الفقيه المحقق والأصولي المدقق آية الله المقدّس الشيخ حسين الحلي(قدس) ( 1309 هـ - 1394 هـ )
اعداد: حسين السلامي
هو الشيخ حسين بن علي بن حسين بن حمود بن حسن الحلِّي النجفي، ولد عام 1309 هـ بمدينة النجف الأشرف من أبَوَين كريمَين، ونشأ تحت رعاية والده الشيخ علي المتوفى سنة 1344هـ،وأخذ دروسه الأولية عند والده وفضلاء عصره.
دراسته :
أخذ يحضر دروس المقدمات والسطح على فضلاء النجف الأشرف حتى انتهى بدراسة البحث الخارج لدى أبرز علماء عصره، وأكثر من لازمهم واستفاد منهم:
1-آية الله العظمى الشيخ ضياء الدين العراقي قدس سره.
2-آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره.
آية الله العظمى الشيخ محمّد حسين النائيني قدس سره.
ونبغ نبوغاً باهراً ظاهراً، وتميَّز بين أقرانه بالغاً المراتب العليا في العلم وعُرف بدقة النظر والتحقيق والتبحر.
مكانته العلمية :
كان من نوابغ عصره، ومن الذين تميَّزوا بالتحقيق والتدقيق، وكان ذا إطلاع واسع بالعلوم الدينية، وكان فقيهاً متبحّراً، له إحاطة واسعة بالفروع الفقهية، وأصولي محقّق له نظريات وتأسيسات راقية، وهو من المتضلِّعين في التاريخ واللغة والأدب .
تدريسه وتلامذته :
نظراً لمكانته العلمية وشهرته في الحوزة العلمية فقد التف حوله ثلة من أفاضل الطلبة المشتغلين والمتميزين والنابهين، فكانوا يستفيدون من علمه الغزير، ويستقون من مَعين فضله الكبير، وأصبحوا فيما بعد من المراجع والمجتهدين والعلماء والمحققين، نذكر منهم:
آية الله السيد يوسف الحكيم، آية الله الشيخ محمد تقي الجواهري، آية الله السيّد علي السيستاني، آية الله السيّد محمّد سعيد الحكيم، آية الله السيد تقي القمي، آية الله الميرزا علي الغروي التبريزي، آية الله الشيخ مرتضى البروجردي، آية الله السيد محمّد تقي الحكيم، آية الله السيد علاء الدين بحر العلوم، آية الله الشيخ قربان علي المحقق الكابلي، آية الله السيد محمد مهدي الخلخالي، آية الله السيد هاشم الحسيني الطهراني (صاحب شرح التجريد)، الحجة السيد عبدالرزاق المقرم وغيرهم.
كما كان مجلسه العلمي مقصداً للعلماء والفضلاء حيث تطرح المسائل الفقهية والعلمية والأدبية والمواضيع التاريخية، يقول المرجع السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله: إن استفادتي من مجالسة الشيخ الحلي أكثر من استفادتي من حضوري في درسه، من دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية درسه، وانما لبيان مدى الفائدة في تلك المداولات العلمية المستمرة مع الشيخ الحلي.
أقوال ونظر العلماء فيه :
1-نقل آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله عن آية الله الشيخ علي النائيني أن والده المحقق النائيني كان يرى الشيخ حسين الحلي أفضل تلامذته.(مقدمة أصول الفقه).
ونقل عن الميرزا النائيني أيضاً أنه يقول عن الشيخ حسين الحلي:
(ما من مسألة تطرح حتى يكتب عنها رسالة مشتملة على التحقيق والتدقيق ونقل كافة الأقوال فيها)
وقد جاء في إجازة الاجتهاد التي منحها إياه أستاذه المحقق الميرزا النائيني رحمه الله:
(وممن جد في الطلب والعمل به هو قرة عيني العالم العامل العلام والفاضل الكامل الهمام صفوة المجتهدين العظام وعماد الأعلام وركن الإسلام المؤيد المسدد والتقي الزكي جناب الآغا الشيخ حسين النجفي الحلي كثّر الله تعالى في أهل العلم أمثاله وبلّغه في الدارين آماله فلقد بذل في هذا السبيل برهة من عمره، واشتغل به شطراً من دهره، وقد حضر أبحاثي الفقهية والاصولية باحثاً فاحصاً مجتهداً، باذلاً جهده في كتابة ما استفاده وضبطه وتنقيحه، فأصبح وبحمد الله تعالى من المجتهدين العظام والأفاضل الأعلام، وحق له العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين المجتهدين الأعلام، فليحمد الله تعالى على ما أولاه، وليشكره على ما أنعمه به وحباه، فلقد كثر الطالبون وقلَّ الواصلون وعند الصباح يحمد القوم السرى وينجلي عنهم غلالات الكرى...)
2-ينقل آية الله السيد حسين الشمس الخراساني -دام ظله- أن أحد الطلاب في مشهد أراد الهجرة إلى النجف الأشرف فاستشار المرجع الكبير آية الله العظمى السيد الميلاني قدس سره عن حضوره عند أساتذة النجف الأشرف، فما أشار عليه إلا باثنين وهما السيد الخوئي والشيخ حسين الحلي.
3ـ قال الحجة المتتبع الشيخ آغا بزرك الطهراني: وقد عرف بالتحقيق، والتبحُّر، والتُّقى، والعِفَّة، وشرف النفس، وحُسن الأخلاق، وكثرة التواضع، كما إنّه من الذين يخدمون العلم للعلم، ولم يطلب الرياسة، ولم يتهالك في سبيل الدنيا، وهو من أجل ذلك محبوب مقدَّر بين الجميع.
