الافتراء.. جوانبهُ وآثاره

تتعاقب الممارسات السلبية لدى الاشخاص غير المتوازنين فكرياً، نفسياً واجتماعياً، الأمر الذي يؤدي إلى تخبط اجتماعي يمكن أن يذهب ضحيته أفراد آخرين، وهذا ما يمكن أن نتحدث عن بعضٍ منه في سلوك الافتراء

والافتراء يعدّ من أخطر ما يمكن أن يهدد سمعة الفرد الشخصية، والمفارقة هنا أن الفرد يقضي عمره في تكوين سمعة جيدة له فيأتي الافتراء الذي لا صحة له ويضرب السمعة الجيدة عرض الحائط وتتحول الى سمعة سيئة في وقت قصير.

قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: "وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً" صدق الله العلي العظيم، بالتالي دينياً إن اتهام الناس والكذب عليهم، والافتراء على الأبرياء والبريئات يعتبر خطره جسيم وضرره عظيم، بل هو خطيئة منكرة، وجريمة عظيمة، وعاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة.

وقال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" صدق الله العلي العظيم، بالتالي على الإنسان أن يهتم بكلامه، قبل الحكم على الناس، والافتراء عليهم لقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ" صدق الله العلي العظيم، فاتهام الأبرياء بالتهم الباطلة، والأخذ بالظن والتخمين، ورمي المؤمنين بما لم يعملوا، وبهتانهم بما لم يفعلوا، عاقبته وخيمة وآثاره أليمة في الدنيا والآخرة، بالتالي إن الله عز وجل نهى عن الافتراء وأمر بالمعروف وخصص الافتراء بالمعاقبة كذنب كبير يحاسب عليه.

هناك العديد من الأمثلة على الافتراء، بدءاً من الاتهامات الخاطئة لجريمة معينة إلى نشر شائعات حول حياة الفرد الشخصية، على سبيل المثال، إذا قام شخص ما بنشر شائعات كاذبة أو اتهام شخص بجريمة لم يرتكبها، فان ذلك يعد تشهيراً، وللأسف هناك الكثير ممن يظنون أن تفوقهم الاجتماعي او العملي يمكن أن يكون على حساب الطعن بزملائهم في العمل او جيرانهم وأقاربهم، ان هؤلاء يدخلون في منحى الأمراض النفسية، وإن الدافع الاقوى لممارساتهم السلبية هو الغيرة في اغلب الاحيان، وهي بدورها حين تكون سلبية تدفع الفرد إلى محاولة الحاق الضرر بالآخرين كلما سنحت الفرصة.

ومن امثلة الواقع، يقول محمود شحرور، رجل أعمال، في حديث خاص لوكالة كربلاء: " تعرضتُ للافتراء من خلال شخص تهجّم عليَّ في معمل الخياطة الذي أمتلكه، وكان هذا الشخص فاشل لا يعمل ويعيش على الاقتراض من الناس دون أن يعيد لهم أموالهم وكنت أنا منهم، تعاطفتُ معه مرتين لكني علمتُ فيما بعد أنه يعمل ذلك مع جميع الذين يعرفهم، ولأني رفضت اعطاءه مالاً مرة اخرى، رفع صوته في مكان عملي أمام الجميع، وصار يقول لي اعِد لي أموالي بحجة أني أنا الذي اقترضتُ منه المال!! لكني طردته واستدعيتُ الشرطة بشهود عمال المعمل، لقد تأذيت نفسياً منه لكن الذي واساني أن سمعته هكذا مع الكثيرين من الناس ومنهم جيراني اصحاب المحلات، وجميعهم تحدثوا لي عنه أنه هكذا منذ سنوات...

قانونياً تبرز مخاطر الافتراء ويكون لها آثار طويلة الأمد على سمعة الشخص وحياته، بالتالي من المهم أن نفهم الأشكال المختلفة للتشهير والعلاجات القانونية المتاحة لأولئك الذين كانوا ضحايا، كي يمكننا فيما بعد المساعدة في حماية أنفسنا والآخرين من آثارها الضارة.

جانب قانوني

والافتراء كما نصت عليه المادة القانونية هو إخبار عن جريمة يعرف المخبِر أنها لم تُقترف، وهذا الإخبار لا تتوافر فيه الصفة القانونية، مالم يكن مكتوباً او موقعاً عليه من قبل صاحبه او وكيله القانوني، ولا قيمة له اذا كان قولاً مجرداً.

وتحدّث المحامي بشار فويتي، في قول خاص الى وكالة كربلاء الدولية بالقول: " حتى نستطيع أن نُخبر عن الافتراء يجب أن يكون هناك أركان لفعل الافتراء كي يتحقق جرم الافتراء، بالتالي يجب أن يتوفر شرطين الاول هو ان يكون المفتري على علم أن فعله غير حقيقي، والثاني هو ان يكون الهدف إلحاق الضرر بالشخص الآخر، وللافتراء عدّة اوجه، هناك افتراء جنائي وافتراء جنحوي حيث يتبع الافتراء نوع الجرم الذي ادعى به المفتري على الشخص الآخر، ومن وجهة نظري كرجل قانون يجب أن تكون العقوبات رادعة ومشددة من أجل تقويم سلوك ضعاف النفوس، إذ أن الافتراء مخل بالأمان الاجتماعي والاقتصادي حيال أذية سمعة الأفراد في العمل والمجتمع".

جانب اجتماعي

وعلى الصعيد الاجتماعي اوضحت الباحثة والمرشدة الاجتماعية لودي درغام في حديث خاص إلى وكالة كربلاء الدولية بقولها: "يتواجد الافتراء في طبع اغلبية البشر عموماً مثل وجود الخير والشر، وقد يستخدمه الطفل كوسيلة للدفاع عن النفس أو اتهام الغير بممارسة الخطأ في الكلام والسلوك، بالتالي يعتبر الافتراء في مرحلة الطفولة من صفات الإنسان السيئة التي لم تُهذب أو تُقوَّم بعد، لذلك تقع على عاتق الأهل مسؤولية توعية الطفل ضد الافتراء، ثم تنتقل المسؤولية إلى المدرسة باعتبارها مؤسسة تربوية وتعليمية في آن واحد".

وأكدت المرشدة الاجتماعية" أن الافتراء عموماً دليل على ضعف الشخصية أو وجود نقص فيها، وبالطبع المفتري يعلم بذلك، بالتالي يستخدمه المفتري كوسيلة لتغطية نقصه النفسي، كما يأتي حجم الافتراء حسب نسبة النقص النفسي، وفي بعض الأحيان يظن المفتري أنه ليس كاذبا ويعيش الحالة التي كونها بالافتراء كأنها حقيقة، هنا تصبح لديه تراكمات فكرية وتربوية ونفسية تدخل في مضمار الأمراض النفسية مما يجب الانتباه اليها ومعالجتها".


العودة إلى الأعلى