الطفولة ومخاطر الانترنت ، كيف نحمي أطفالنا؟

عالمُ الطفولة.. حيثُ البراءة والصفاء، ونقاء التخيلات، والأحلام الرائعة، إنَّه ذلك العالم الملكوتي الموشَّح بالغفلة والعفوية واللعب، وأولى محطات الانطلاق إلى الحياة الفسيحة, هم فلذاتُ الأكباد، وريحانةُ الحياة، وزهورُ العمر، وبلسمُ الجروح، أنَّهم كنزُ الإنسانية ومستقبلها، فعلينا أنْ نعمل على إعدادهم إعدادًا مناسبًا يتناسب مع حجم المسؤوليات المستقبلية التي ستُلقى على عاتقهم، كونهم بناةَ المستقبل.

الدكتور إبراهيم صفاء الصائغ اختصاص الطب النفسي تداولنا معه اطرف الحديث عن المخاطر التي يسببها الأنترنت للاطفال وطرق الوقاية منها عبر هذا الحوار:

 ــ ما مدى تأثير الانترنت على الطفل مقارنة بالتلفزيون؟

 ــ للانترنت تأثير سلبي أكثر من التلفزيون؛ بسبب تنوع المواضيع المطروحة وغزارة الأفكار، وكون معظم المبثوث غير متلائم مع عمر الطفل، وقد تمَّ وضعها بالشبكة للفائدة التجارية والإعلامية, وتكون الأفكار المطروحة غير خاضعةٍ للرقابة وتحملُ بعضها طابعا غير إنسانيٍّ أو عنيفاً أو إيحائياً. وكثرةُ وغزارةُ المواضيع في الشبكة يُسببُ حملا فكريا ونفسيا وعاطفيا على الطفل قد لا يتحمله، وبالتالي يُسبب الإجهاد والملل.

 أما التلفزيون فتكون مواضيعه مُنتقاة وأكثر هدوءا ولا تحملُ غزارةً بالمواضيع، كما أنَّ التلفزيون يكون في معظم الأحيان بمشاركة الأبوين على عكس الشبكة التي يستطيع الطفل الدخول فيها والتجول خلالها خِلسةً.

 ــ يرى البعض أنَّ الطفل يكتسب أو يتعلم بعض الأشياء المفيدة عن طريق اللعب مع أقرأنه,  فكيف يتعلّم الطفل اليوم مع غياب الطريقة الكلاسيكية للعب؟ وهل تكفي الألعاب الإلكترونية للتعلّم وتغني عن اللعب مع الأطفال في الواقع؟

 ــ هذا كلامٌ غايةٌ في الدقة والأهمية، فاللعب على الكومبيوتر مثلا يكون وكأن الطفل يلعبُ مع شيءٍ جامدٍ مُعَدٍ مُسبقا ومُبرمجٍ للعب، ولا يعكسُ تعابيرَ بشريةً أو ردودا بريئةً. على خلاف اللعب مع الأطفال الذي يُساعد الطفلَ بدخول تجربةٍ فريدةٍ من حيثُ الاحتكاك جسديا، ومعرفة قابلياته الجسدية، وحدوده الأدبية والأخلاقية باللعب، فإذا تخاصم الطفلان مثلا سيتعلمان أنَّهما يجبُ أنْ يتصالحا ويكونا على علاقةِ صداقةٍ واحترامٍ لبعضهما، هذه العلاقة قد تمتدُّ لعشراتِ السنين وعلى ضوئها ستتحدد وسائل العيش، وتنفيذ الخطط المُلائمة مستقبلا، ويحدثُ كلُّ ذلك من خلال تكوين العلاقات الطبيعية مع سائر الأطفال والتي لا تحدثُ إلا عند اللعب الجسدي الواقعي اليومي.

ــ الأجهزة الإلكترونية المُعَّدة للألعاب مثل (البلي ستيشن) أو غيره ، هل تتساوى من حيث الضرر على الطفل مع ألعاب الإنترنت؟

-        كلا بالطبع، فالجهاز المُخصص للعب فقط، مثل (البلي) يكون ضرره أقل؛ لأنّه يُتيح ألعابا أقل، ومن الممكن أنْ يملَّ منها الطفل بعد فترةٍ قصيرةٍ، أما ألعاب الانترنت فلا حصر لها، وهي تُتيح للطفل تنوعًا، وهذا التنوع هو منبع الخطورة في حال لم تتم المراقبة والتقنين.

