الاسلام نظام عالمي وشريعة كونية

كاتب : يحيى الفتلاوي 2023-06-26 10:02

 

• تحقيق: عماد بعو 

• تحرير: فضل الشريفي

مهما تقدمت النظم والقوانين والتشريعات البشرية لن تبلغ مرحلة الكمال، لأننا بشر مجبولون على الخطأ، بينما الشريعة السماوية مقدسة ومنزهة من كل خطأ وتقصير كونها صادرة من الله (جل وعلا).

لكن التقصير او القصور في فهم الشريعة السماوية وتطبيقها جعل البعض لا يميز بين الدين السماوي كدين مقدس وبين تصرفات وسلوكيات البشر الذين يرومون تطبيق هذا الدين، الإسلام خاتم الأديان وأكملها تعرض الى هذه الاشكالية.

 مجلة (الروضة الحسينية) بحثت الموضوع مع جملة من الاساتذة والمتخصصين أملاً في المساهمة بحل هذه الاشكالية التي جعلت هذا الدين العظيم في مرمى الاتهامات.

جذور التعايش السلمي ممتدة في  كل الديانات السماوية

الدكتور ضرغام كريم كاظم /جامعة كربلاء ، تحدث عن التعايش السلمي في الإسلام قائلا" الإسلام هو خاتم الأديان و قد جاء بشريعة سمحة كما هو واضح في الكثير من النصوص القرآنية الكريمة، والقرآن الكريم يحكي ويبن ما جاء به الإسلام من تعاليم ووصايا وتشريعات تؤكد على مسألة التعايش السلمي التي هي من مبتنيات الفكر الإسلامي، ولكن هناك قراءات خاطئة وقراءات بعيدة عن مذهب أهل البيت (عليهم السلام)وعن جوهر الإسلام تسببت في ظهور التطرف الديني خاصة عند بعض المذاهب كالسلفية".

وبين" ان مسألة التعايش السلمي واضحة وجلية في سيرة حياة النبي الاكرم لاسيما في تعامله مع اهل الكتاب و المشركين، و كان النبي يتعامل معهم وفق تعاليم  الديانات السماوية، ونلاحظ ان صلح الحديبية وغيره من الامور تبين مدى التعايش السلمي حتى ان النبي الاكرم(صلى الله عليه وآله) يؤكد في غزواته وحروبه على السلم وعدم التعرض الى البيئة والأطفال والمسنين والحيوانات، ويوصي بعدم ملاحقة الفار من الجيش ومطاردته، والتعايش السلمي له جذور ممتدة في كل الديانات السماوية وليس فقط في الدين الإسلامي".

وأوضح أن" هناك فارقا بين الإسلام المحمدي والإسلام المبتدع الذي بدأت معالمه تظهر على يد الدولة الأموية وعلى العاقل ان يميز بين الإسلام المحمدي -إسلام الرحمة والتعايش والإسلام الاموي المغشوش- الذي ابتدع فيه الأمويون فتاوى تتماشى مع مصالحهم وشهواتهم حتى ان قضية توثيق التاريخ تمت بأقلام الأمويين، وهم  أول من بدأ تدوين التاريخ الإسلامي لذلك لم يسلم التاريخ من التزوير والتشويه".

ونوه الى وجوب" ان نفرق  بين الدين الإسلامي والقانون الوضعي فالقانون الوضعي هو من وضع البشر، وينبغي التفريق بين الدين وفهم الدين فالدين الإسلامي ليس فيه خطأ اما فهم الدين فهو خاضع للخطأ، والقانون الوضعي عبارة عن قوانين جمعت من خلال تجارب بشرية ليست متكاملة ودقيقة  اما الشريعة السماوية فهي شريعة كاملة تهدف الى تنظيم حياة البشر وتميز بين المصالح والمفاسد بينما القانون الوضعي ليس بهذا المستوى فهو قانون يخضع للتلاعب وهوى النفس".

وأضاف  " ان تعزيز التعايش السلمي في المجتمع ونبذ التطرف يتطلب توافر مجموعة من العوامل ومنها: ان تكون هناك حكومة قوية قادرة على توفير الأمن والأمان للمواطن، وان يكون دور المنبر الديني دورا ايجابيا اي ان يتوحد الخطاب على المستوين الشيعي والسني، بالإضافة الى ضرورة  قيام وسائل الإعلام بالدور التوعوي من خلال برامجها المختلفة، ناهيك عن ضرورة التأكيد على التعايش السلمي في المناهج التربوية لما في ذلك من تأثير ايجابي على شخصية الفرد وتكوينه".

