الانتخابات.. استحقاق وتحديات
تحقيق: صباح الطالقاني - سلام الطائي
1- المرجعية العليا أكدت على المواطن أن لا يسمح بتمكين الفاسدين مرة اخرى، ولا حتى منحهم فرصة التمكين والاستحواذ على مقدرات البلد مجدداً.
2-لابد للجهات المعنية أن تعمل على ايجاد السبل الكفيلة لتوزيع البطاقة الذكية على جميع الناخبين.
3- كلما كان الناخب واعياً لخياراته كلما كانت فرص الضغط والتلاعب من قبل المرشحين ضعيفة ومرتبكة، لأنهم سيعلمون حينها انهم أمام ارادة قوية.
في خضم الالتباس والتنافس المؤطر في كثير من الاحيان بإطار الصراع المتعدد الأشكال على السلطة، يحار المواطن بين أمرين أحلاهما مُر، فهو إما أن ينتخب الصالحين لأجل الحصول على ثمرة هذه الممارسة الديمقراطية وتسمية من يمثله في السلطة التشريعية للدفاع عن حقوقه، ويتحمل مسؤولية هذا الاختيار حتى وإن لم يحقق تطلعاته، او يحجم عن الانتخاب ويترك هذه الساحة المهمة ليملأها المنتفعين ويجلبوا مرة اخرى الفاسدين الى سدة الحكم ويزيدوا الامور سوءاً، وهذا ما حذّرت منه المرجعية الدينية العليا من خلال خطبها وبياناتها المتواترة، التي حثَّت على اتخاذ مقولة الامام الحسين عليه السلام (مثلي لا يبايع مثله) كمبدأ لممارسة المواطنين عملية الانتخاب، والسعي الجاد لتفويت الفرصة على الذين لم يقدموا شيئاً سوى التمتع بالامتيازات الخيالية على حساب المواطن الفقير الذي ازداد فقراً طوال هذه السنوات.
بل ان المرجعية العليا أكدت على المواطن أن لا يسمح وبكافة الوسائل المشروعة بتمكين الفاسدين مرة اخرى، ولا حتى منحهم فرصة التمكين والاستحواذ على مقدرات البلد مجدداً.
وعلى أساس ان الانتخاب حق انساني ومطلب شرعي وقانوني، نخوض الملف التالي من اجل التعرف على معطيات هذا الاستحقاق والعقبات التي تواجهه، لتتوضح الصورة لدى المواطن الذي قدّمَ كل ما يملك في سبيل انتقال البلد الى بر الامان، ولم يبخل لا بالنفس ولا بالمال ولا بالبنون.
انتخبوا من يتعهد بإلغاء الامتيازات غير المنطقية
ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي حثَّ المواطنين أن يدققوا النظر وهم على ابواب الانتخابات في من سينتخبوه ويدققوا في اختياراتهم، داعيا إياهم ان لا ينتخبوا إلا من يتعهد لهم مسبقاً بإلغاء الامتيازات غير المنطقية لأعضاء مجلس النواب والدرجات الخاصة.
وأورد الكربلائي - في خطبة سابقة - نص رأي المرجعية الدينية العليا في الامتيازات التي تم اقرارها لأفراد مجلس النواب حصراً، قائلاً" تم اقرار قانون التقاعد الموحد في مجلس النواب وذلك بعد طول انتظار وبالرغم مما فيه من بعض الايجابيات ومن اهمها رفع الحد الادنى للراتب التقاعدي، إلا انه من المؤسف ان مجلس النواب اخفق مرة اخرى في ان يلبي مطالب المواطنين فقرر لأعضائه ولكبار المسؤولين وذوي الدرجات الخاصة امتيازات واستثناءات بغير وجه حق، وهذا الامر ينبغي له ان يلفت نظر المواطنين وهم على أبواب الانتخابات أن يجددوا النظر في من سينتخبوه ويدققوا في اختياراتهم، وينبغي لهم ألا ينتخبوا إلا من يتعهد لهم مسبقاً بإلغاء هذه الامتيازات غير المنطقية، كما يفترض بالمحكمة الاتحادية ألا تمرر هذه المادة من القانون والتي تخالف روح الدستور هذا الدستور الذي ينص على ان جميع المواطنين يتساوون من دون تمييز وان الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميعهم".
وفي ما يتعلق باستعمال البطاقة الذكية في الانتخابات قال ممثل المرجعية العليا" لا يمكن لأي مواطن ان يدلي بصوته في الانتخابات إلا من خلال هذه البطاقة... ولابد للجهات المعنية أن تعمل على ايجاد السبل الكفيلة لتوزيع البطاقة الذكية على جميع الناخبين".
