طوفان الأقصى وانعدام الإنسانية
– صباح محسن كاظم
ثمة حروب شهدها التاريخ البشري بين حروب حدود وأخرى حروب وجود ، وتارة حروب مصالح اقتصادية واستعمارية لها دوافع إستراتيجية وأجندات تحركها لغايات ومبررات ودوافع مصلحية،فيما تتمثل الحروب الوطنية الجهادية في الدفاع عن الأوطان حين حصول الاعتداء وتلك هي حروب الوجود .
ولطالما وقفت الإنسانية مع الأبرياء من الأطفال والنساء لمنع جعلهم وقود تلك الحروب التدميرية التي تشنها المافيات والعصابات وتدفع لها الأجندات الإمبريالية لتصريف الأسلحة المليارية .
في الحرب الفلسطينية العادلة والمشروعة والوطنية للتحرير والتخلص من مخططات هرتزل ووعد بلفور إلى تخرصات بن غوريون وغولدمائير وبيغن وكل السفاحين الصهاينة ..وقف الأبطال من ثورة القسام وكل الثورات التي حصلت إلى حرب 48 والنكبة إلى طوفان الأقصى ..كافح ونافح ودافع واستشهد الفلسطيني في سبيل وطنه ..
وهنا لابد من فهم سياسات العدو وعقليته وذهنيته التدميرية من باب إعرف عدوك، ومن أجل فهم وتفكيك وتعريف وتبصير وتذكير المجتمع العربي ّ، والإنسانيّة بما جرى ويجري بفلسطين جاءت مؤلفات المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري عن الصهيونية وجذورها وتاريخ الصراع العربي الصهيوني .. وكذلك كتاب بنو إسرائيل في القرآن والسنة لشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وعشرات الكتب التي نشرت بمركز فلسطين للدراسات.
ومن الدراسات الأكاديمية المميزة مؤلفات المؤرخة الدكتورة ماجدة خليل (( تشكيل العقل الإسرائيلي )) وكتاب (( الفكر اليهودي المغاير )) رسائل أكاديميّة بالماجستير والدكتوراه مميزة بعرضها وتناولت بموضوعاتها بجرأة متناهية على المستوى العربيّ ..
المؤرخة البارعة الدكتورة "ماجدة خليل" تناولت بعلميّة وموضوعيّة قضايا تاريخيّة شائكة ليس من السهل الكتابة عنها بموضوعيّة وتجرد بعد صراع أمتد لأزمنة تركت السياسة الصهيونية البربرية المتوحشة الضحايا من الشهداء الأبرياء بمجازر العنف المشرعن من وعد بلفور 1917 الى لآن وهي تروى أرض الزيتون بالدماء الزكية ، كما بالسجون المقرفة، والوحشية السادية بممارسات الاحتلال غير الإنسانية التي يراها العالم بأسره فيتفرج تارة ويصمت ويغض الطرف عن الدفاع عن حقوق شعب استبيحت مقدساته وأرضه ، وأخرى باحتجاج وتنديد خجول لا يرقى لإعادة الحقوق ومناهضة التهويد ويلوذ بالصمت المطبق لمحاولات حرق وهدم المقدسات والتجاوز على المسجد الأقصى بالقدس أولى القبلتين وثاني الحرمين مسرى الرسول العظيم ، وسياسة قضم الأراضي ،بناء المستوطنات غير الشرعيّة ومحاولة تهويد الأرض ومحو الوجود وعزل سكان الأرض الأصليين.
وقد تم تطبيق سياسة التشريد ثم التهويد بالإرهاب التي طالت القادة داخل والخارج على يد الغدر والمكر اليهودي كذلك جميع الناشطين والصحفيين والصحفيات وفاجعة شيرين أبو عاقلة شاهد دامغ على جرائمهم المروعة الممتدة خلال القرن رغم إدانة العالم بتلك الفاجعة لكن حتى الجنازة والتشييع لم يسلم من قمعهم أي وحشية تحكمهم بلا رأفة ورحمة ومراعاة لحقوق الإنسان !؟.
