صورة المسلم في الغرب.. جحيم العزلة أم رعب الذوبان؟
• تحقيق:فيصل غازي - ميثم الحسناوي
• تحرير: صباح الطالقاني
يتبع الإعلام في الغرب منظومة فكرية شديدة التعقيد، وهي وثيقة الارتباط بالفكر السياسي والأيدلوجي المسيطر على عقول صانعي القرار هناك، وأن العداء للإسلام ولكل ما هو إسلامي أصبح حاجة ملحة ومطلبا أصيلا عند بعض قادة الغرب المتطرفين ورجالات دينهم الذين أصبح لديهم ما يدعى بالاسلام فوبيا، وهو الصنم الذي صنعوه ومن ثم طافوا حوله ليرعبوا أنفسهم والعالم منه، هذا لإيمانهم الشديد بحتمية الصراع لضمان الوجود، فهم يؤمنون أن حضاراتهم ودولهم لا بقاء لها إلا بوجود صراع -وإن كان وهميا- بينهم وبين الآخر، ولا آخر عندهم يهدد موروثاتهم الدينية والخلقية والثقافية إلا الإسلام. خاصة وأنهم صنعوا من التطرف الذي تنتهجه بعض طوائف الإسلام الضالّة، عنوانا عاما لهذا الدين الذي يقوم أساسا على السلم والخير والعدل والتسامح..
في هذه الجولة نذهب بعيدا بين ثنايا جالياتنا في بعض عواصم الغرب لاستقصاء أحوالهم، وطريقة تعاملهم مع التحديات التي أوجدها العنف والإرهاب المنطلِق من أساسيات التطرف والتشدد الوهابي والسلفي المقيت.
المسلمون في لندن .. ونظرة بقية الديانات إليهم
مقداد الجوراني، يسكن في لندن ويعمل كاسبا قال إن" الذين تعايشوا مع المسلمين في الغرب من الديانات الأخرى وعرفوا صورة المسلم الحقيقية تولدت لديهم انطباعات معينة حول المسلمين، من محورين، محور البسطاء الذين يعتمدون على المعلومات التي يحصلون عليها من الإعلام الغربي الذي بدوره يعطي الصورة الخاطئة عن الإسلام والمسلمين، بسبب أن من يسيطر على وسائل الإعلام هم (اليهود) حيث يحاولون توصيف كل مسلم على أنه إرهابي يمكن أن يفجر نفسه ويقتل الأبرياء في أي مكان وزمان".
أضاف الجوراني" والمحور الآخر هو طبقة المثقفين في الغرب من غير المسلمين وهؤلاء لهم رأي آخر حيث أن نظرتهم للإسلام والمسلمين تختلف جذرياً عن البسطاء وخاصة المحتكين منهم مع المسلمين، والكثير منهم أعلن إسلامه بعد معرفتهم المفصلة بالإسلام والمسلمين، وعليه أصبح في الكثير من بيوت بريطانيا مسلم ومسيحي يعيشون في بيت واحد، وهذا يدل على أن جميع الديانات هي هدفها واحد هو عبادة الله تعالى واحترام حقوق الآخرين والصدق والأمان، وكل هذه الصفات موجودة في المسلمين وتجعلهم بمقدورهم أن يعيشوا مع جميع الديانات السماوية الأخرى بسلام، ونذكر هنا مصداق قول أمير المؤمنين علي عليه السلام (البشر صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق)". وهذا بدوره أبرز للطبقات المتعلمة في بريطانيا وغيرها الفرق بين المسلم الشيعي وغير الشيعي".
وأشار الجوراني" إلى ضرورة تطوير الإعلام الإسلامي الموجه نحو الغرب من قبل الحكومات الإسلامية بجوانبه المرئية والمقروءة والمسموعة، ولا يمكن إغفال دور المرجعيات الإسلامية ومكاتبها في بريطانيا من أجل نشر العلوم الإسلامية الحقيقية مثل مكتب المرجع الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظلّه)، الذي يهتم بالمسلمين في أوربا بشكل عام ويلاحظ هذا في عمل سماحة السيد مرتضى الكشميري حيث يعمل على توفير المستلزمات التي يحتاجها المسلمون وطبع المنشورات التعريفية التي توزع في المسيرات التي يقودها المسلمون في لندن مثل مسيرة العاشر من محرم ومسيرة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام، فتساعد هذه المنشورات في الإجابة عن تساؤلات الأوربيين الين يريدون التعرف أكثر على مذهب أهل البيت عليهم السلام".