الناخب يحتاج الى برامج توعوية نشطة ومستمرة
"الانتخابات عملية ديمقراطية تتيح للناخب أن يختار مَن يدير شؤونه ويمثله أمام العالم، وبالتالي فان أي حالة اجبار او تزوير لإرادة الناخب تعتبر خيانة له وتفريغ لمعنى الانتخابات من محتواها الديمقراطي".
بهذا التعريف ابتدأ خبير التنمية البشرية د. ماهر حميد مجيد حديثه مؤكداً" أن الضامن الاساسي لنزاهة الانتخابات هو الناخب نفسه قبل كل الوسائل الاخرى، فهو صاحب القرار الفصل في الانتخابات، وعليه أن يتعامل مع كافة الكتل والافراد المرشحين من هذا المنطلق، فكلما كان الناخب واعياً لخياراته كلما كانت فرص الضغط والتزوير من قبل المرشحين ضعيفة ومرتبكة، لانهم سيعلمون حينها انهم أمام ارادة قوية لا تشترى او تباع، ولا يمكن سرقة صوتها بحفنة دولارات او مجموعة من الاوراق المزورة, لان صاحب الارادة حينئذ سيعرف كيف يأخذ حقه".
واستدركَ د. ماهر" لكن انتاج مثل هذا الناخب يحتاج الى برامج توعوية نشطة ومستمرة، وقد لا تكفي الفترة الاعلامية القصيرة قبيل الانتخابات لمثل ذلك الجهد، وهنا لابد من الاعتماد على مجموعة من الوسائل التي عسى ان تحد من عمليات شراء الاصوات او تزوير النتائج، ومنها تكثيف الوسائل الرقابية المحلية والدولية اثناء فترة الحملات الانتخابية وخلال الانتخابات وعند العد والفرز واعلان النتائج، واشراك المجتمع المدني بصورة اكثر تنظيماً لمراقبة العملية الانتخابية برمتها، مع ضرورة اعتماد التصويت والعد الالكتروني الذي من شأنه تقليل فرص التلاعب اليدوي بالنتائج. وأخيراً ضرورة الغاء عملية التصويت الخاص التي تعتبر المدخل الاكبر لعملية التزوير وتكرار التصويت".
وأضاف" مرت العملية السياسية في العراق بمنعطفات خطيرة, وشابتها الكثير من تهم الفساد, وكل ذلك كان له تاثيره السلبي على ثقة الناخب بالعملية الانتخابية, فقد يخالجه شعور بعدم جدواها, لأنها ستعيد نفس الوجوه المتنفذة, والتي بدورها ستعيد نفس النكبات والازمات التي عصفت بالبلد منذ تاريخ سقوط الدكتاتورية والى يومنا هذا, وبذلك تكون توقعات اقبال الناخب على الانتخابات المقبلة ضعيفة, مما يوجب على القائمين على العملية السياسية في العراق ان يقوموا بعملية انعاش كبرى لها, وذلك من خلال ترشيح وجوه جديدة وابراز كيانات سياسية جديدة تكون عابرة للمحاصصة والطائفية والتحزب الضيق, ليشعر الناخب بمساحة امان اكبر تكمن في تحريك فضوله على التجريب مجدداً, لان التكرار اصبح معلوم النتائج ولا جدوى منه".
وتابع د. ماهر" يجب توعية الناخب حول امكانية وجدّية تطبيق برامج الجهات المرشحة للانتخابات، لان البرامج الانتخابية التي طرحت في التجارب الانتخابية السابقة اشتركت انها جميعها لم تكن قابلة للقياس (Measurable)، وهذا يعني عدم قدرة الناخب على متابعة تفاصيل تطبيق البرنامج الانتخابي وقياس نتائجه ليعلم تحققها من عدمه، وبالتالي تحديد قدرته على محاسبة المرشح الفائز ولو معنوياً.
