النقد البنّاء... تقييم لتصحيح المسار

2021-12-21 10:52

إعداد: محمود المسعودي

أن عملية تقديم آراء صحيحة واقعية عن عمل الآخرين، قد تنطوي عادة على تعليقات إيجابية وسلبية ولكن بطريقة ودية وليس بطريقة فيها عناد تسمى (النقد البناء) والذي يتميز بعناصر وأهداف وشروط وأوقات معينة من شأنها أن تؤدي الى التطوير والارتقاء.

يتحدث الشيخ حسن الصفار عن النقد البناء بقوله: نحن تربينا في مجتمعاتنا على أن تكون نفوسنا شفافة لا تتحمل النقد ونعتبره إهانة، وهذا خطأ فهو تقويم وتصحيح وهداية وإرشاد لأن الإنسان إما أنه لا يبصر الخطأ، أو لأن هناك عوامل وأسباباً تحول دون معرفته به فنصيحة الآخرين تساعده على تجاوز هذه الحالة.

وأضاف الصفار: روي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «رحم الله من أهدى لي عيوبي» فهو  يريد أن ينبهنا إلى أهمية تقبل النصح والنقد، وأن لا نغتر بأنفسنا ونرى أنفسنا معصومين من الخطأ، فحتى من هو في موقع الخلافة والحكم يعترف بالخطأ فموقفه لا يجعله فوق النقد, أما إذا كان لا يقبل النصيحة كما يقول القرآن الكريم: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾ ، ففي بعض الحالات لا يرتاح الإنسان إذا نقده الآخرون فهو يريد دائماً أن يمدحوه، أما إذا بينوا له عيوبه وأخطاءه فهو يعتبر ذلك خدشاً لكبريائه وجرحاً لهيبته وشخصيته، وهذا هو مكمن الخطأ والتخلف.

النقد البناء في القران الكريم

هناك الكثير من الامثلة ذكرت في آيات القرآن الكريم عن النقد وكيفية التعامل معه ففي قوله تعالى على لسان نبيّه إبراهيم الخليل(عليه السلام) (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)( سورة الشعراء: الآية 71 ـ 74) حيث ينتقد نبي الله إبراهيم (عليه السلام) قومه على عبادتهم الأصنام من دون الله تعالى ولكن بطريقة إيجابية تهدف إلى تصحيح مسار عبادتهم وكذلك في قوله تعالى مخاطبا المسلمين في بعض ممارساتهم الخاطئة مع النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بـــِالْقَوْلِ كَجَهْــــرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكـــمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ... ) سورة الحجرات: الآية 2.

عناصر النقد البناء

يقول سماحة السيد منير الخباز: عندما ندعو للنقد ونشجع النقد فإننا ندعو للنقد البناء، والذي يعتمد على عناصر وركائز ضرورة ومنها:

1ـ الكفاءة: فالناقد يجب أن يكون ذا كفاءة علمية حتى يكون قادرًا على النقد وإلا كانت مفسدة النقد أكثر من مصلحته والقرآن يركز على الكفاءة ويقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ﴾ , ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾..

2ـ الاستقامة:  لأن الناس دائما تلاحظ الخط، ما هو دربك؟ هل هو مستقيم أم لا؟ أنت تخرج وتنتقد والناس تقرأ سيرتك هل هي سيرة مستقيمة أم لا، إذا كان الناقد مستقيم السيرة أثَّر نقده، وأما إذا كان الناقد غير نزيه وغير مستقيم لم يكن لنقده أثر ولا لكلامه أثر, ولنلاحظ القرآن الكريم عندما يقول: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ليس فقط دعا إلى الله بل وعمل صالحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ فالاستقامة عنصر مهم في فاعلية النقد وفي تأثيره.

3ـ ألا يتحول النقد إلى مرض: ولدينا بعض الفئات الاجتماعية لديها مرض اسمه مرض النقد، وهناك أشخاص ينتقدون كل شي، ويورون كل ما حولهم خطأ، وهذه الفئة التي تَحول النقد عندها إلى مرض أو تَحول النقد عندها إلى هواية لا تستحسن شيئا ولا يعجبها شيء وهذه الفئة تقتل المجتمع وتقتل المشاريع الاجتماعية والإبداع الاجتماعي والمواهب المتفتحة والملكات المتوقدة.

4ـ أدب النقد: يحتاج النقد إلى أدب وإلى أسلوب حسن، يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

أهداف النقد البناء

ولكي يكون نقدنا لممارسات وأداء أو آراء وأفكار الآخرين نقداً سليماً بناءً فيجب أن يكون نقدنا ضمن أهدافٍ محددةٍ تحت رضا الله تعالى وتخدم المجتمع الإسلامي, وقد اكدت دراسات متخصصة على ان النقد البناء ينبغي أن يكون له اهداف واضحة المعالم، ومن أبرز هذه الأهداف هي:

 1- الإصلاح الفكري والسلوكي للشخصية أو المجتمع أو المؤسسة والجهة المنتقدة.

 2- التمييز بين الحق والباطل، وبين الاستقامة والانحراف.

 3- تخليص السلوك أو الفكر من الشوائب والنواقص.

 4- قوة الصف وتماسكه وليس تمزيقه أو تفتيته أو تشويهه.

5- هداية وإرشاد الآخرين والمحافظة عليهم.

العودة إلى الأعلى