الطف وجلجامش.. أنطولوجيا الملحمتين بين الصراع والخلود

: ضياء ابو الهيل 2024-10-23 06:26:38

من المعيب ان نترك العبث يعترش مواقع الفكر من حيث ان ملحمة الطف واقعة حقيقية برمزها وشخوصها فهي لا تشبهها أي واقعة وملحمة اخرى، وشخصية الإمام الحسين (عليه السلام) لا تشبها أي شخصية مهما كان سعيها للخلود أو الحرية، كما لا يمكن أن نسخر الحرف لتشكيل مقارنةً في الصراع بين الملحمتين تاريخيا أو ادبيا، لكن قد يمكن او يجاز لنا من حيث البكاء، فلاشك في أن لواقعة الطف الأليمة تأثير كبير في الوجدان العراقي كونه نابع كما اعتقد من تأثير الإرث الطقوسي والبكائي لحضارة وادي الرافدين القديمة، حيث تمثل طقوس التعزية والبكاء جزءا أصيلا من ذلك الإرث المتوارث كملحمة نزول عشتار إلى العالم الأسفل وموت تموز وملحمة جلجامش وغيرها.

من حيث التناغم والتقارب لا نستطيع خلق وجه تقارب، وواهم من يقول ذلك!، فلا يمكن قبول قراءة مغلوطة تعمل على قصدية التأويل لان القراءات التأويلية بين الملحمتين لها فرق شاسع وكبير كالفرق بين الثرى والثريا، فواقعة الطف منجمٌ ثرٌ وارض يانعة الفضائل والرفعة، ومجالها واسع خصب.. ولعمل قراءة قادرة على تقديم رؤى متنوعة لابد ان نحافظ على قدسية المضمون وعدم خلط المفاهيم بحجة الاستنتاج من وقائع الإرث الغابر القديم، فثمة فرق كبير بين من يبحث عن الخلود بحسب تعبير الشاعر (عادل الصوري): 

زحف الخلود إليه وأصحابه  في ملحمة قلبت الموازين

وهنا يصير القول أنه من الركة خلق نمط خيالي يشوبه البؤس والوهن لمقارنة خجلة بين الإرث الحضاري الملحمي للعراق او لحضارات العالم الأخرى مثل الشعر الملحمي الذي يفسر ويترجم الى صراع بين الخير والشر والباطل والحق وبذل التضحيات من اجل العدالة للحد من الجبروت والطغيان وبين ملحة الطف الحسينية بما لها من طابع خاص وأثر مادي ومعنوي مدوي ونقطة تحول كبيرة هي مصدر إلهام كبير لكل الاحرار في العالم.. وما لقلمي عاجز الحرف أن يسعى لخوض غمار تقريبٍ لبعدٍ من أبعاد النهضة الحسينية الخالدة أمام عمالقة خطت حروفهم سطورا في شتى دوائر البحث عن واقعة كربلاء الملحمية، لأرتكن الى خوض التناغم والتقارب بين الطف الملحمة الكبرى لصراع الحق ضد الشر والجبروت، وبين اية ملحمة اخرى وان كانت جلجامش بما لها من محتوى سوى الرمزية التي تلوي أنوف ارباب الادب والتي يجدر بهم الوقوف لديها والتأمل مليا بين صراع اسطوري وواقع لصراع يذهل منه اللبيب ويحتار في وصفه الاديب.

وقد يفتخر الكُتاب في توظيف عنوانات براقة لها صدى واسع ومؤثر وجاذب للنخبة من الطبقة الأدبية الذين يتلاعبون في وضع مفردات صعبة للمتلقي البسيط الفقير، ولربّما الأقلام المغمورة تحاكي هذه الطبقات لتشرأب فوق السطح رغم عواصف النقد اللاذع للدلالات البحثية في غمار تقريب الابعاد الجوهرية والحسية والعقائدية والفكرية للقضية الحسينية؛ لاسيما هناك سباق محموم بالرغبة للتعمق في تفصيل تلك الابعاد ولربّما تكون للباحثين والكتاب ضربات وشطحات من خلال تكوين مقارنات مع الملاحم والبطولات للقضايا العادلة على مرِّ تاريخ نشأة الخلق، وهنا تجدر الوقفة في حبكٍ للملمة الاوجه ولوضع المقارنة بين الرمزية الشاخصة والكبيرة لملحمة الطف ببعدها الحقيقي في دائرة الادب مع رمز اسطوري هو جلجامش الذي يعتبر موروث ادبي موغل في القدم وهو يعتبر من الشخصيات الأسطورية في الحضارات السومرية لبطل مهم لميثولوجيا بلاد الرافدين القديمة.

تتضمن القصة الأسطورية ان جلجامش ملك الوركاء وانكيدو رجل خلقته الالهة لوضع حد لطغيان جلجامش على شعب الوركاء فانطلق الى الوركاء وتحدى جلجامش، لاختبار مدى قوته فيفوز جلجامش بالتحدي ويصبح الرجلان صديقين وبحسب الأسطورة مات انكيدو وحزن عليه جلجامش حزنا شديدا وقرر البحث عن عشبة الخلود لكي يكون خالدا لا يفنى، كيف لنا ان نقارب حزن الامام الحسين (عليه السلام) على اخيه ابي فضل العباس (عليه السلام) مع حزن جلجامش على انكيدو او المقاربة بشخص السيدة زينب (عليها السلام) مع عشتار، كما قارب الباحث (باسم محمد حبيب) بين الأيام العشرة لمحرم مع الأيام العشرة التي كان يحتفي بها العراقيون القدماء بعيد (الأكيدو) أي عرس القاسم وبين الزواج المقدس!!!.

العودة إلى الأعلى