مريم.. زهرة الأنبار تتفتّح في رحمة كربلاء
في جناحٍ من أجنحة الرحمة بمستشفى وارث الدولية لعلاج الأورام في كربلاء، ترقد الطفلة مريم، ذات الضحكة التي لا تنطفئ، تحمل بين أهدابها حلم الشفاء، وبين أناملها الصغيرة دفترًا رسمت عليه قوس قزح... لا لتلوّن به جدران المرض، بل لتنسج أملاً يليق بحياة تحبّها وتستحقّها.
من هيت... إلى كربلاء
جاءت مريم من قضاء هيت في محافظة الأنبار، محمولة على جناح الدعاء، ومؤازَرة بدعوات الأهل والجيران، إلى كربلاء التي لم تكن بالنسبة لهم مجرّد مدينة، بل ملاذًا احتضن الطفلة منذ اللحظة الأولى لتشخيص مرضها في 17 أيلول 2024.
يقول شقيقها عمر، الذي لازمها كظلّها طوال رحلة العلاج:
"مريم لم تدخل مستشفى قبل وارث… كأن هذه المؤسسة كانت موعدها الأول مع الحياة من جديد. ومنذ قدومنا في الشهر نفسه، وجدنا أبواب الرحمة تُفتح من حيث لا نحتسب. تكلفة العلاج مجانية، والحمد لله، سوى بعض الأدوية التي نتحمّلها إن لم تتوفر."
طفلة تُحب الحياة وتُحب المدرسة
مريم ليست مجرد حالة مرضية. هي طفلة تُحبّ المدرسة، وتفرح بالحيوانات، وتضحك كثيرًا. رغم جسدها المنهك بالعلاج، فإنها هادئة، مفعمة بالتفاؤل، ترسم المستقبل بألوان الطفولة ولا تعبأ كثيرًا بالوجع.
"تبتسم كثيرًا، حتى عندما تتألّم", يهمس عمر، وكأن في صوته رجفة امتنان، "لم تسأل يومًا: لماذا أنا؟ بل كانت تقول لي: سأعود لمدرستي، وسأكتب عن مستشفى وارث في الإنشاء!"
كربلاء... المدينة التي داوت غربتنا
وعندما سألنا عمر عن كربلاء، لم يتحدث عن أبنيتها، ولا شوارعها، بل عن طيبة ناسها:
"كربلاء كانت خيرًا وبركة… أهلها لا يجعلوننا نشعر أننا من خارج المدينة. يستقبلوننا وكأننا من بيوتهم، يقدمون لنا المساعدة والابتسامة والدعاء."
ثم أضاف: "عذرًا على هذه الكلمة، لكننا لم نشعر لحظة أننا (غرباء). كلهم أخوتنا، وأسأل الله أن يحفظ هذه البقعة الطاهرة، ويحفظ العراق، ويشفي مريم وكل مريض."
حين يكون الشفاء مقرونًا بالإنسانية
مستشفى وارث الدولية، كما يقول كثيرون، ليست مجرّد مبنى طبيّ، بل مشروع حياة، يهب لمن انكسر أملُه فرصة جديدة للوقوف. في أروقته تذوب الفوارق، وتختلط اللهجات، وتتوحّد القلوب على رجاءٍ واحد: الشفاء.
ومريم، بضحكتها وثباتها، أصبحت ليست فقط مريضة تتلقى علاجًا، بل سفيرة أمل، ودليلًا على أن كربلاء لا تضمّ الضريح وحسب، بل تضم صدورًا تتّسع للجميع، ويدًا تمتدّ لكل موجوع، بلا سؤال عن الطائفة أو المحافظة أو الانتماء.
الخاتمة..
في كربلاء، حيث الحسين يُلهم القلوب بالصبر، تنبت على أعتاب المشفى زهرة اسمها مريم. تحارب السرطان كما لو أنها ذاهبة إلى المدرسة، تكتب في دفترها دعاءً، وترسم في قلبها أملًا، وتشكر مدينةً فتحت لها أبواب الحياة من جديد.
كربلاء… ليست مدينة المرضى فقط، بل مدينة من يمنحونهم الحبّ.
ومريم… ليست مجرد طفلة مريضة، بل درسٌ في أن الضحكة قد تكون أقوى من الوجع.