وقد أكدت المؤلفة بالمقدمة ص7 أن الحركة الصهيونية: ((هي حركة استعمارية عالمية نشأت بين (غير اليهود) أوّلاً ، ثم بين (اليهود ) وليس لها اهتمام بفلسطين فقط ، فالفلسطينيون ،ضحايا هوية سياسية عالمية فريدة من نوعها تستهدف سلب خيرات الدول والشعوب .
وتقوم الصهيونية على افتراض أن اليهود يشكلون شعباً واحداً وإن تعددت لغاتهم وأماكن تواجدهم ،وتضيف أن اليهود كغيرهم من الشعوب يستحقون أن تكون لهم دولة تجمعهم وتقوم على حمايتهم)).
تستطرد المؤلفة بمقدمتها بالتأكيد على أن (.....اسرائيل وراءها تاريخ طويل من العنصرية ، فما نجده في الشعب الإسرائيلي من عنف وإرهاب وامتهان لكرامة الإنسان عن طريق التحقير والإذلال ما هي إلا ترجمة لنصوص دينية وظفها مفكرو الصهيونية وروادها وقادتها لتربية وتشكيل العقل الإسرائيلي الذي له سماته وهويته المختلفة عن بقية الشعوب .).
وتحدد الدكتورة ماجدة خليل في الفصل الأول مابين اليهودية والصهيونية –مفاهيم وحدود – للتفريق بين اليهودية كديانة والصهيونية حركة سياسية كما ورد في ص 11 (( اليهودية حسبما يذكر اليهود هي ديانة تقوم على جملة أصول هي : عقيدة توحيد الله ،وعقيدة الاختيار الإلهي لبني إسرائيل بأنهم شعب الله المختار وأبناؤه وأحباؤه ، وعقيدة توريث الأرض المقدسة فلسطين لإبراهيم عليه السلام ونسله من بني إسرائيل ، وعقيدة المخلص المنتظر أو المسيا أو الماشيح كما يسمونه ....) و( كانت كلمة يهودي تشير إلى العبرانيين القدامى ثم استخدمت الكلمة للإشارة إلى اليهود الحاخاميين والقرائين والسامريين ويهود الصين وأثيوبيا ....). وكل أحلامهم وتوسعاتهم ومصادرة حقوق الشعب الفلسطيني يحيلونها للعهد القديم ثم التلمود لينطلقوا لتجميعهم من الشتات إلى أرض الزيتون .
إن فهم العدو الإسرائيلي يعني معرفة طبيعة الفكر الصهيوني التوسعي التدميري الذي لمسه العالم أجمع بحرب غزة بعد هزيمته أمام كتائب القسام بعد استخدام الخطط التي فشلت مخابراته وأسلحته عن الوقوف والصمود فأسر العشرات من جنوده وشرطته و من المستوطنين الذين يحملون السلاح ضد المقاومة ..
إن لجوء الصهاينة لتدمير غزة فعل إجرامي بشع بعد سقوط ٢٢ ألف شهيد وأكثر من ٦٠ ألفا من الجرحى من الأطفال والتعمد بقتل أكثر من ١١٠ صحفياً بفلسطين ولبنان من الرجال والنساء ..والتصعيد بالحرق والتدمير دلالة العقل الصهيوني المدمر الذي تمثل بقطع المياه والكهرباء كجريمة بحق شعبنا بغزة.
وقد وقف أبطال لبنان والحوثيون فقط معهم أما الصمت الدولي الذي لم يكن موقفا بالمستوى المطلوب لإرغام الأمم المتحدة على فتح معبر رفح كما في السابق إذ كانت تصل به ما يقارب ٥٠٠ شاحنة يومياً أما الآن فإن العدد محدود لا يلبي مستلزمات الحياة بهذه الحرب الشرسة القاسية خلال ٣ أشهر بعد دخولنا عام ٢0٢٤ كفى كفى كفى كفى للحرب يا صهاينة وإن بناء غزة و إيصال المساعدات الفورية هو ما يتوجب بهذا العام الجديد.