الإسلام والعراقة الرومانية
عند الحديث عن رومانيا، فإننا نعود إلى إحدى أقدم الإمبراطوريات في العالم حيث يجد المتابع إلى إن هنالك آثار تعود إلى آلاف السنين والتي تدل على عراقة هذا البلد الذي يحتل المرتبة التاسعة من حيث المساحة والسابعة من حيث تعداد السكان. أما رومانيا فأصل تسميتها هو لاتيني(رومانوس) وتعني مواطن من رومانيا.
تتمتع رومانيا بطبيعة خلابة حيث يشكل نهر الدانوب جزءا كبيرا من حدود رومانيا الجنوبية مع كل من صربيا وبلغاريا. يلتقي الدانوب مع نهر بروت، الذي يشكل بدوره الحدود الطبيعية مع مولدافيا في الشمال الشرقي.
دخول الإسلام
تبلغ نسبة المسلمين من إجمالي سكان رومانيا 0.3% لعام 2002، ويتميز المجتمع المسلم بعراقته في رومانيا الذي يعود الى 700 سنة في دوبروجا الشمالية، وهي منطقة على ساحل البحر الأسود التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية ما يقرب خمسة قرون (1420-1878) حيث ينتمي معظم معتنقي الإسلام إلى التتار والطوائف العرقية التركية وهو احد من 16 ديانة أعترفت بها الحكومة الرومانية.
وقد دخل الإسلام إلى رومانيا على أيدي القوات العثمانية التي فتحت رومانيا سنة 1262م بقيادة الأمير عز الدين، الذي أتجه إلى منطقة دوبروجا ثم تبعتها حملات أخرى بقيادة الأمير سارو سلطق دادة الذي عسكر بجيشه بالقرب من مدينة باباداغ، وقد تركت الجيوش العثمانية التي كانت نواة الجالية الإسلامية في رومانيا الكثير من الآثار التي تميزت بالتراث العسكري كالقلاع والحصون إضافة إلى المساجد والتي من أشهرها مسجد باباداغ الذي تم بناؤه سنة 1552م.
بدأت الدعوة الإسلامية في رومانيا بجهود فردية، وكان معظم الدعاة من العناصر التركية، وكان أول استقرار لأميرين من أمراء السلاجقة عز الدين وساروسلطين سنة (661هـ - 1262م) وأقاما مع جيوشهما في بلده باباداغ وباشرا الدعوة للإسلام في النطاق الساحلي الشرقي من رومانيا وظلت الدعوة قائمة على جهود الأفراد مدة قرنين من الزمان هاجر خلالها العديد من الأتراك المسلمين إلى ما يعرف حالياً باسم رومانيا وفي سنة (1814هـ - 1411م) استولى العثمانيون على منطقة دوبروجا المطلة على ساحل رومانيا، ثم فتح العثمانيون الأفلاق في سنة (819 هـ - 1416م) ثم ترانسيلفانيا. وهكذا أصبحت الأراضي الرومانية تحت النفوذ العثماني، وذلك في حركة توسعية شملت البلقان وما يجاورها.
وأخذ الإسلام ينتشر بين سكان المناطق المفتوحة في معظم شرق أوروبا وتحولت أسر، وقرى ومدن بأكملها إلى الإسلام، ونتيجة حرية العقيدة، فضلت شعوب هذه المنطقة الخضوع لحكم الأتراك على الخضوع لحكم المسيحين، فقد قبل أهل ترانسيلفانيا الحكم التركي على الخضوع لحكم أسرة هابسبرغ المسيحية المتعصبة، وكذلك فعل أهل المجر. وتعرض المسلمين بعد الحرب العالمية الأولى للاضطهاد فهاجرت الآلاف إلى تركيا وهاجر العديد أيضاً بعد الحرب العالمية الثانية بعد استيلاء الشيوعيين على الحكم واستيلاء روسيا وبلغاريا على أجزاء من رومانيا ويتكون المسلمون من الأتراك والغجر والتتار ويقدر عددهم بحوالي 70 ألف نسمة حسب إحصائيات 2002. ويوجد المسلمين في شرقي رومانيا في منطقة دوبروجا على ساحل البحر الأسود في محافظتي كونستانتسا وتولتشا وفي العاصمة بوخارست وتحمل بعض المدن أسماء إسلامية مثل مدينة المجيدية والمحمودية في جنوب شرق رومانيا على البحر الأسود وباباداغ في الشرق.
ومن أقدم المدارس الإسلامية في دوبروجا في رومانيا في بلدة باباداغ، بأمر من بايزيد الثاني في عام 1484؛ وتم نقلها إلى مجيدية عام 1903. ابتداء من الفترة ذاتها، استقرت مجموعات من الغز والتتار من الأناضول في دوبروجا على فترات زمنية مختلفة. في عام 1525، انتقلت مجموعة كبيرة من الغز والتتار، والتي أتت من المدن الساحلية سامسون وسينوب، لباباداغ. كما طلب بايزيد من التتار الفولغا لإعادة توطينهم في شمال دوبروجا.