ــ كثير من الدراسات والأبحاث رأت أنَّ الإنترنت سببٌ في إظهار أمراضٍ كثيرةٍ كالعزلة؟ فكيف يُمكن مواجهة هذه الأمراض, ومن المسؤول عنها؟

ــ مؤكد أن الإنترنت وسيلةٌ فعّالة لجذب الأنظار وسرقة الوقت، وبإمكان الشخص قضاء ساعاتٍ على النت من دون الإحساس بالوقت، وهذا ما يُسبب له العزلة عن المجتمع والأصدقاء. وبما أنَّ تطور العلاقات والمهارات الاجتماعية متوقفٌ على قضاء أوقاتٍ يومية مع المجتمع وباستمرار، فيمكن علاج العزلة باستئناف الاحتكاك بالمجتمع بشكلٍ يومي.

ــ هناك جوانب سلبية على استخدام الأطفال للأجهزة الذكية, كيف يُمكن مواجهتها وجعلها جوانبَ إيجابيةً للأطفال؟

ــ يتمُّ ذلك عبر تقنين استخدام النت، كاتفاق الوالدين مع الأطفال على البرامج المسموح لهم بمتابعتها، وتحديد الأوقات المسموح لهم للقيام خلالها ذلك.

يتم في مواقع التواصل الاجتماعي تداول مجموعة من المخاطر التي تُصيب الأطفال جرّاء استخدامهم المُفرط للإنترنت، ومنها على سبيل المثال: أولًا: التوحد والتنمر؟

 ــ هذا غيرُ صحيح، فمرض التوحد مرضٌ يكونُ مع الطفل منذ نشأته، ويظهرُ بعد عمر السنتين. نعم، يُسببُ الإنترنت زيادةَ شدة هذا المرض إذا كان موجودًا بالأصل، ولكن لا يسبب المرض نفسه, أما فيما يخص التنمر,فنعم، من الممكن جدًا أنْ يُسبب التنمر، فمواقع التواصل تحمل بتفاصيلها إيماءاتٍ وإيحاءاتٍ بالعنف والتنمر، فيتصوّر المراهق بأنَّ الدنيا كلها أصبحت عنيفة، وأنَّ العنف واستغلال الآخرين أصبح أسلوبَ حياةٍ يومي عليه أنْ يختبره ويجربه ويطبقه.

ــ وما أغلب تلك الأمراضالتي يسببها الانترنت؟ وبماذا تنصحون الآباء؟

ــ نعم، إدمان استخدام النت واردٌ جدا عندما يُترك الطفل من دون رقابة، ومن دون تحديد وقتٍ معينٍ للاستخدام. وهناك عدةُ مشاكلَ تحصل للطفل منها: -

* تعلم التمرُد على الأبوين وعلى الكادر التدريسي.

* فقدان الإحساس بجمال الحياة.

* الابتعاد عن التواصل الاجتماعي.

* الإحساس بالملل.

* التعرض للابتزاز وما يُخلِّفه من صدماتٍ نفسية.

 * الاطلاع على أمورٍ قد تكون غير ملائمة للطفل، وأخرى غيرها.

أخيرًا، كيف يُمكننا حماية أجيالنا الجديدة من خطر الأفكار الشاذة التي تروج لها بعض المواقع الإلكترونية؟

ــ يتم ذلك من خلال الرقابة اللصيقة لاستخدام للنت، ومتابعته وتوجيهه باستمرار وعدم تركه وحيدًا طوال الوقت، وتعليمه مبادئ الاستخدام الصحيح قبل أنْ يستخدمه، وتحديد موعدٍ ووقتٍ للاستخدام، وتحديد الموضوعات المسموح بتصفحها عبر النت، وتربية الطفل منذ الصغر على الصراحة، وعدم الكذب والالتزام بالمبادئ والأخلاقيات العامة.

المرفقات

العودة إلى الأعلى