الأسر العلمية في النجف الاشرف خلال القرن الحادي عشر.. أسرة آل أبي جامع
كانت أسرة آل أبي جامع الذين عرفوا مؤخراً بـ (آل محي الدين) فهم من أعرق الاسر العلمية في النجف الاشرف طيلة ثلاثة قرون متوالية، وكان جدهم الأعلى، الشيخ الاجل الأكمل فخر الدين بن الشيخ نور الدين علي آل أبي جامع، أو أبن أبي جامع، مؤسس هذه الاسرة الشريفة في النجف الاشرف، وفي النبطية في لبنان على حد سواء كما ذهب الى ذلك السيد الأمين.
وقد توفي الشيخ فخر الدين هذا بعد عام (1025 هـ)، وفي القرن الثاني عشر ومنتصف القرن الثالث عشر كان في الأسرة أكثر من ثلاثين طالب علم، وشاعر وأديب وكلهم من رجال الدين.
وقد جمع أحوالهم وتراجمهم صديقنا وأستاذنا العلامة الدكتور عبد الرزاق محي الدين (ت 1983م) في كتابه القيم (الحالي والعاطل) تكملة آمل الآمل، وترجم لأغلب افراد الاسرة أهل العلم، وعبر عنهم بـ (الحالي) والكسبة والتجار وعبر عنهم بـ (العاطل).
وكان الدكتور عبد الرزاق وهو شرف الاسرة في أيامه الاخيرة، رئيساً للمجمع العلمي العراقي، وأمينا للقيادة السياسية الموحدة بين مصر والعراق، ووزيراً للوحدة والدولة، وأستاذا في كلية التربية والفقه، وقد احتفلت النجف الاشرف في مهرجان أقيم في قاعة جامعة الكوفة بجهودنا واشرافنا بمناسبة مرور (100 عام) على ولادته، وعشرين عاماً على وفاته، عام (1422هـ) وقد كتبت عنه بحثاً في كتابنا (هكذا رأيتهم) ورثيته بقصيدة من الاعماق تليت ونشرت في عدة صحف وكتب.
وكان آخر من ادركناه من علماء هذه الاسرة الروحانيين العالم، الشاعر، الاديب، الزعيم، الشيخ قاسم محي الدين (ت 1957م) وله ديوان عامر يجتمع فيه المراجع العظام والعلماء الأعلام، والشعراء والادباء، وكنت أحضره.
وكان رجلاً متواضعاً، بسيطاً، مرحاً، إنسانا جمع مكتبة كبرى، وله آثار عديدة، وله مواقف محمودة وله نوادر سائرة، من نوادره أنه أراد طبع ديوانه (الشعر المقبول في مدح آل الرسول) فذهب هو والاستاذ جعفر الخليلي رحمه الله الى الشيخ محمد رضا الشبيبي، وطلب اليه ان يقرض الديوان حتى يطبعه، فقال الشبيبي، وهو العالم الظريف الوقور المتزن أكتب:
يا قاسما يا أبن أبي جامع يا من أتى الأشعار مروية
أحسن ما فيها على ما بها أنك فيها حسن النية
فشكره وفرح، فقال له جعفر الخليلي أن الشيخ الشبيبي قد ذم شعرك في البيت الثاني بقوله (على ما بها) فقال أعلم بهذا، ولكنني سأعطيها للمطبعة، وتطبع:
أحسن ما فيها على حسنها أنك فيها حسن النية
ثم قال: من يقرأ؟ ومن يكتب؟ ومن يدري؟ وهكذا كان آنس الشيخ الشبيبي كثيراً على هذا التغيير الذي قلب الهجاء مدحاً.
وأصبح أبناء الاسرة الكريمة كلهم من التجار والكسبة، ولما رأى ذلك المرحوم الدكتور عبد الرزاق محي الدين رغب الى سميه رزاق جعفر محي الدين، وان يعتمر أكبر أبنائه العمامة فاستجاب لذلك، واعتمرها الشيخ نزيه عبد الرزاق محي الدين، وهو من فضلاء الحوزة، ومن المجدين في اكتساب العلم والمعارف الدينية والانسانية.
ويعتبر الآن زعيم الأسرة والده عبد الرزاق، وهو من أهل الإحسان والمعروف، وخدام الحسين (ع) والشعائر الإسلامية، ومن الباذلين بذلك أمواله وجاهه ووجوده الاجتماعي.
وهو صديقنا المخلص، ومن الوجوه الاجتماعية البارزة في النجف الاشرف، كريم النفس، شريف الأخلاق، سمح العشرة.
أما أولاد الدكتور عبد الرزاق محي الدين رحمه الله فهم ملء السمع والبصر أكبرهم الاستاذ الدكتور زهير والاستاذ الدكتور علي، والاستاذ أوس، والاستاذ محمد، وقد أمسكوا بزمام المبادرة في ديوان أبيهم واستقباله كل ثلاثاء من كل أسبوع، وهو الندوة الادبية التي استمرت أكثر من ستين عاماً منذ تأسيسها.
المصدر: المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف مسيرة ألف عام
الأستاذ الاول المتمرس في جامعة الكوفة الدكتور محمد حسين علي الصغير
متابعة: فضل الشريفي