التحديات
تبرز عدة تحديات متمثلة في هيمنة الشيوعيين على الحكم، ومحاربتهم للعقيدة الإسلامية، بل للأديان عامة، فلقد صادر الشيوعيون أراضي الأوقاف، وألغوا المحاكم الشرعية، وأغلقوا المساجد والمدارس ثم التعصب المسيحي، فما زالت ظلاله تسيطر على العديد من أهل رومانيا، كذلك العداء التقليدي للأتراك، والمتطلبات تتمثل في بذل النفوذ السياسي من الدول الإسلامية التي لها صلة برومانيا لتحسين أحوال المسلمين، ثم إرسال الفقهاء لتبصير المسلمين بدينهم، ودعم الجالية الإسلامية ماديا وعلميا، وتقديم بعض المنح التعليمية لأبناء المسلمين، ولن يتحقق هذا إلا بعد الحصول من رومانيا على وعود بتحسين أحوال المسلمين وذلك بالطرق الدبلوماسية
الشيوعية وما بعد الثورة
تعرض المجتمع المسلم إلى القمع الثقافي في الحقبة الشيوعية في رومانيا و بعد عام 1948، أصبحت جميع ممتلكات المؤسسات الإسلامية مملوكة للدولة. وبعد هذه الفترة في عام 1959انشئت إدارة الدولة والنظام التعليمي الإجباري العلماني فصولا خاصة للأطفال من التتار والأتراك، بهدف استيعاب المجتمع التتاري وقد أدى إلى التخلص من التعليم باللغات التتارية والتركية ، وتم تم إغلاق المدرسة الإسلامية في مجيدية في الستينات من القرن المنصرم (1960).
أما بعد الثورة الرومانية في 1989، أضيفت اللغات التتارية والتركية مرة أخرى في المناهج الدراسية لأعضاء المجتمعات المعنية، وفي عام 1993، أعيد فتح المدارس الدينية والتربوية في مجيدية سميت بعد ذلك باسم الرئيس التركي السابق مصطفى كمال أتاتورك.
بصمة ثقافية: في عام 1921، تم الانتهاء من أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة الألبانية من قبل إيلو ميتكي قافيزيزي ولاخيا في مدينة بلويشت.
الشيعة في رومانيا
يُقيم الشّيعة في رومانيا جميع الشّعائر الإسلاميّة، لاسيّما في المحرّم، في العاصمة "بوخارست"، حيث يتجمّع أفراد الجالية، من الرومانيين والأتراك والإيرانيين.
وقد أسّس الشيعة في "بوخارست" "مركز الزهراء الإسلاميّ الاجتماعي الثقافي"، في "كروزوفشت"، بهدف إحياء الشعائر الإسلاميّة وتدريس القرآن الكريم، وفيه تُقام الصلوات في العيدين وأيام الجمعة.
المساجد
يوجد في رومانيا 74 مسجداً، منها 24 مسجداً أثريّاً، وفقاً لسجّلات وزارة الثقافة الرومانيّة، من أهمّها: مسجد "بابا دانغ"، الذي بُني في العام 1552 م، ومسجد أسمهان سلطان، الذي بنته ابنة السّلطان سليم الثاني العثمانيّ في العام 1873 م.
المؤسّسات والمراكز الإسلاميّة
المركز الثقافي الإسلاميّ: تأسس في العام 1992 م، في وسط العاصمة الرومانيّة، ويضمّ مسجد الرحمن، الذي يتّسع لـ 2000 مصلٍّ، وهو أوّل مسجد في أوروبا الشّرقيّة، مفتوح على مدار السّاعة. ويضم المسجد مركزاً للأبحاث والترجمة والدراسات ومدرسةً للأطفال، هدفها الاهتمام بالتربية الإسلاميّة واللغة العربيّة.
مؤسسة طيبة العالميّة: تأسست في العام 1999 م، وتجمع المسلمين الرومان.
جمعيّة السلام: مركزها في "كونستانتسا"، وتأسّست في العام 1994 م.
المركز الثقافيّ الإسلاميّ: مركزه "بوخارست"، ويتبع للوقف الشيعيّ.
جمعيّة الخدمات الإسلاميّة التركيّة.
مؤسسة أفراسيا التركيّة: نشاطاتها بين أبناء الجالية التركيّة.
مؤسسة التونا: تُقيم مراكز لتعليم القرآن الكريم.
جماعة السليمانيين: تقدّم خدمات إسلاميّة.