الشباب .. بين مطرقة المقاهي وسندان البطالة

2024-06-16 06:34:27

في ضوء شمس النهار وخلف ستار الليل، تفتح المقاهي أبوابها لاستقبال زوارها، ولم تعد هذه الأماكن مجرّد ملتقى لكبار السن يتبادلون فيها أطراف الحديث ويتسامرون حول ذكريات ماضٍ بعيد، بل تحولت إلى ساحات معارك صامتة ضد الشباب، ذاك الشباب الذي كان يُنتظر منه أن يحمل شعلة المستقبل ويقود الأمة نحو غدٍ مشرق.


لقد كانت المقاهي في زمن ليس ببعيد، ملاذًا لكبار السن، حيث يجلسون على مقاعدها البسيطة، يحتسون الشاي والقهوة، يتحدثون عن أمور حياتهم اليومية دون تكلف. كانت الأجواء هادئة، وكانت الحياة تسير ببطء، دون غالب أو مغلوب، فالجميع كان يعرف دوره ويؤديه بتفانٍ، والمقاهي كانت تقدم ما يلزم لإشباع حاجاتهم البسيطة.

ولكن اليوم، تغيرت المعادلة، أصبحت المقاهي ساحةً لمعركة غير متكافئة بين طموحات الشباب وإغراءات الاسترخاء والراحة. الشباب، وهم القلب النابض للأمة، يجدون أنفسهم في مواجهة خصم شرس يحيطهم بكل وسائل الجذب، من الأرجيلة إلى الإنترنت، ومن المشروبات الغازية إلى الألعاب الجماعية. المقاهي اليوم ليست مجرد مكان للاجتماع، بل أصبحت فخًا محكم يوقع الشباب في شراكه.

الشاب، بدلاً من أن يستثمر وقته في بناء مستقبل مشرق، بات يضيعه في المقاهي، مستسلمًا للإغراءات التي تحيط به. الوقت، المال، الطاقة، والقوة، كلها تُهدر في جلسات لا طائل منها، وأمام هذا الواقع المحبط، يرفع الشباب الرايات البيضاء، مستسلمين لسطوة المقاهي، التي تنتصر يومًا بعد يوم.

إن أسباب ارتياد الشباب للمقاهي كثيرة ومتنوعة، ولعل أبرزها هو البطالة التي تنخر جسد المجتمع، حيث أن الشباب في غياب الفرص الوظيفية، يجدون أنفسهم محاصرين بين أحلامهم وآمالهم وبين واقع لا يرحم، ويبحثون عن مكان يهربون إليه من ضغوط الحياة وتحدياتها، ويجدون في المقاهي ملاذًا مؤقتًا يُنسيهم همومهم، ولو لبضع ساعات.

البطالة ليست السبب الوحيد، لكنها تشكل الأساس الذي يبني عليه العديد من الشباب قرارهم بارتباطهم بالمقاهي. وغياب الأنشطة الترفيهية البديلة، وقلة المساحات الثقافية والرياضية، وانعدام الفرص لتطوير المهارات، كلها عوامل تدفع الشباب إلى اللجوء للمقاهي كحل سهل وسريع لقضاء الوقت.

كما إن العزلة الاجتماعية التي يعاني منها الكثيرون تجعل المقاهي مكانًا جذابا للتواصل الاجتماعي. في مجتمع يفتقر إلى الفعاليات التي تجمع الناس على اختلاف اهتماماتهم، لتصبح ملاذًا لتكوين صداقات جديدة والالتقاء بأشخاص يشاركونهم نفس الاهتمامات، ولو كان ذلك الاهتمام هو قضاء الوقت في الدردشة واللعب.

إن هذا الانتصار لا يعبر فقط عن نجاح المقاهي في جذب الشباب، بل يكشف عن أزمة أعمق وأخطر، إنها أزمة فرص مفقودة، وإحباطات متراكمة، وآمال مُوءودة. فالشباب الذين كان من المتوقع أن يكونوا قادة المستقبل، وجدوا أنفسهم في دائرة مفرغة، تلتهم فيها المقاهي كل ما لديهم من طاقات وإمكانيات.

ولكن، هل انتهت المعركة؟ هل سيظل الشباب رهينة المقاهي وإغراءاتها؟ أم إن هناك بصيص أمل يمكن أن يقلب الطاولة على هذا الواقع المرير؟ والسؤال الأهم هو: هل يمكن للشباب أن ينهضوا من هذه الكبوة، ويستعيدوا زمام الأمور؟

إن الأمل معقود على وعي الشباب بقيمة الوقت والإمكانيات المتاحة لهم. إنهم بحاجة إلى أن يدركوا أن المقاهي ليست سوى مرحلة عابرة، وأن أمامهم مستقبلاً واسع يمكنهم بناؤه بأيديهم. إذ تمكن الشباب من التحرر من قيود الكسل والإدمان على المقاهي، وإذا ما آمنوا بقدرتهم على التغيير، فإنهم قادرون على كتابة تأريخ جديد مليء بالأمل والإنجازات.

والطريق نحو هذا التحول ليس مفروشًا بالورود، لكنه يتطلب إصرارًا وعزيمة لا تلين. ووعيًا عميقًا بضرورة التغيير، والتزامًا قويًا بتحقيق الأفضل. الشباب، الذين هم كنز الأمة الحقيقي، ووجوب أن يتجاوزوا الإغراءات اللحظية ويفكروا في المستقبل الطويل الأمد. ويدركوا أن الساعات التي يقضونها في المقاهي يمكن أن تكون لبنات في بناء مستقبلهم الشخصي ومجتمعاتهم على حد سواء.

كما إن الدور الأكبر في هذه المعركة يقع على عاتق المجتمع والحكومات بتوفير بيئة داعمة ومحفزة كخطوة أولى في طريق التغيير، والتعليم، بمناهجه المبتكرة وتوجهاته العملية، يمكن أن يكون المفتاح لإطلاق إمكانات الشباب الكامنة، وكذلك، خلق فرص عمل حقيقية، تتيح للشباب استثمار مواهبهم وقدراتهم، وهو السبيل الأمثل لتحويل الطاقات المهدورة إلى إنجازات ملموسة.

العودة إلى الأعلى