النموذج الإنساني للمرأة في الرؤية الإسلامية

2024-01-21 10:46:55

زينب عبد الرحيم/ لبنان

ونحن نعيش في رحاب المناسبة الزهرائية فإن ما يبرز من عناوين لا يمكن أن يتعدى الحديث عن المرأة المسلمة في واقعها وفي دورها.

إن مشاركة المرأة في الصراعات بمختلف أشكالها أعطت صورة عن رغبتها في التحرر من الفروض والحدود التي وضعتها الانظمة البائدة، وهذا التحرر لا يتحرك باتجاه الانفلات الأخلاقي والثقافي، فإن هذا الانفلات هو السجن والقيد وليس العكس.

تحرير المرأة في حقيقته يتمثل بإزالة بعض العوائق الاجتماعية أو الفكرية من أمامها لكي تستطيع تحقيق الحضور الأفضل لها في ميادين الجهاد الاجتماعي والثقافي وحتى المهني، باعتبار أن المرأة تمثل نصف المجتمع، ونصف القوة البشرية، فإذا كانت لدينا نظرة خاطئة لدورها، فلا يمكن أن نحقق مفهوم البناء بمعناه الواسع والحقيقي، وإذا أردنا أن نقارن دور المرأة باعتبارها نصف المجتمع مع الأدوار الأخرى، فإننا سنلحظ لها دورا حساسا ومؤثرا في حركة التاريخ الإنساني نحو الرقي والتطور.

 

هموم المرأة وشؤونها

يمكن أن نلخص القضايا المرتبطة بالمرأة في عدد من العناوين، من أهمها:

 

1. حفظ حق المرأة في المشاركة ببناء المجتمع

إن أي دولة أو حركة أو قانون لا بدّ أن يراعي في داخله حقوق جميع أفراده، ومن الواضح أن للمرأة حقوقا وشؤونا خاصة بها، لا بدّ من حفظها وصيانتها من أجل ضمان التطور الطبيعي المجتمع.

إن رأي الإسلام يؤكد أن ساحة النشاط والجهاد العلمي والاقتصادي والسياسي مفتوحة بشكل كامل أمام النساء، وإذا أراد شخص ما أن يحرم المرأة من العمل العلمي أو يمنعها من الجهد الاقتصادي أو أن لا يترك لها نصيبا في العمل الاجتماعي، بناء على الفهم الخاطئ لبعض القيم الإسلامية ، فإنه يخالف المسيرة التاريخية للأديان السماوية في نماذج نسائية عديدة قدمت حضورا كبيرا في المجالات المختلفة.

 

2. حماية المرأة من العنف الاجتماعي والسياسي

تتعرض النساء المسلمات في العديد من الدول إلى الاعتداء والقتل والاعتقال والتعذيب والسجن، وغير ذلك من الحيف الذي يقع عليها بسبب الممارسات السياسية والأمنية للحكومات والأنظمة الجائرة، كما تعاني العديد من النساء من العنف الذي يمارسه المجتمع، في ظل ضعف القوانين أو الاجراءات التي تحمي المرأة، أو في ظل انتشار الثقافات الباطلة التي تسيء معاملة المرأة وتعتبرها بشرا من الدرجة الثانية، ومن هنا يتمثل أحد أهداف الإسلام في الدفاع عن حقوق المرأة، ويقدم القرآن الكريم وكذلك الروايات والنصوص قواعد وقوانين عديدة في هذا المجال.

 

3. حماية المرأة من الاستغلال الجسدي

إن حماية المرأة من محاولات تحويلها إلى سلعة أو وسيلة للإرضاء المادي هي في عمق القضايا التي ترتبط بحقوق المرأة، وعلى عكس ما تحاول أن تروج له الجهات المستفيدة من هذا الاستغلال، في الخلط بين دور المرأة وحقها في المشاركة الاجتماعية، وبين محاولات سلخها من إنسانيتها وعفافها، حيث ينبغي التفريق بين التميّز والتفرّد العلمي والثقافي والاجتماعي والفني والسياسي للمرأة، وبين انحدارها ونزولها إلى مستوى أن تكون وسيلة وأداة للمآرب الفاسدة، في حين نجد أن للمرأة في المنظور الاسلامي أن تشارك في النشاطات بقدر ما تسمح لها قدراتها الجسدية وحاجاتها وضروراتها.

