تحديات العلاقة بين الاجيال.. ثوابت متوارَثة ومفاهيم حديثة

2024-12-22 11:44

تتسارع عجلة الزمن بالمرور عبر أجيال نستطيع أن نسميها أجيال الحروب في الشرق الأوسط، سيما ما مرّت به هذه الدول من كبوات اجتماعية وفكرية وثقافية في خضم الاضطرابات السياسية التي هيمنت على المنطقة خصوصاً وعلى اغلب دول العالم، وسبّبَ ذلك ظهور تنافر بين الاجيال على المستوى الفكري والثقافي، وكذلك من ناحية تقبُّل انماط العيش المتوارثة وتقاطعها مع الانماط الاجتماعية والثقافية في الزمن الحاضر.

يعتبر اختلاف وجهات النظر والسلوكيات بين جيل وآخر بمثابة ما يسمى صراع الأجيال، حيث نوّه علم الاجتماع ان التغير في حجم وشكل المجتمع مع مرور الوقت طبقا للظروف المحيطة مع تطور كل شيء دائما يكون مصحوب بتغير في المفاهيم وأساليب الحياة الجديدة نفسها، ولأن المجتمع يتكيّف مع هذه التغيرات ويحاول ان يحافظ في نفس الوقت على التوازن والاستقرار، فمن الطبيعي أن شخصية الإنسان نفسها تتغير هي أيضاً، خصوصاً مع كل جيل يظهر وتظهر معه استقلاليته عن الجيل الذي قبله اكثر واكثر.

لقد لاحظ عالم الاجتماع " كارل مانهايم" أن اختلافات الأجيال تكون في انتقالهم من مرحلة الشباب إلى مرحلة البلوغ، كما درس علماء الاجتماع الظروف التي تفرق الأجيال عن بعضها البعض ليس فقط في المنزل بل في المناسبات والأماكن الاجتماعية وفي العمل ايضاً وطُرح عدة نظريات بهذا الشأن.

النظرية الاجتماعية للفجوة بين الأجيال ظهرت في عام 1960 عندما بدأ الجيل الجديد "المعروف لاحقاً بفترة طفرة المواليد" بمعارضة معتقدات آبائهم السابقة من ناحية الفنون والقيم والآراء الحكومية والسياسية، وقد أشار علماء الاجتماع إلى "الفجوة بين الأجيال" بالتفرقة الناتجة عن عمر الشخص، فقسّم علماء الاجتماع فترة الحياة إلى ثلاثة مستويات: الطفولة، ومنتصف العمر، وسن التقاعد. وعادة عندما تمارس الفئات العمرية أي من النشاطات الرئيسية، ينعزل كل جيل جسدياً عن الجيل الآخر مع التفاعل القليل.

من جانب آخر تعتبر التكنولوجيا من ابرز العوامل التي أدت إلى خلق اختلافات وصراعات بين الأجيال، حيث أن التطور الذي طرأ عليها خاصة فيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الذي أدى الى تداخل ثقافات وشعوب ودول الكوكب وجعلهم كقرية صغيرة، الأمر الذي انعكس على جيل واكب حضارات وثقافات متنوعة، نتجَ عنها عادات وتقاليد جديدة تمسّكَ بها الفرد من مبدأ التعلُّم لديه، متجاهلاً ثقافة وعادات الأسرة أو المجتمع أو الدولة، وبالمقارنة مع سابقه من الأجيال الموجود بينها فهو بات غريباً بحجم غرابة ما انتهلهُ من الثقافات الأخرى.

تقول المختصة بعلم النفس أمل عياش، في حديث خاص إلى وكالة كربلاء: "تفاقمت حالة الصراع بين الأجيال بسبب وجود عوامل عدة أبرزها:

- تزايد الحاجة المادية، الجيل القلق من المدخول المادي يؤدي الى توجهه الى دخل بطرق مشبوهة او غير مشروعة مما يؤثر على المجتمع ككل.

- التكنولوجيا ودخول الأفكار الغربية التي تتعمد خلق خلافات اجتماعية أسرية في بلدان العالم الثالث، والتي تعتبر أعظم مهامها ايجاد الصراع الاجتماعي.

- تخبط الدول التي تتعرض لضغوطات اقتصادية وسياسية، مما ينعكس على سير الإدارة الحكومية لديها بالضغط على المواطنين أو تحجيم خدماتهم حسب الظروف الراهنة، مما يجعل من الجيل الذي يواكب الحدث أكثر قلقاً، وأما يكون قلقه ايجابي يدفعه الى العمل والتعلم والمثابرة أكثر، او يكون قلقه سلبي ويدخل في حالات نفسية معقدة، وبالحالتين الايجابية والسلبية يكون هذا الجيل مختلف عن سابقه بالواقع والسعي إلى المستقبل.

- تطور الحياة والسعي للأفضل بالفطرة، حيث أن كل جيل عندما يخرج عن دائرة الاسرة الى الحياة الاجتماعية أو العلمية ثم الى سوق العمل تتكون لديه إرادة ليكون أفضل من الجيل الذي يسبقه، هنا يعمل لإبراز ذاته وفرض محصلاته الفكرية سعياً منه نحو الأفضل.

بالمقابل هناك عوامل لسد أو تقليص الثغرات بين الاجيال التي تؤدي إلى صراعات او اختلافات من وجهة نظر المختصة بعلم النفس حيث نوهت: " يجب التفريق بين الصراع والاختلاف، فالصراع هو فرض رأي أو سلوك على الآخر، اما الاختلاف فهو النقاش الذي يهدف الى ايجاد نقطة التقاء بين الطرفين، ومن العوامل التي تساهم في التوافق بين الأجيال:

- اما عن دور الاسرة فيجب على الام والاب احتضان الطفل كحالة توعية وتربية اضافة الى غرس مفاهيم حب الوطن والآخر وحب التعايش والتعلّم، حيث يعتبر هذا واجب تجاه الطفل لتوعيته خارج المنزل.

- التمسك بالعادات والتقاليد وايجاد أسلوب سلس في تلقيمها الى الجيل القادم.

- التربية الدينية، نحن في مجتمع اسلامي والقوانين الاجتماعية السائدة فيه يجب ان تكون اسلامية للحد الادنى المقبول على الاقل، ويجب أن يتربى الجيل الجديد اخلاقياً على الدين الاسلامي في السلوك والتوجه النفسي والفكري، وكي لا يحصل شرخ كبير فضروري للأهل ايضاً ان يتعلّمون ويستوعبون هذه القيم والثوابت الاسلامية".

وعلى صعيد الأسرة فإن للوالدين الدور الأكبر في تقليص فجوة صراع الأجيال التي يمكن أن تحدث بسبب العوامل المتعددة السابقة، وهنا تكمن حكمة التربية والتقاليد والدين مع مواكبة تطور الزمن، وتهيئة الأبناء لمواكبة التطورات مع الحفاظ على القيم والثوابت الانسانية لديهم، وهنا ننوّه إلى قول الإمام علي عليه السلام: "لا تربّوا أولادكم كما ربّاكم آبائكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم".

الباحثة: غانيا درغام


العودة إلى الأعلى