العراق بين زيارتين.. صورة صحفية في مرآتين

: حسين النعمة 2025-06-04 13:40

يتقاطع مقالان لصحفيين بارزين نُشرا في جريدة الأهرام المصرية أواخر مايو 2025، حول العراق، ليرسما لوحة بانورامية للعراق المعاصر، بين ألمه المتراكم، وآماله المرتجاة، أولهما بقلم أسامة سرايا بعنوان: "حكاية فكرة.. زيارة كريمة للعراق"، والثاني بقلم محمد صابرين بعنوان: "العراق إلى أين؟"، وبينما يلتقي المقالان في النبرة العاطفية تجاه العراق، إلا أنهما يتمايزان في الزوايا، واللغة، والرسائل الضمنية.

 

أولًا: العراق في عيون الزائرين

كلا الكاتبين قدِما إلى العراق لحضور القمة العربية ومؤتمر الإعلام العربي، لكنها لم تكن زيارة بروتوكولية فحسب، بل تحوّلت إلى رحلة شعورية عميقة: فأسامة سرايا ذهب إلى المراقد والمقامات الدينية في بغداد والنجف وكربلاء، في حين قفز محمد صابرين مباشرة إلى السؤال الجوهري: "العراق إلى أين؟".

هذه المفارقة تختزل تباين المنهج بين الاثنين: سرايا يستبطن بعدًا روحيًا وتاريخيًا وثقافيًا، ويركز على المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد السيستاني كشخصية جامعة؛ أما صابرين فيغوص في جدلية الهوية العراقية ما بعد الصدمات، محاولًا قراءة الخارطة النفسية والمجتمعية للعراق الجديد.

 

ثانيًا: السيستاني كرمز في عين الصحافة المصرية

أسامة سرايا يرسم صورة متوهجة للمرجع الأعلى السيد علي السيستاني، ويصفه بأنه «ظاهرة فريدة» تتجاوز المذهبية، وتحمل مشروعًا للدولة الدستورية الحديثة، أقرب في رؤاه إلى أفكار الشيخ محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي. يدعو بوضوح لترشيحه لـ"جائزة نوبل"، باعتباره ضامنًا للوحدة، ومانعًا للفتنة، ومُشرعنًا لمسار ديمقراطي لم يُسخّره لصالح النخبة الدينية.

أما محمد صابرين، فيضع السيستاني في سياق أوسع من الحوار والتعايش، من خلال أصوات أخرى مثل السيد حسين الصدر، الذين يدعون لوضع الدين فوق السياسة، وينادون بإسلام منفتح لا يعرف التعصب. هنا لا تُختصر المرجعية في شخصية واحدة، بل تُقدَّم كمدرسة فكرية تحارب الطائفية من جذورها.

 

ثالثًا: العراق.. بين الألم والتعافي

يُجمع الكاتبان على أن العراق قد عانى كثيرًا، لكنه يُبدي مؤشرات تعافٍ. يعبّر صابرين عن مشهد عراقي ملتبس: بين ضحايا متراكمة من كل الأطراف (السنة، الشيعة، الكرد)، وبين وطن يحاول "لملمة جراحه" عبر الإعمار، والحوار، والعودة إلى الحضن العربي. مقاله ملئ بالتفاصيل الإنسانية التي تكشف هشاشة الواقع رغم الأمل، ويعيد قراءة مظلومية العراقيين كلٍّ من موقعه.

أما سرايا فيرى في العراق دولة تتجه نحو النضج الديمقراطي بفعل المرجعية، ويتوقف مطولًا عند رمزية النجف وكربلاء، لا كمدن مقدسة فقط، بل كعواصم لتجديد الخطاب الديني والمذهبي، وكمحطات مهمة في بناء الدولة الحديثة.

 

رابعًا: الإعلام العربي بين الغياب والتقصير

يتطرق محمد صابرين إلى نقد الإعلام العربي في تصويره للعراق، وينقل بمرارة شكوى العراقيين من "ظلم الإعلام"، وتقديم صورة نمطية عن كربلاء والشيعة، مما زاد الشرخ الطائفي وأبعد العراق عن محيطه. يتهم بعض الإعلاميين بعدم وعيهم بالتحولات، ويؤكد أن العراقيين "تعلموا الحوار أكثر من الإعلاميين أنفسهم".

بينما يكتفي سرايا بالإشارة إلى ضرورة تكريم السيستاني إعلاميًا عربيًا ودوليًا، من دون أن يُحمّل الإعلام مسؤولية التقصير، بل يركز على فرصة الاتصال العربي بالعراق المتجدد عبر الرموز الجامعة.

 

خامسًا: خطاب الأمل والخوف

المقالان يلتقيان في أن العراق يعيش مفارقة: يتقدّم بخطى التعافي، لكنه لا يزال أسير الخوف من الماضي. صابرين يعبّر عن هذه المعادلة بوضوح: «أكبر مخاوفنا هو الخوف نفسه». أما سرايا فيرى في المرجعية حصنًا يبدد هذا الخوف، ويحمي من الفوضى، ويوجّه مسار العراق نحو دولة دستورية لا دينية.

 

خاتمة: العراق.. مرآة الأمة كلها

تكشف المقاربتان أن العراق ليس فقط مرآة لنفسه، بل مرآة للعرب جميعًا. المقالان يقدمان رؤيتين متكاملتين: رؤية روحية تُعلي من مكانة المرجعية كجسر للسلام، ورؤية سياسية واجتماعية تغوص في تعقيدات العراق الجديد. وبينهما، نكتشف أن الصحافة العربية حين تقترب من العراق بصدق وعمق، تكتشف نفسها أيضًا، وتعيد تعريف أولوياتها.

 

مصادر:

أسامة سرايا، "حكاية فكرة.. زيارة كريمة للعراق"، الأهرام، 27 مايو 2025

محمد صابرين، "العراق إلى أين؟"، الأهرام، 21 مايو 2025


العودة إلى الأعلى