اسرار ثامن القارات التي أغرقها المحيط منذ ملايين السنين
هنا في أقصى جنوب كوكب الأرض، حيث انغمرت قارة بأكملها ولم يبق منها سوى القليل من القمم الجبلية التي كانت فيما مضى مرتفعات شاهقة، تناطح عنان السماء بعظمتها، هنا نيوزيلندا الواقعة على حافة القارة المفقودة، قارة زيلانديا المغمورة.
تعد نيوزيلندا موطنا لأكثر من 5 ملايين نسمة، ويعيش فيها خليط عرقي متعدد مع شعب الماوري، وهم السكّان الأصليون الذين كانوا أول من استوطن فيها. ويذكر المؤرخون أنّ أسلافهم البولينيسيين كانوا قد رحلوا إلى موطنهم الجديد بين القرنين 12-13 الميلاديين، وكان اكتشافهم بمحض الصدفة، وذلك من خلال بعثاتهم الاستكشافية للمحيط الهادئ، مبحرين مع تيّارات المحيط التي جرفتهم إلى تلك الأراضي النائية.
وفي غضون ذلك، تشكل لدى الأوروبيين تصور قوي بوجود أراض كبيرة في الجنوب، توازي أراضي الشمال، وذلك لكي يتحقق التوازن على الكوكب. فانطلقت أولى البعثات الأوروبية بقيادة البحّار الهولندي “أبل تاسمان” من معسكرهم الواقع في جاكرتا بأندونيسيا متجهين نحو الغرب، ثم توجهوا جنوبا ثم شرقا، حتى انتهى بهم المطاف في الجزيرة الجنوبية لنيوزيلندا.
في ستينيات القرن الماضي توصل علماء الأرض إلى إجماع حول التعريف السليم للقارة، فقالوا إن القارة ينبغي أن تكون منطقة جغرافية ذات تضاريس مرتفعة، وفيها مجموعة كبيرة من الصخور، ولها قشرة سميكة. فكان ذلك دافعا للعلماء والباحثين لإعادة النظر في خريطة العالم والبحث عن إدراج قارة ثامنة إلى القارات السبع المعروفة.
وقد حمل مجموعة من العلماء من الجمعية الجيولوجية الأمريكية على عاتقهم عملية البحث عن القارة الغارقة، فأثمرت نتائجُ بحثهم (نُشر عام 2017) حقائقَ تتناول تلك الأراضي مترامية الأطراف، وقد استطاعوا تطويق هذه الأرض المغمورة، التي تبلغ مساحتها 4.9 مليون كيلومتر مربّع.
وقد بدا أن ملامح تلك القارة واضحة، وتحمل دلائل على كونها قارة حقا، وأنّ ثمة عددا من أوجه التشابه بينها وبين بقيّة القارات المدرجة، فهي ذات قشرة سميكة، وفيها صخور الغرانيت، وصخور الجرواق، وهي مجموعة متنوعة من الحجر الرملي، يتميّز بصلابته ولونه الداكن.
في نهاية المطاف، أظهرت الخريطة التفصيلية للمسح الذي أجراه العلماء في قيعان المياه، أنّ ثمّة شريطا ضيقا من القشرة المحيطية يفصل قارة أستراليا عن المناطق الجوفية لقارة زيلانديا، مما يعني أنّ القارتين منفصلتان عن بعضهما.
ولم تكتفِ الدراسة باستخلاص الأدلة على وجود القارة، بل إنّ المسح الذي استغرق عدّة سنوات جعل زيلانديا هي القارة الأولى والوحيدة في العالم التي تُمشط بشكل كامل، سواء كان ذلك فوق اليابسة أو في قاع المياه المحيطة. علما بأنّ جميع القارات المعروفة في العالم لها جانب مغمور تحت الماء لم يُكشف عنه حتّى اللحظة، باستثناء زيلانديا.