وفصّل د. ماهر" فعندما يكون ضمن البرنامج الانتخابي مثلاً عبارة (العمل على تطوير الخدمات الاساسية المقدمة للمواطن) فكيف يمكن للمواطن ان يقيس مدى تحقق هذه العبارة؟ وما هي الخدمات الاساسية؟ وما هو مدى التطوير؟ وكيف يمكن قياسه؟
ولكن عندما تكون العبارة مثلاً (رفع مستوى انتاج الطاقة الكهربائية من 15 الف ميغا واط الى 18 ألف ميغا واط خلال ثلاث سنوات) فان هذه العبارة ستكون قابلة للقياس لانها محددة بأرقام وفترة زمنية، وهنا يستطيع الناخب ان يأتي بعد مدة ويسأل المرشح هل تم رفع الطاقة مقدار 3 آلاف ميغا واط عما كانت عليه قبل انتخابه ام لا؟ فإذا كان الجواب (نعم) فهذا دلالة على امانة المرشح واهليته للترشح ثانية, وأما اذا كان الجواب (كلا) فهذا يعرّض المرشح للاستجواب من قبل الشعب لبيان الاسباب. وعلى مدى قناعة الاسباب يتحدد مستقبل المرشح إما عزلاً وإما محاكمة بسبب التقصير. ومن هنا يصبح لزاماً على الناخب أن لا يرضى ببرامج انتخابية انشائية، بل لا بد أن تكون محددة وقابلة للقياس".
دقّة الاختيار أمر ضروري وحاسم
الخطيب الشيخ عبد الستار الدكسن أفاد" ان الانتخابات لغةً تعني انتخبَ الشيء اي اختاره، والنخبة ما اختاره منه، ونخبة القوم خيارهم وتطلق كلمة النخبة على الجماعة التي يختارها الناس من بينهم..
وأوضح الدكسن" الانتخاب يعني الاقتراع ـ والانتقاء، ويمكن تعريف الانتخاب بأنه تلك العملية التي يقوم المواطنون بواسطتها وبشكل دوري حسب القانون، باختيار ممثليهم لتسلّم مناصب السلطة التشريعية او التنفيذية او المؤسسات المحلية، من خلال التصويت الذي يعد الوسيلة الاساسية التي يمكن للافراد عن طريقها التأثير على القرارات التي تخصهم وتخص مستقبل الاجيال وتعنى ببناء البلد ومؤسساته".
وأضاف" اليوم نحن على اعتاب انتخاب المجلس الجديد ولابد لنا أن نعيد النظر بكل هذه الوجوه التي لم تجلب للبلد والمواطن إلا الخيبة، وان لا نعطي الفرصة ثانية لهم لما لمسناه وجربناه وعانيناه من وعودهم وأمانيهم وعدم مصداقيتهم، وها هي المرجعية العليا اعلنت ولأكثر من مرة بأن (المجرَّب لا يجرَّب) وقد تمثلت المرجعية بقول الامام الحسين عليه السلام عندما طلب منه الوليد بن عتبة والي المدينة أن يبايع يزيد، حيث قال الامام الحسين عليه السلام (ومثلي لا يبايع مثله).. الكرة الآن اصبحت بملعب المواطن حيث تكليفه الشرعي هو ان لا يبايع من نكث العهد، وعليه اختيار الاصلح من اهل الدين والورع فصوته امانة وعليه صون هذه الامانة، كما ننصح المواطن أن لا يغتر بالوعود الرخيصة، ولا يغتر عندما يرى بعض المتزلفين والمتملقين وهم يستقبلون بعض الوجوه بالاهازيج وتقبيل الايدي.."
وختم الدكسن حديثه مؤكداً" على المواطن المشاركة الفاعلة الدقيقة، وعليه ان لا يعيد اختيار المجربين الفاشلين، وأن لا يجامل المرشح الفاشل كونه ابن عشيرته او منطقته على حساب الحق.."
متطلبات ومعايير دولية
الباحث الاجتماعي عمران المسعودي أكد" من اجل ممارسة حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة لابد أن تتمتع العملية الانتخابية بعدد من الحقوق المصانة دولياً، ومنها حق ممارسة حرية الرأي والتعبير والحق في التجمع السلمي وعدم التعرض للتخويف والتهديد من اجل التغيير".
وأضاف" أيضاً لابد أن تتاح إمكانية التمتع بهذه الحقوق دون أي تمييز على أساس المعتقد أو العرق أو الجنس أو غيره من الآراء أو الأصل القبلي أو الجهوي أو الاجتماعي أو على أساس الثروة أو النسب أو لأي سبب آخر، وان أي سبب لإعاقة الناس من التمتع بهذه الحقوق سينتج عنه تلقائيا إزالة طابع النزاهة والحرية عن العملية الانتخابية".
ومن الناحية الاجتماعية أوضح المسعودي" ان الانتخابات تؤهل الناس كوسيلة اساسية للمشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلدانهم، وتعتبر حقاً أساسياً من حقوق الإنسان التي كافحت من اجله شعوب العالم, وان حق المشاركة في ادارة الشأن العام هو حق منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتعترف به معاهدات وإعلانات دولية أخرى".