4- قال الشيخ جعفر محبوبة: كان من رجال العلم البارزين، ومن أهل الفضل السابقين، مرغوب في التدريس، التفّ حوله ثُلّة من طلّاب العلم الساهرين على تحصيل ما يستفيدون من علمه، ويستقون من معين فضله.
صفاته وأخلاقه : نذكر منها ما يلي :
كان متواضعاً إلى أبعد الحدود، وبسيطاً بكل معنى البساطة، فقد كان متواضعاً في مسكنه، وملبسه، ومأكله، ومَشْيَتِه، فكان يملك بيت متواضع يسكن فيه هو وعائلته، وكان لا يحبّ المَظاهر بكافّة أشكالها، لذلك تجده لا يعتني بمظهره، ولا يهتم بقيافته.
كما كان زاهداً بكل ما للزهد من معنى، وكريماً رغم إمكانياته المحدودة، فكان لا يجد للمال قِيمة، إلاّ أن يواسي به الفقراء والمساكين والمحتاجين، وكان مصداقاً لقوله تعالى: ( وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) الحشر : 9 .
وكذلك كان مثالاً يُحتذى به في الورع والصلاح، وأسوَة طيِّبة في الهداية والاقتداء، وكان من شِدَّة ورعه واحتياطه أنّه لم يتصدَّ للزعامة الدينية التي كانت تتوجَّه إليه، فكان يتهرَّب منها، وكم من مرّة دفعها عن نفسه، وَثَنَى طرفه عنها.
وإلى جانب مقامه العلمي العالي فيما يرتبط بالفقه والأصول كان أيضاً أديباً ممتازاً، وقد مارس الأدب في شبابه بُرهةً من الزمن، وربما تعاطَى الشعر بين أقرانه، وكانت مدينة النجف الأشرف في عهد شبابه كسوق عكّاظ، فيها العشرات من النوادي الأدبية، يحضرها أعلام الأدب وكبار الشعراء، وكان الشيخ الحلّي يحضر تلك المجالس، ويتخذها وسيلة لترويض الروح، وللتعبير عن خواطره وخوالجه .
مؤلفاته:
له من المخطوطات: تقريرات بحث أساتذته النائيني والعراقي والسيد الأصفهاني، تعليقة على كتاب المكاسب، رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات، رسالة في إلحاق ولد الشبهة بالزواج الدائم، رسالة في حكم بيع جلد الضب، الأوضاع اللفظية وأقسامها، شرح لكتاب كفاية الأصول، وغيرها.
وطبع له:
-بحوث فقهية في المسائل المستحدثة وهي تقريرات درسه بقلم آية الله الشهيد السيد عز الدين بحر العلوم.
-دليل العروة الوثقى بقلم آية الله الشيخ حسن سعيد الطهراني في مجلدين.
وهذان الكتابان قد طُبعا في حياته، ومما طُبع مؤخراً:
-الخيارات بقلم آية الله السيد محمد حسين الطهراني في مجلد واحد.
-الاجتهاد والتقليد (من البحث الأصولي لا الفقهي) بقلم آية الله السيد محمد حسين الطهراني في مجلد واحد.
كما نشرت له مجلة دراسات علمية رسالة حرمة قتل الحيوان أو حليته، ورسالة في قصد معاني ما يُقرأ في الصلاة.
-أصول الفقه، ويقع في اثني عشر مجلداً، والكتاب عبارة عن كتابة ثلاث دورات أصولية كان يلقيها الشيخ الحلي وقد استغرقت كل واحدة تسع سنوات، وقد كان محور بحثه في قسم مباحث الألفاظ كتاب أجود التقريرات وهو تقرير بحوث الميرزا النائيني بقلم السيد الخوئي، وقد كان الشيخ الحلي يذكر تعليقات وإشكالات السيد الخوئي الموجودة في الهامش ويناقشها، وهذا القسم استوعب خمس مجلدات من كتابه أصول الفقه.
أما القسم الثاني وهو ما يعرف بالأصول العملية فقد كان محوره كتاب فوائد الأصول الذي هو أيضاً تقرير لبحث الميرزا النائيني بقلم الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني ويُشكل هذا القسم سبع مجلدات من كتاب أصول الفقه.
والملفت للنظر هو أن الشيخ الحلي عند مناقشته لتعاليق السيد الخوئي كثيراً ما كان يخطؤه في فهمه لمراد الشيخ النائيني بل في عرضه للمطلب، وكأن الكتاب أتى ليغير فهم مباني مدرسة النائيني التي نشرها السيد الخوئي وشيّد أركانها وخرّج الكثير من المجتهدين المنتمين إليها.
كذلك فإنه يقارن بين ما كتبه السيد الخوئي وما كتبه الشيخ الكاظمي وبين ما كتبه وحرره هو بل و يستعين بما كتبه غيره من تلامذة المحقق النائيني الكبار، فقد كان يحتفظ بتقريرات آية الله العظمى السيد جمال الدين الكلبيكاني والذي يُعد من طلاب الدورة الأولى للميرزا النائيني ويقارن ويتأمل في كل ذلك كي يصل إلى مركز البحث ويكشف مراد أستاذه النائيني على أتمّ وجه وأظهر صورة، ولا يخفى على أهل الفضل ما لهذا الأمر من أهمية كبيرة.
وقد طُبع هذا الكتاب بتوجيه من سماحة السيد السيستاني دام ظله.
وفاته :
توفّي الشيخ الحلّي قدس سره في الرابع من شوّال 1394 هـ بمدينة النجف الأشرف، وصلى عليه زعيم الحوزة العلمية سماحة آية الله العظمى السيد الخوئي، ودفن قدس سره بمقبرة أستاذه الشيخ النائيني بالصحن الحيدري الشريف للإمام علي ( عليه السلام ) .
مجلة الروضة الحسينية/ العدد 103