الحرب على الإسلام ممنهجة وممولة من جهات خارجية

 الدكتور غالب الدعمي/ قسم الصحافة في جامعة أهل البيت (عليهم السلام)، ، تحدث عن الحركات الساعية لتشويه صورة الإسلام قائلا" الحركات المتطرفة الحالية التي جاءت باسم الإسلام اثرت تأثيرا كبيرا  على سمعة وصورة هذا الدين العظيم، وأنا بتقديري هذا مقصود وبتدبير من قبل المنظمات المتطرفة مثل جبهة النصرة وداعش وغيرها، ولو بحثنا في جذوره هذه المنظمات نجد انها  تتبع اجندة هدفها الاساس تشويه صورة الإسلام".

وألمح" كانت رغبة اعتناق الدين الإسلامي  في اوروبا ما بين عامي 1997- 1998 متزايدة بسبب الجهود التي بذلها دعاة اسلاميون للتعريف بكنه الإسلام، وقد أشرت حالات كثيرة تخص شخصيات اوروبية بارزة جدا بدأت تتأثر بالإسلام وتعتنقه ألا ان الغرب بدأ يخشى من انتشار الإسلام واندثار المسيحية فقام بإنشاء الحركات المتطرفة التي تدعي الانتماء الى الإسلام، وهي تمارس القتل والارهاب، وبذلك أصبح الإسلام يتعرض الى التشويه، و كما يعلم كل منصف انه دين عظيم قائم على الرحمة و المودة".

وأوضح الدكتور الدعمي "ان أول من دعا الى فصل الدين عن السياسة هم الامويون وهم اعداء الإسلام في حين ان الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله)كان سياسيا وقائد امة ورجل دين في الوقت ذاته، وكذلك خليفته الإمام علي (عليه السلام) كان رجل سياسة ورجل دين، ومن  يدعو الى  فصل السياسة عن الدين لا يفهم الإسلام، ولكن ينبغي تطبيق القوانين والتشريعات الإسلامية بشكل فعلي لا كما يفعل البعض اليوم ممن يرفعون شعار الإسلام ولا يطبقون فحواه، إذ نلاحظ بعض القيادات السياسية في العراق ظاهرا تنتمي الى الإسلام وفي الحقيقة  هي بعيدة عن جوهره، ولو التزم الساسة وأصحاب القرار اليوم  بتطبيق التعاليم الإسلامية واستلهام توجيهات المرجعية الكريمة لأزدهر البلد وتقدم كثيرا،  وأرى ان الدين لا يمكن فصله عن السياسة، والدليل اننا  نلاحظ ان في خطب الجمعة المباركة خطبة دينية وأخرى سياسية تمثل توجيهات المرجعيات الكريمة".

الدستور العراقي دعا الى تكريس التعايش السلمي ونبذ الإرهاب

الباحث الاستاذ سامر مؤيد عبد اللطيف، تحدث عن تناول الدستور العراقي لمبدأ التعايش السلمي قائلا"  عندما نتكلم عن التعايش بين الأديان او  بين القوميات والأعراق نجد الدستور بوصفه مرجعا للتشريع يكرس مبدأ التعايش السلمي، ونبذ العدوان ونبذ كل ما له علاقة  بالسياسات العنصرية والإرهاب، كون الارهاب يمثل صورة متطورة من صور التطرف والعنف، وعند مراجعة نصوص متن الدستور العراقي  نجد  مثلا المادة (7) تحظر اقامة او قيام كيان على العنصرية والإرهاب والتطرف، وليس فقط حظر وقيام مثل هذا الكيان بل حظر كل كيان يمجد ويبرر او يمهد لمسألة اقامة مثل هكذا كيان يشجع على الإرهاب والتطرف".

وتابع الباحث" ان الدستور أكد على مبدأ التعايش في اكثر من موضع  فخذ مثلا المادة(37)، وهي ضمن باب الحقوق والحريات، ضمن  فصل الحريات، وهذه المادة توجب على الدولة ابتداء حماية حرية الافراد وكرامتهم الإنسانية، وإتاحة هذه الحرية يعتبر طريقا مؤديا الى التعايش السلمي حيث ان الافراد عندما يجدون سبيل للنقاش والحوار سينبذون سياسة العنف والتطرف ومن ثم الإرهاب، كما ان هناك مادة دستورية تنص على ان الدولة تعمل على محاربة او منع كل وسائل الكراهة الفكرية كون الكراهة الفكرية وسيلة او صورة اخرى من صور التعارض مع التعايش  السلمي".

