الادارة فيما أبواب المسؤولين دائماً مقفلة بوجه من يطلب التفاصيل التي يمكن أن تعطي دوراً اكبر للإعلام في مكافحة الفساد.



العودة إلى الأعلى