المرجعية الدينية والعشائر.. العلاقة الوجودية
فضل الشريفي
ان العلاقة بين المرجعية الدينية العليا والعشائر الكريمة ليست كسائر العلاقات الأخرى التي قد تكون ذات طابع فردي محدود أو مؤقت طارئ بل هي علاقة وجودية مصيرية امتدت مع التاريخ ولازمت الحاضر والمستقبل. ولفهم مصيرية هذه العلاقة يستوجب الخوض في عدة محاور.
لماذا الاجتهاد؟
ان الاجتهاد في المنظور الإسلامي أمر بالغ الأهمية وهو من أهم الواجبات لكونه يقوم على خوض المجتهد في مسائل التشريع الإسلامي التفصيلية حتى يصل الى الاجتهاد المأمول والمطلوب وبالتالي قيادة ومساعدة الجموع المسلمة التي لم تتمكن من بلوغ مرحلة الاجتهاد في تنظيم مناحي حياتها التعبدية والمعاملاتية والتربوية والأخلاقية والعرفية والوطنية وذلك بإصدار الفتاوى المستندة الى الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة مما يرسم مساراً سليماً للإنسان المسلم.
لماذا التقليد؟
هذا المحور مرتبط بالمحور الذي سبقه (محور الاجتهاد) لكون الاجتهاد واجباً كفائياً بمعنى أن اجتهاد البعض يكفي عن الجمع إلا انه يستوجب اتباع الجموع للمجتهد فهو أعلم بتفصيلات مسائل التشريع الإسلامي كما قلنا لذا يعود المجتمع الإسلامي في كل تفصيلات حياته الى المرجعية الدينية ومن البديهي ان تكون العشائر التي هي كيان المجتمع بمسيس الحاجة الى من يقدم لها التعاليم والإرشادات الدينية ويرشدها الى القوانين السماوية ولطالما وجدنا الأسئلة والاستفسارات تتوالى على المرجعيات وهو تجيب عليها بأمانة وبأريحية تامة.
لماذا القدوة؟
الفرد والمجتمع كلاهما وفي أي زمان ومكان بحاجة ملحة الى قدوة وهذا الأمر متأصل في الذات الإنسانية لذا تجد المجتمع الإسلامي على امتداد التاريخ لديه قدوات يقتدي ويتأسى بها بدءا من الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)والأئمة الأطهار (عليهم السلام) مروراً بالعلماء المراجع، لذا كان لصوت المرجع السيستاني الأثر البليغ في حل كثير من الاشكالات ومنها إخماد أصوات الفتن التي أرادت تمزيق النسيج المجتمعي بقبائله وعشائره وأطيافه بعد عام 2003 وما تلاها.
لماذا الانصياع؟
ولما كان وجود القدوة لا بد منه كان لا بد من وجود من ينصاع ويطيع ويتبع هذه القدوة وفي هذا المضمار برهنت العشائر العراقية على طاعتها ومن شواهد تلك الطاعة هي تلبيتها لنداء الجهاد في أكثر من محطة تاريخية ولعل قيام العشائر في ثورة العشرين ضد الانكليز امتثالاً لفتوى المرجع محمد تقي الشيرازي من الأمثلة التي شغلت الذاكرة العراقية.
أما استبسال العشائر بشيبها وشبابها سنة 2014 وتقديمهم أرواحهم التواقة للنصر الساعية للشهادة فقد أذهل الجميع إذ تحقق النصر على كيان داعش الذي احتل الأراضي العراقية وعاش الجميع بتضحيات ملبي فتوى الدفاع للمرجع السيستاني (دام ظله الوارف) تحت خيمة الوطن سالمين آمنين.
فلو لم تكن هناك مرجعية يعود إليها المجتمع في مثل هكذا قضايا وجودية ولمن تكن هناك فتوى دفاع أو حصل العكس أن هناك مرجعية ولم يكن هناك التزام وطاعة لهذه المرجعية من قبل العشائر وأبنائها، فكيف سيكون المصير؟
فضل الشريفي