المناسبات الدينية ... وتصحيح المسار
تقرير: محمود المسعودي
يحيي المسلمون في مختلف بقاع الكرة الارضية ذكرى استشهاد ائمة اهل البيت عليهم السلام) حيث يقيمون مجالس العزاء ويذكرون فيها اقوالهم وجوانب من سيرة حياتهم ويقصدون المراقد المقدسة للزيارة متبعين بذلك اقوال النبي وأهل البيت عليهم السلام حيث ورد عن الامام جعفر الصادق(عليه السلام) انه قال: (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا )،وهذا يؤكد على اهمية إحياء امرهم في الفرح أو الحزن، وتعد زيارة مشاهدهم المطهرة مظهرا من مظاهر ذلك الاحياء .
أهمية الشعائر
أن لإحياء الشعائر أهمية كبيرة في ترسيخ مبادئ الاسلام وتقوية أواصر التعاون في المجتمع وغيرها من الصفات الحميمة لدى الناس فقد ذكر في كتاب بعنوان (دور أهل البيت (ع) في بناء الجماعة الصالحة ج2 ) لمؤلفه السيد محمد باقر الحكيم أن الشعائر تعتبر" أحد الخطوط الثابتة في الشريعة الاسلامية لأنها تعبر عن حاجات انسانية ثابتة في الحياة الاجتماعية للإنسان، ولذلك فهي لا تتغير بتغير اساليب الحياة الاجتماعية أو ظروف التطور المدني في حياة الانسان، وهذا الثبات في الشعائر ينطلق من الدور الذي تقوم به الشعائر الذي يعبر عن هذه الحاجات الثابتة في الحياة الانسانية والذي يمكن أن نتبينه في الابعاد الاربعة التالية :
الاول : أن الشعائر تعتبر اطاراً يحفظ للجماعة وجودها من الضياع وتماسكها ووحدتها من التفكيك والتفرق وهذا يعبر عن حاجة اجتماعية ثابتة في الحياة الانسانية.
الثاني : أن الشعائر لها دور مهم في تشخيص هوية الجماعة وترسيخ انتمائها إلى الاسلام وتميزها عن الجماعات الاخرى ; بحيث تحقق الشعائر أصالة الامة واستقلال شخصيتها وينمّي فيها الشعور بالاعتزاز والكرامة والانتماء إلى الاسلام والهوية والاستقلال والعزة والكرامة من الحاجات الانسانية الثابتة .
الثالث : أن الشعائر .... تؤثر على المحتوى الداخلي (النفسي) للإنسان : الشعوري والعاطفي والعقلي من خلال الممارسة المستمرة وتطابق الظاهر مع الباطن والشكل مع المضمون ; هذا من ناحية الفرد الممارس ، ومضافاً إلى ذلك يكون لها دور في الحالة الاجتماعية العامة وشؤون الافراد الاخرين من خلال ما توجده من عرف عام يكون له تأثير اكبر من القوانين والتشريعات أحياناً، فهي تساهم بشكل فعال في إيجاد حالة الثبات والاستقرار والانسجام العام في الفرد والمجتمع.
الرابع : إن الشعائر لها آثار ومداليل تعبر عن حاجات ثابتة متعددة : (تربوية) كإيجاد العرف العام الذي يساهم في ضبط السلوك الاجتماعي للافراد، و(سياسية) من خلال الاداء الجمعي للشعائر كما في صلاة الجماعة والجمعة والحج الذي يظهر قوة الجماعة وتماسكها وعزتها وكرامتها ، ويؤدي إلى كسر حالة الخوف والتردد عند بعض الافراد من خلال الانسجام في الحركة مع الاخرين ، و(اجتماعية) من خلال تأكيدها للعلاقات الاجتماعية بين الجماعة وايجاد روح التكافل والتعاون والتفاهم والمودة بين افرادها ، وتبادل المنافع والمصالح بينها (ليشهدوا منافع لهم) كما هو في الحج ، و(إعلامي) من خلال ما تقدمه الشعائر للناس من مضامين عقائدية ومفاهيم فكرية واخلاقية ، وكذلك يمكن أن تكون بعض الشعائر أفضل وسيلة للتعبير عن المتبنيات السياسية والاجتماعية .
الاستثمار الامثل
وبالنسبة لاتباع أهل البيت عليهم السلام يرى الأعلام والمفكرون أن المناسبات وبالأخص ذكرى ولادات واستشهاد أئمة اهل البيت(عليه السلام) ينبغي ان لا تمر من غير ان نتعلم من اقوالهم وسيرتهم وحياتهم واعتبارها دستوراً لنا في الحياة, وفي ذلك يقول الشيخ محمد صنقور من مملكة البحرين في مقال له: ان امر أهل البيت (عليهم السلام) الذي أوصت الروايات المأثورة عنهم بإحيائه هو معالم الدين الاسلامي الذي يُعرف من طريقهم في مقابل ما يتداوله الناس من غير طريقهم, ذلك لانَّ طريقهم هو وحده الذي لم يَشُبْه انحراف أو تجاوز عما جاء به القرآن الكريم وسنة النبي (صلى الله عليه وآله)، وعليه فكلُّ ما ثبت عنهم من تفسيرٍ للقرآن أو بيانٍ لأصول وفروع العقيدة وتفاصيل الاحكام الشرعية الفقهية وما أُثر عنهم من إيضاحٍ لقيم الدين وتوصياته ومواعظه كلُّ ذلك يكون تناوله وتأصيله وترويجه داخلٌ في سياق الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام).
وأكد أن"َ عقد المجالس التي يُستعرض فيها مآثر أهل البيت (عليهم السلام) وسِيَرهم ومكارم أخلاقهم، والمجالس التي تُعقد ليُستعرض فيها البراهين والحجج المقتضية لتعُّين أخذ الدين عنهم والتي هي تعبيرٌ آخر عن امامتهم, والمجالس التي تُعقد ليسُتعرض فيها ما يُنتج التوثيق للعلاقة والصلة بهم ليكون ذلك طريقًا لأخذ الدين عنهم والتمثُّل بسجاياهم ومكارم أخلاقهم, كُّل ذلك يقع في سياق الاحياء لأمرهم".
ودعا الى ضرورة أن يكون" استحضار ذكريات مواليدهم واستشهادهم وعقد المجالس لذلك واستثمارها لأجل تأصيل الولاء لهم وتوثيق الصلة بهم من خلال استعراض مآثرهم ومناقبهم والظلامات التي وقعت عليهم, واستثمارها كذلك لنشر أُصول العقيدة وقيم الدين ومبادئه التي ناضلوا من أجل ترسيخها في وجدان الأُمه, كُّل ذلك يقع في سياق الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام)".
واستدل على دعوتهم (عليهم السلام) على إحياء أمرهم بقوله أن " الذي يؤكِّد ما استظهرناه من أنَّ الإحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام) يشمل الاستحضار لمآثرهم ومناقبهم والظلامات التي وقعت عليهم ما رواه في قرب الاسناد بسنده عن ابي عبد الله (عليهم السلام) قال لفضيل: تجلسون وتُحدِّثون؟ قال: نعم جُعلت فداك قال: إنَّ تلك المجالس اُحبُّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غُفر له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر".