التعايش السلمي وعجلة التطور الحضاري

يشكل التعايش السلمي أمرا جوهريا في حياة البشرية للعيش بسلام ووئام لبناء مجتمعات بعيدة عن الاختلافات العرقية والدينية والثقافية والجنسية وخالية من مظاهر التطرف والعنصرية والمظاهر غير الآمنة ويعمل التعايش السلمي على مبدأ الاحترام المتبادل والقبول والتفاهم بين مختلف المجموعات والأفراد ويعتمد على مبدأ العدالة والمساواة والتعاون.

التعايش.. أهمية ومرتكزات  

للحديث عن دور التعايش السلمي في استقرار المجتمعات تحدث الاستاذ الدكتور احمد الصفار التدريسي في جامعة مانشستر البريطانية أن "التعايش السلمي في جوهره، يركز على بناء مجتمعات نوعية تعزز السلام وتمنع الصراع مع العمل على تحقيق التنمية المستدامة والرفاهية لجميع أفرادها ، ويتطلب هذا النهج النشط تعزيز الحوار، وفهم وتقدير التنوع، ومعالجة أسباب التوتر والنزاع بطرق سلمية".

Card image cap


وأضاف الصفار قائلا أن "للتعايش السلمي أهمية تتجلى في العديد من الجوانب التي تساهم في استقرار وتقدم المجتمعات والدول، نوجزها على النحو الأتي :

1. الحفاظ على السلام والأمن: التعايش السلمي يمنع نشوب الصراعات والحروب التي يمكن أن تنجم عن سوء الفهم، والتحيز ، أو الكراهية بين مختلف الجماعات. وهذا يساعد على ضمان بيئة آمنة ومستقرة للجميع.

2. تعزيز التنمية المستدامة: فالمجتمعات التي تتميز بالتعايش السلمي تكون أكثر قدرة على التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية دون التشتت بسبب النزاعات.

3 تقوية النسيج الاجتماعي: أن الاحترام المتبادل والقبول بين أفراد المجتمع يقوي الروابط بينهم، مما يخلق شعورًا بالانتماء والتضامن بين الناس من خلفيات متنوعة.

.4. تعزيز التنوع الثقافي والديني : إن التعايش السلمي يحتفي بالتنوع ويشجع على تبادل الثقافات والأفكار، مما يثري المجتمعات ويعزز الابتكار والإبداع.

5. ترسيخ قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان: إذ يعزز التعايش السلمي الديمقراطية بتشجيع المشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الأفراد.

6. تقليل التوترات وحل النزاعات بطرق سلمية كما ويوفر التعايش السلمي أسسا لحل النزاعات بطرق تحافظ على الكرامة وتحترم الاختلافات، بدلاً من اللجوء إلى العنف.

وختم التدريسي في جامعة مانشستر أن "بناء المجتمع الآمن يؤدي الى تحسين العلاقات الدولية على المستوى العالمي إذ يساهم التعايش السلمي في تعزيز العلاقات الودية بين الدول والشعوب، مما يفتح الأبواب للتعاون الدولي في مختلف المجالات بشكل عام والتعايش السلمي لا يعود بالنفع فقط على المستوى الفردي والمجتمعي، بل يساهم أيضًا في بناء عالم أكثر سلامًا وعدالة للأجيال الحالية والمستقبلية".

التعاون المشترك يقوي النسيج الاجتماعي

وفي هذا الخصوص نوه الدكتور الصفار ان "للتعايش السلمي مرتكزات تشمل مجموعة من القيم والمبادئ الأساسية التي تسهم في تحقيق وتعزيز العيش المشترك بسلام ووئام بين مختلف أفراد وجماعات المجتمع، ومن أهم هذه المرتكزات التي تعمل معا كنظام متكامل يمكن تفصيلها كالتالي :

1. الاحترام المتبادل: الأساس لأي تعايش سلمي هو احترام الآخرين، بما في ذلك احترام آرائهم، معتقداتهم، وثقافاتهم، حتى وإن اختلفت عن الآخرين.

2. التسامح: القدرة على قبول الاختلاف والعيش معه بدون أحكام مسبقة أو عداء، والتحلي بالصبر تجاه السلوكيات والمعتقدات التي قد تختلف عن الخاصة.

3. العدالة والمساواة: ضمان حقوق الجميع بدون تمييز أو إقصاء، وتوفير فرص متكافئة للجميع للمشاركة في المجتمع والاستفادة من موارده.

4. التواصل الفعال: تبادل الأفكار والحوار البناء الذي يسهم في فهم الآخرين وحل الخلافات بطرق سلمية.

5. التعاون: العمل المشترك بين أفراد وجماعات المجتمع من أجل تحقيق أهداف مشتركة والتي بدورها تعزز الروابط وتقوي النسيج الاجتماعي.

6. المرونة والقدرة على التكيف الاستعداد للتغيير والتكيف مع الظروف المتغيرة بطريقة تسمح بالحفاظ على السلام والتعايش بين الجميع.

7. التعليم والتوعية: نشر الوعي حول أهمية التعايش السلمي وتعليم الأجيال الجديدة قيم التسامح، الاحترام، والعدالة منذ الصغر.

