الحرم الحسيني الشريف.. من الثرى إلى القباب الذهبية
يستعرض هذا التقرير تاريخ تشييد الحرم الحسيني الشريف ومراحل التطوير والإعمار التي شهدها عبر العصور إلى جانب المحطات التي تعرض خلالها للتخريب والتدمير. ويحدثنا في هذا السياق المؤرخ رشيد سعيد زميزم معاون رئيس قسم المتحف في العتبة الحسينية المقدسة مستعرضا أبرز تلك التفاصيل .
بناء الحرم الحسيني لأول مرة
استشهد الإمام الحسين عليه السلام في العاشر من محرم سنة احدى وستين للهجرة الموافق لسنة ستمائة وثمانين للميلاد ومنذ ذلك الحين مر القبر الشريف بمراحل متعددة من البناء والتطوير والتخريب .
شيد أول بناء للحرم سنة ست وستين للهجرة بأمر المختار الثقفي إلا أنه سقط بسبب أمطار غزيرة بعد عامين ليقوم محمد بن إبراهيم بن مالك الأشتر بإعادة بنائه وبقي قائما حتى تأسيس الدولة العباسية سنة مائة واثنتين وثلاثين للهجرة.
الحرم الحسيني في العصر العباسي
مع بداية العصر العباسي شهد المرقد إعمارا ودعما من بعض الخلفاء أبرزهم أبو العباس السفاح إلا أن هذا الدعم لم يستمر طويلا إذ ساءت العلاقة لاحقا في عهد المنصور العباسي نتيجة الثورات العلوية مما أدى إلى سياسة انتقامية ضد آل البيت شملت تخريب الحرم الشريف على الرغم من ذلك أسهمت أم المهدي زوجة أبي جعفر المنصور من آل البيت في إرسال الأموال سرا لإعمار الحرم وتعيين أول سادن له علي بن أبي داود.
مرحلة التخريب والتدمير
استمر الحرم قائما حتى عهد هارون الرشيد الذي أمر بتخريبه ومنع زيارة القبر الشريف إلا أن ابنه الأمين أعاد بعض الإصلاحات ثم جاء المأمون الذي سعى لكسب ود آل البيت وقام بتعمير الحرم مرة أخرى لأسباب سياسية مرتبطة بالثورات الشيعية.
لاحقا تولى المتوكل العباسي السلطة وكان شديد العداء لآل البيت فقام بتخريب الحرم أربع مرات وفرض ضريبة باهظة على الزوار وقطع أيدي بعضهم مما أدى إلى تناقص أعداد الزائرين وتذكر المصادر أن المتوكل أمر بفتح الماء لإغراق القبر الشريف إلا أن الماء حار حول القبر ولم يمسه ومن هنا جاءت تسمية الحائر .
إعادة الإعمار بعد مقتل المتوكل
قتل المتوكل بمؤامرة من ابنه الذي كان من محبي آل البيت فجاء إلى كربلاء وخصص أموالا لإعمار المرقد وبنى منارة مرتفعة ليهتدي بها الزائرون استمر الحرم قائما حتى العهد الفاطمي حيث جرى تعميره بشكل رائع سنة ثلاثمائة وتسع وستين للهجرة وتم بناء سور حوله مع حراس لحمايته.
الحرم الحسيني في العصور اللاحقة
في سنة أربعمائة وتسع وستين للهجرة تعرض الحرم لتخريب جديد من قبل قطاع طرق وأعيد إعماره بجهود أحد أمراء الدولة المزيدية في الحلة وفي القرن الخامس الهجري سقطت قبة الحرم بسبب حريق أثناء موسم زيارة فأعاد المحبون بناؤها وفي القرن الثامن الهجري تم تعمير الحرم من جديد وبناء منارتين عملاقتين بأمر السلطان أحمد الجلائري سنة سبعمائة وخمس وستين للهجرة .
التبرعات الخارجية وتطور الحرم
تعرض الحرم إلى تخريب سنة ثمانمئة وثمان وثمانين هجري ثم أعيد بناؤه بتبرعات من محبي أهل البيت في الهند وكشمير وباكستان في العصر العثماني تعرض الحرم لأضرار متكررة أبرزها على يد داوود باشا سنة ألف وثمانمئة وخمسة وعشرين ثم نجيب باشا سنة ألف وثمانمئة واثنين وأربعين ثم حمزة بك سنة ألف وتسعمئة وخمسة عشر ثم خلال قصف القوات البريطانية لكربلاء أثناء ثورة العشرين.
الحرم الحسيني في العصر الحديث
رغم الأضرار المتكررة واصل المحبون أعمال الترميم حتى اندلاع الانتفاضة الشعبية سنة ألف وتسعمئة وواحد وستين التي شهدت دمارا كبيرا في الحرم على يد النظام الصدامي .
وفي العهد العثماني وما بعده جرى فتح عشرة أبواب للحرم بعد أن كانت أربعة فقط حيث كان لكل جهة باب مثل باب الماء الذي يعود فتحه إلى القرن الأول أو الثاني الهجري.
تضمن الحرم أيضا مدارس دينية وأسواقا لبيع الكتب ومجالس للعلماء والدروس والمحاضرات الدينية .
تطوير الحرم بعد سقوط النظام
بعد سقوط النظام تولت المرجعية الدينية الرشيدة إدارة الحرم وتطويره حيث تم فتح أبواب جديدة ليبلغ عددها عشرة من الأبواب المهمة باب السلطانية الذي فتح سنة ألف وثلاثمائة وتسع للهجرة بأمر السلطان عبد المجيد باشا نسبة إلى مقام السيدة زينب والمدرسة الزينبية كما فتح باب القبلة سنة ألف وثمانمائة وثمانية وسبعين ميلادي باتجاه باب الرجاء وكان موضع صلاة الزوار وطلب البركة.
فتح باب الكرامة في ستينيات القرن العشرين عقب حادثة كرامة لأحد الرجال الضريرين الذي شفي ببركة الإمام الحسين عليه السلام سمي باب السلام بهذا الاسم لأن الزوار كانوا يقفون عنده ليسلموا على مقام الإمام المهدي عجل الله فرجه أو على مقام أمير المؤمنين عليه السلام وسمي باب السدرة نسبة إلى شجرة السدرة التي قطعها المتوكل وكانت تظلل القبر الشريف أما باب الرأس الشريف فقد كان يعرف سابقا بباب الحر لأنه يتجه نحو منطقة الحرة .
نصب الساعة الدقاقة
في سنة ألف وثلاثمائة وتسع للهجرة نصب أول ساعة دقاقة عند باب القبلة بأمر ناصر الدين شاه القاجاري واستمرت حتى سنة ألف وتسعمائة ميلادي تعرضت الساعة لأضرار ثم جرى تصليحها سنة ألف وثلاثمائة وسبع وثمانين هجري وقصفت لاحقا سنة ألف وتسعمائة وواحد وتسعين ميلاد أثناء قمع الانتفاضة وأعيد إصلاحها مؤقتا بعد ذلك أعادت المرجعية العليا بناءها وأصبح صوتها اليوم يملأ أرجاء الحرم الحسيني الشريف.