تاريخ المراقد .. الجزء الأول
ما هي أهمية المراقد ؟ وما تشكّله من أثر على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ؟ وما هو الدور الذي تجسده في نهضة الشعوب وترسيخ العلاقات بينها ؟
هذه النقاط المهمة وغيرها من الأمور التي تعنى بالمراقد كالمناحي الفنية والسياحية وغيرها، يؤسس من خلالها الشيخ العلامة المحقق محمد صادق الكرباسي مركزاً لانطلاقته في رحاب المراقد المقدسة للإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأنصاره وكل من ارتبط بثورته الخالدة، ويبني على هذه الدعائم مرتكزاته التاريخية والمعلوماتية الثرة.
وحرصاً منه على الالمام بكل جوانب الموضوع الذي يطرقه كما عُهد عنه، فقد أشار الكرباسي في هذا الجزء وهو الأول من أصل ثمانية أجزاء ضمتها موسوعته الرائدة دائرة المعارف الحسينية إلى مضامين هذه الأجزاء من قراءة تاريخية للمراقد والمقامات ولأصحابها من الذين لهم ارتباط بثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وما يحتويه كل مرقد ومقام على معالم تاريخية وأثرية وسياسية ومدى تأثيره على المجتمع وما توفرت عليه من معلومات تصحيحية لما تشابه منها.
يبدأ الكرباسي من الجذور وهو يمعن في استخلاص كل ما له علاقة بالموضوع وتقديمه للقارئ كمعلومة صافية مستعيناً بأدواته التنقيبية التي صنعها خزينه الثقافي والمعرفي واللغوي والتاريخي، فأفرز فيها في باب المرقد والمقام بينهما وبيّن ملامح كل منهما، فالمرقد ينبع في الأصل من الرقاد وهو القبر، أما المقام فهو المكان الذي يمكث فيه الإنسان لفترة غير محددة.
ويعد الكرباسي مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) محور المراقد المقدسة بعد الحرمين الشريفين ومرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو الذي (يمد أنوار النبوة المشعة من المدينة المنورة إلى بقية أقطار العالم الإسلامي من بلدان الهلال الخصيب وإيران والهند وقفقازيا وتركستان وجعل كربلاء المقدسة وبيت الله الحرام في مصاف واحد يدركها من لم يستطع إدراك حرم الله الأقدس)
وفي (بناء المراقد وقدسيتها) يستوفي الكرباسي الحديث عن فضل بنائها وماله من الثواب الجزيل عند الله، فهو من أعظم القربات التي يتقرّب بها إليه (عز وجل) وقد حث النبي (صلى الله عليه وآله) على تعمير قبور أهل بيته وزيارتها في أحاديث كثيرة منها قوله (ص) لعلي (ع) كما ورد في وسائل الشيعة:
(يا علي من عمَّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فابشر وبشّر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين ....)
ولا ينسَ الكرباسي أن ينتقي من هذه الأحاديث الكثيرة بخصوص فضل زيارة الحسين (عليه السلام) فيذكر ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فضل من عمّر مرقد سيد الشهداء قوله من حديث طويل:
(ثم يبعث الله قوماً من أمتك لا يعرفهم الكفار ولم يشركوا في تلك الدماء بقول ولا فعل ولا نية فيوارون أجسامهم ويقيمون رسما لقبر سيد الشهداء بتلك البطحاء يكون علماً لأهل الحق وسبباً للمؤمنين إلى الفوز).
وبعد أن يستوفي الكرباسي حديثه عن فضل تعمير المراقد والزيارة والتسليم والاستشفاء بالتربة الحسينية وتقبيل الضريح والسجود أمام عتبة المراقد ينتقل إلى جانب مهم وعامل كبير من عوامل أهمية المراقد وهو دورها العظيم في نهضة الشعوب وتأثيرها الكبير على المجتمعات المحيطة بها والذي يخلق (تلاحماً وثيقاً واندماجاً روحياً يؤدي إلى مدّ الجسور بين أبناء الشعوب في مختلف مجالات الحياة)
وعن الأدوار المهمة التي تجسدها المراقد يستعرض الكرباسي في الدور السياسي ما للمراقد المقدسة من القوة والنفوذ والتأثير على الصعيد العالمي وخضوع الملوك والسلاطين لها وسعيهم للتبرك بها ومدى إجلالهم لقدسيتها ومدى تأثيرها على الشأن السياسي.
أما على صعيد العلاقات الدولية فهي تمثل دوراً بارزاً ومؤثراً في تنمية العلاقات بين الشعوب الإسلامية، كما لها أكبر الأثر في الحياة العلمية للأمة حيث تستقطب العلماء وطلاب العلم والأدباء وتستوعب المدارس الدينية والعلمية والمجالس الأدبية، كما أن لوجودها تأثير روحي على المجتمع
أما الجانب الاقتصادي فيدعمه الكرباسي بالأرقام لايضاح أثر السياحة الدينية في ازدهار المجتمع اقتصادياً، وفي الجانب الفني للمراقد فإن في بنائها تتجسد التحف الفنية التي تفتخر بها الأمة فهو التراث الناصع لها، كما تعد المراقد عاملاً مهماً من عوامل ازدهار المدن من خلال البناء حولها فهي محور للتمدّن والحضارة.
وبعد أن يستوفي الكرباسي البحث في هذه الجوانب ينتقل إلى وصف المراقد من الداخل ويعرف تعريفاً مبسّطاً وموسّعاً لكل مفردة من مفردات العمارة الإسلامية ابتداء من الرواق فالصحن فالقبة فالمئذنة فالمقصورة فالجوسق فالرمانة مبيناً بنماذج مصورة خاصية كل منها وأشكالها وأماكن تواجدها قبل أن يدخل مبحث المراقد ...
يبدأ الكرباسي هذا المبحث بالتسلسل الهجائي لأصحاب المراقد والمقامات بـ (إبراهيم بن مالك الأشتر) باعتباره قائداً لجيش المختار الثقفي الذي قام بثورة للطلب بثأر الإمام الحسين (عليه السلام) فيذكر ترجمة لصاحب المرقد وتاريخ المرقد وموقعه ومواصفات بنائه وعمليات التجديد فيه وزيارته.
وفي مجال التصحيح التاريخي يتطرق الكرباسي إلى المقام المنسوب للسيدة أم البنين (عليها السلام) داخل الروضة العباسية المقدسة وهو مقام اخترعه المخيال الشعبي، فلا وجود لمقام لهذه السيدة هنا، فهي (عليها السلام) ماتت في المدينة ودفنت في البقيع ولم تحضر إلى كربلاء
أما في مرقد السيدة أم كلثوم والتي رجح الكرباسي أنه في البقيع فإنه لا وجود لشاهد عليه، ثم يفصل الكرباسي الحديث عن مرقد أولاد مسلم الذي أثبت فيه معلومات مهمة تعنى بتأريخه، ثم يتحدث عن مرقد بكر بن علي وبيت فاطمة لينتقل إلى مرقد الإمام الحسين عبر القرون.
إن هذا الكتاب يمثل دليلاً كاملاً لكل ما يعنى بالمراقد والمقامات وجهه الكرباسي ببوصلته إلى حيث يروم الزائر
محمد طاهر الصفار