8. التقدير والاعتراف بالتنوع: الإقرار بأن التنوع الثقافي والديني والعرقي هو مصدر قوة وإثراء للمجتمع، وليس سببا للانقسام.

9. التصدي للتمييز والكراهية: مواجهة جميع أشكال التمييز والعنصرية والكراهية، والعمل على إنهائها في المجتمع.

10. المشاركة المجتمعية تشجيع المشاركة النشطة لجميع أفراد المجتمع في الحياة العامة واتخاذ القرارات التي تؤثر على مجتمعاتهم.

 

الظروف السياسية تؤثر في السلوك الاجتماعي

للتعايش السلمي دور هام في عملية الاستقرار السياسي والأمني في البلاد ويعمل على تعزيز وحدة الشعب بمختلف القوميات فيما يشكل عدم تحقيق التعايش في المجتمعات خطرا حقيقيا يؤدي الى الإرهاب والأفكار المتطرفة بين أطياف الشعب الواحد.

Card image cap

ولتفاصيل أكثر كان لمدير عام السياسة والتخطيط الاستراتيجي في جهاز مكافحة الإرهاب الحقوقي عبد الحسين سلمان العبوسي رأي في ذلك حيث ذكر أن "التعايش السلمي مفردة مهمة في الواقع الاجتماعي والسياسي للنظام العراقي الجديد ولها مدلولات في السلوك الاجتماعي إلا أن الظروف السياسية التي مرت بالعراق للفترة الماضية وما لحق بها من أفكار للتطرف والتطرف العنيف المؤدي الى الإرهاب وما زاد في الشارع العراقي من إرهاصات ومخالفات".

 وأضاف قائلا أن هذه "المعرقلات فرضتها الظاهرة الإرهابية كحالة سلبية على مستوى التعايش السلمي للمجتمع العراقي فيما أصبحت ذات دلالات مؤثرة في السلوك الاجتماعي لتعدد الطوائف والمذاهب والقوميات بشكل يمكن ان يشار له بانه حالة دخيلة على المجتمع العراقي وسلوكياته إلا أن إدراك العراقيين وتفهمهم للواقع وما يحيط بالعراق من تهديدات وتحديات ومخاطر وأفكار تحاول بطريقة وأخرى إعادة الحال الى ما كان عليه قبل أحداث عام 2003". 


الاستقرار السياسي ركيزة أساسية للتعايش السلمي

ولفت الحقوقي عبد الحسين العبوسي الى ان "اختلاف الرؤى والأفكار الوسطية والبناءة وغير المتطرفة قد تكون حالة صحية في تصحيح مسار العملية السياسية والسلوك الاجتماعي نحو البناء للروابط الاجتماعية وتصحيح بعض السلوكيات التي تعتبر دخيلة على وحدة الشعب العراقي ولهذا نرى ان التعايش السلمي يعتبر احد الركائز الاساسية للاستقرار السياسي".


الاسلام دين المحبة والسلام

وفق أخلاقيات الدين الإسلامي تتوجه للبشرية رسائل ودعوات للتواصل الإنساني بين الأديان والقبائل والأمم بعيدا التعصب والعنصرية إذ يؤكد الدين الحنيف على مبدأ الأخلاق الذي يقوم على أساس المحبة والأخوة، لذا فأن التعايش السلمي يرتكز وبشكل رئيس على العامل الديني فماذا أوصى الرسول وأهل بيته في هذا الخصوص .

هذا ما دفعنا للقاء بالشيخ خليل العلياوي من النجف الأشرف متحدثا عن التعايش السلمي في القران الكريم والسنة النبوية حيث قال ان "السلم والسلام والتعايش من أعظم ما جاءت به الرسالات السماوية لا سيما رسالة الإسلامي السمحاء حيث تخاطب البشر بخطابين الأول (يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ) والثاني للمسلمين " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً".


Card image cap


وذكر الشيخ العلياوي أن "الشريعة الإسلامية وضعت أسسا ومفاهيم شاملة وكاملة أظهرت من خلالها الحكمة الإلهية في أبهى صورها بحيث اهتمت بالإنسان اهتماماً كبيرا وسخرت له الوجود كي يحيا حياة كريمة لذلك جعلت التعدي على الأرواح والأموال والإعراض من كبائر الذنوب والمحرمات بل لا يُجيز الإسلام إهانة معتقد أي دين أو مذهب، مشيرا الى وجوب ان " لا نُصاد باسم الدين بل لا بد علينا أن نفهم ديننا بشكل صحيح لان ديننا دين الرحمة ودين المحبة والإخاء".



التعايش السلمي عند اهل البيت عليهم السلام

وعلى صعيد متصل تحدث الشيخ خليل العلياوي قائلا ان "سيرة النبي (صلّى الله عليه و آله) كانت مثالا حيا وانعكاسا جليا، لمفاهيم التواصل الإنساني ومبادئه من خلال احترام عقائد الآخرين (لا إكراه في الدين ) والمؤاخاة التي نادى بها الإسلام وهي مثال حي لأسمى معاني التعايش السلمي في الدين الحنيف والذي كان يطبقه الرسول الأعظم ليشمل النصارى واليهود وغيرهم ممن كان يجمعهم المكان والزمان الواحد بل جميع القبائل والطوائف والمذاهب والأديان".

وأشار الى أن "وصية أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر كانت تطبيقا حيا لمنهج رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم حينما أرسله إلى مصر والياً فأوصاه بتلك الوصية المشهورة ( يا مالك لا تكن عليهم سبعاً ضاريا تغتنم أكلهم هؤلاء الخلق صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)".


المرجعية مصداق للعيش بأمان

وكانت ولا زالت المرجعية الدينية العليا متمثلة بأية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله تجسد تعاليم أهل البيت بدقة متناهية وكانت مصداقا ومثالا يحتذى به من خلال نبذ الخلافات ورص الصفوف بين أطياف ومكونات الشعب الواحد

وفي هذا الشأن استطرد الشيخ العلياوي قائلا ان "من نعم الله علينا في هذا الزمان وجود المرجعية الدينية في العراق والجميع يعلم دورها الأبوي الذي شمل جميع الأطياف والمكونات وتعاملت مع الجميع بمسافة واحدة وتحت خيمة واحدة فكانت حينما تتحدث عن السنة تصفهم بأنفسنا وحينما تتحدث عن المكون المسيحي والايزيدي تقول عنهم هم أمانة في أعناقنا وقدمت التضحيات لأجل هذا البلد العزيز وأبرزها مصداقا تلك الفتوى المباركة في الدفاع عن الأرض والعرض، بحيث سالت أنهار من الدماء لتحرير عراقنا الحبيب".

وأضاف أن " الأمر لم يقتصر على ذلك بل كان لها دور واضح في دعم العوائل التي نزحت بعد دخول العصابات التكفيرية لبعض المحافظات بحيث سخرت كل امكانياتها لإغاثة جميع المكونات وبدون استثناء بل أوصلت المساعدات الإنسانية حتى للمناطق التي لازالت في وقتها تحت العصابات التكفيرية وهذا ما يشهد به جميع أهالي تلك المناطق ونأمل من الله ونسأله أن يكون العراق الحبيب دائما رسالة سلام لجميع أحرار العالم ولجميع من ينبض قلبه بحب الإنسانية".

التميمي: للتعايش السلمي انعكاس على الأوضاع الاقتصادية


يشكل المحور الاقتصادي في المجتمعات المتقدمة جانبا كبيرا في عملية الاستقرار الامني والاجتماعي فيما يدفع البشرية للعيش بسلام ومحبة وهذا سوف يكون مدعاة للتطور الاقتصادي والمجتمعي معا في البلدان. 

ونحن في صدد معرفة تفاصيل اوسع حول الواقع الاقتصادي في العراق كان لنا لقاء مع الخبير الاقتصادي الدكتور عباس التميمي الذي قال ان "الأوضاع الاقتصادية السيئة لا يمكن فيها تحقيق النمو وانجاز تنمية معينة في مجال اقتصادي معين دون وجود استقرار مجتمعي و أمن وسلمي وهذا محور رئيسي في معالجة وتحقيق أي نمو اقتصادي و معالجة وجود أي خلل اقتصادي كون هذه الانعكاسات تؤدي الى إفرازات لاحظنا بعضها في جنوب العراق عندما تم التعامل مع بعض الشركات بطريقة غير لائقة وكذلك في الاماكن المناطق الغربية التي تمتاز لفترة معينة بعدم الاستقرار".

Card image cap

وتابع حديثه قائلا ان "للتعايش السلمي انعكاسا على الأوضاع الاقتصادية ولكن ممكن في دول أخرى ولكن في العراق كان خلق مصطنع لتفتيت وحدة الشعب العراقي أولا وتحقيق الخراب الاقتصادي ثانيا والدليل والمؤشرات ببساطة أن الناتج القومي والتضخم ونسب الفائدة وسعر الصرف وغيرها من المؤشرات الاقتصادية التي يتم قياس النمو الاقتصادي على أساسها لم يتحقق منها شيء حتى في المناطق المستقرة بعد عقدين من الزمن".

 وفي الصدد ذاته قال التميمي "مع الاسف اكرر انه هنالك كانت عملية تفكيك للسلم المجتمعي باتجاهين اتجاه قومي ما بين العرب والاكراد واتجاه طائفي مذهبي ما بين العرب انفسهم على اساس التسميات المذهبية في الدين الواحد",

وختم الدكتور عباس التميمي حديثه قائلا "اذا ما جمعنا هذه الاجزاء الثلاثة نلاحظ بالمجمل ان الاوضاع الاقتصادية في العراق لا علاقة لها بالسلم المجتمعي وانما علاقة مباشرة بالقرار السياسي لإدارة الدولة وبالقرار الدولي للولايات المتحدة وحلفائها في العراق الذين قرروا ان يكون العراق بلد متخلف بكل فئاته وبكل طوائفه و قومياته".

 

العودة إلى الأعلى