 

4. توعية المرأة من خلال المؤتمرات والفعاليات العامة

إن الفعاليات التي ترتبط بأهم القضايا والشؤون التي تهمّ المسلمين، وأهم ما يدور في العالم، من شأنها أن تزيد من وعي المرأة وتجعلها أكثر قدرة على ممارسة دورها وتحسين مشاركتها في مختلف الشؤون الإنسانية، كما ينبغي التأكيد على أهمية التعليم للمرأة والتدريب ولا سيما في المجالات الاجتماعية وتأسيس الأسرة ورعايتها كونها مهمة مقدسة.

وبهذا نجد ان الإسلام لم يغفل عن توعية المرأة بل وحث على تحصينها بالعلوم المختلفة وبخاصة العلوم الدينية ومن ثم بقية العلوم المرتبطة باحتياجاتها الدنيوية بما لا يتعارض والقيم الأخلاقية والإنسانية.

 

5. رفع الظلم عن المرأة وحمايتها من العنصرية

وفي هذا الشأن نلحظ وبخاصة في الفترة الحالية معاناة المرأة المسلمة خاصة في الدول الغربية من تحديات كبيرة أمام السياسات التمييزية التي تمارسها الحكومات وما تروج له الجهات المعادية للإسلام، مع رغبتها الشديدة في الالتزام الديني، والمحافظة على مظهرها الإسلامي، ولا سيما الحجاب.

فالمرأة المسلمة ممنوعة من خلال بعض القوانين الغربية المجحفة من حقوقها في الالتزام بتعاليم الإسلام وممارسة شعائره، وكذلك من خلال الترويج للإسلاموفوبيا، في ظل دول كبرى تدّعي الحرية واحترام حقوق الانسان.

ومع تعاظم هذه التحديات وشدة الضغوط النفسية التي تسببها، والتي تهدد المرأة في عملها ودراستها وفي مختلف مجالات الحياة، فإن المرأة المسلمة في الغرب سجّلت حقيقة ضرورة تمسّك المسلم بتعاليم دينه، وحريته العقائدية والفكرية.

في الإجمال ينبغي الإقرار أن المرأة تعرضت إلى الكثير من الظلم والألم والمعاناة في الماضي والحاضر، ما يستدعي تهيئة الظروف لكي تساهم في الإصلاح والبناء بشكل أكثر وعيا وفاعلية.

لا بدّ أن تدخل المرأة كشريك في بناء البلدان، بدءا من المشاركة السياسية والاجتماعية العامة، وتسنم مواقع المسؤولية في الوزارات والمؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وأن يكون لها دور نشط في المجالات التعليمية والثقافية والإعلامية.

وهنا لا بد أن نشير إلى المرأة في فلسطين المحتلة، ولا سيما مع ما تمر به من ظروف استثنائية، حيث يمر الشعب الفلسطيني المضطهد بفترات مليئة بالمحن المتنوعة، بدءاً من الإبادة والتدمير والقتل الجماعي، ومرورا بالتهجير والدمار.

إن للمرأة الفلسطينية النصيب الأوفر من كل المعاناة التي مرّت على الشعب الفلسطيني، ولكنها أعطت صورا من الثبات والصبر نادرة على المستوى العالمي، ولعبت دورها في مقاومة الاحتلال ونالت قسطها من القتل والاعتقال والتعذيب، وقد تحولت المجاهدات الفلسطينيات إلى رموز من الشهادة والجهاد على مدى عقود طويلة من الصراع.

 


المرفقات

العودة إلى الأعلى