وأضاف" ان الإسلام شكل مصدرا اساسيا للتشريعات الدستورية التي تبين أهمية التعايش السلمي، وفي الدستور العراقي تنص  المادة (2) على عدم تشريع اي قانون يخالف ثوابت الإسلام، ومن هذه الثوابت (الحوار والتعايش)إذ يقول الله (تعالى) في محكم كتابه الكريم (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ), وفي آية أخرى  يقول (سبحانه وتعالى) (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم) ان الله (تعالى)اوجد مساحة واسعة في القرآن الكريم للتعايش السلمي، كما كفل القرآن الكريم حقوق المخالفين وقد  ورد ذلك في سورة الكافرون (لكم دينكم ولي دين)، وهنا يدعو القرآن الكريم الى حفظ حقوق الذميين".

على المسلم ان يحافظ على جوهر الإسلام

الشيخ عباس حسن من لبنان،  تحدث عن المبادئ السامية لهذا الدين الحنيف قائلا" ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) عندما جاء بدين الإسلام واجه أمة الكفر والشرك في مكة، ولم يأبه بعديدهم وعدتهم بل توكل على الله (عز وجل)، وكان شخصا منفردا مستعينا بالله (تعالى) رغم الحصار المفروض عليه،  وخرج بعد ذلك الى المدينة وأقام فيها دولة الإسلام، وهنا ايضا وقف المشركون وبعض قبائل اليهود بوجه النبي  بينما النبي تعامل بهم بالرحمة والرأفة".

وتابع" أود ان أشير الى أننا اتباع أهل البيت (عليهم السلام) ننتمي الى مدرسة رسول الله، مدرسة الرحمة والأخوة الإيمانية، ولعل الأخوة الإيمانية هي اوثق عرى الأخوة، والإسلام الحنيف جمع تحت مظلته بلال الحبشي وصهيب الرومي وسلمان الفارسي فكل واحد من هؤلاء من بيئة معينة ومن بلاد معينة لكن الذي جمعهم هو الإسلام الكريم".

وبين الشيخ عباس" نحن لا نستغرب من ان عدونا يحاربنا  تحت عناوين غريبة أحدها انه  يحاربنا من الداخل ويوظف الاموال والإعلام في سبيل تشويه  صورة الإسلام، ومثل هذا الاسلوب حصل في زمن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهم قد تصدوا لهذه العقائد المنحرفة، وقد كانوا (عليهم السلام) يقيمون المجالس والندوات ليصوبوا مصير الإسلام، وكل إمام كان له دوره،  وكثيرا  ما خاض الإمام الصادق (عليه السلام) في المسائل الكلامية وتحدى فيها خصوم الإسلام".

وأوضح" ان دورنا كأفراد هو المحافظة على جوهر الإسلام، وذلك يتجلى من خلال سلوكنا وتصرفاتنا وأخلاقنا وتعاملنا مع المسلم وغير المسلم  ومع فئات المجتمع الأخرى، وفي اي بقعة من بقاع الارض كنا، وعلى كل مسلم  ان يكون صوتا للحق، وعلى وسائل الإعلام بتفرعاتها ان تأخذ دورها وان تشق طريقها في التعريف بحقيقة الإسلام، وكذلك المغتربين من المسلمين في البلدان الاجنبية عليهم مسؤولية تمثيل الإسلام تمثيلا حقيقيا يظهر من خلاله رحمة الإسلام وسماحته".

وختم الشيخ عباس" ان الثقافة التكفيرية تشكل عبئا على المسلم في الغرب وفي داخل البلدان الإسلامية، ولعل في بعض البلدان يخفي المسلم هويته لان الارهابيين شوهوا صورة الإسلام، ولابد من الاشارة الى ان الخطر الذي يهددنا هو خطر ثقافي فكري قائم على غسل الادمغة وهو يسعى الى إقامة جيل جديد ينظر الى الإسلام على انه دين دم وقتل ومن يقوم بهذه المهمة الخسيسة هم جماعات مأجورة ومدفوعة من الخارج".

المصدر: مجلة الروضة الحسينية / العدد96 / بتصرف

العودة إلى الأعلى