وختم الجوراني حديثه قائلاً" الكثير من مكاتب المرجعيات الشيعية تطبع وتترجم كتب إسلامية إلى اللغات الأجنبية، وبدورها أيضاً غيرت وحسنت نظرة الغربيين إلى المسلمين, ومن هذه الكتب تفسير القرآن الكريم وكتب التعريف بالإسلام ومنهجه وعقيدته وسماته الإنسانية".
المجالس الحسينية.. ونظرة الغرب والإعلام السلفي
من جانبه تحدث السيد (مكي الحلو) الذي يسكن في ألمانيا، عن الشعائر الحسينية قائلا" إن المجالس الحسينية والندوات التي تقام في الغرب ويحظرها الكثير من غير المسلمين تستطيع أن تعطي الصورة الحقيقية للمسلم القائمة على الصفات الإنسانية والأخلاق الفاضلة، ولكن ينبغي تطويرها وتوسيعها بما يوفر القناعة التامة للآخر في أن هذا الدين وهذا المذهب هو الأصل في الحياة الحرة الكريمة".
أضاف الحلو" من جانب آخر نلاحظ أن المجالس الحسينية التي تقام في الغرب تعطي انطباع ايجابي لدى المسلمين من باقي الطوائف والمذاهب خاصة المثقفين والمتعلمين منهم...هذه المجالس جعلت هؤلاء يقولون (أن الشيعة هم من يمثل الدين الإسلامي الصحيح)". مبيناً بوجوب" الحذر الحذر من الإعلام السلفي الناشط بقوة لما يملكه من دعم مادي والذي يحاول جاهداً تشويه وتحريف مذهب أهل البيت عليهم السلام من خلال استخدام الدعاية المضللة، لأن مذهب أهل البيت أخذ يغير قناعات الغربيين، الذين يستمعون للإعلام السلفي ولا يرون أي تطبيق ايجابي له على أرض الواقع انما هي ارتدادات التوجه المتعصب للتطرف الديني للسلفيين والوهابية".
وختم الحلو حديثه قائلاً" إن للمحاضرات والبحوث التي يقدمها علماء ومشايخ محبي أهل البيت عليهم السلام كان لها تأثيراً ايجابياً وصدى إعلامي رهيب، وأنا أناشد من يهمه أمر المسلمين المحبين لمذهب أهل البيت عليهم السلام أن يقدم العون والدعم المادي والمعنوي للشيعة المغتربين في الغرب، حتى يتمكنوا من إيصال الرسالة المحمدية الحقيقية، من خلال بناء المساجد والحسينيات وإقامة المؤتمرات والمهرجانات التي تبين أحقية أهل البيت عليهم السلام والرسول المصطفى صلى الله عليه وآله، وهذا بدوره يساعد الأشخاص الباحثين عن الحقيقة".
الفضائيات الإسلامية الشيعية.. وضعفها في الغرب
أما ما يتعلق بالجانب الإعلامي فقال (ميثم الجوراني) الذي يسكن ألمانيا" إن الإعلام الشيعي المتمثل بالوسائل المطبوعة تمثله بصورة رئيسية الجمعيات التركية في ألمانيا, وكذلك الجمعيات الإيرانية لكنها أقل تاثيرا من الجمعيات التركية، التي تمتاز بمطبوعاتها المناصرة لأهل البيت عليهم السلام، وهناك منشورات عربية قليلة جدا لكنها في المستقبل سيكون لها شأن كبير بأذن الله تعالى".
أضاف الجوراني"وبالنسبة للقنوات الفضائية الشيعية هناك مشكلة في عدم وجودها ضمن نطاق أوربا إلا القليل منها, أما في ألمانيا فالقنوات الفضائية الإسلامية الشيعية غير موجودة كليا، ولكن هناك منشورات مطبوعة للمتحدثين (باللغة الألمانية) فقط وبعض المعلومات الشيعية على شبكات الانترنت، وبالنسبة لنا كجمعيات عربية إسلامية نعمل على توزيع المطبوعات الإسلامية الشيعية على المسلمين الألمان من غير الشيعة وكذلك الألمان غير المسلمين".
وأكمل ميثم" أن من أهم المشاكل التي تعرقل دخول الألمان غير مسلمين إلى الإسلام هي العمليات الإرهابية التي تحصل في المجتمعات العربية والإسلامية باسم الدين الإسلامي، ومع كل ذلك فأن الرأي الغربي بالمسلمين الشيعة هو أنهم أكثر الناس حباً للسلام... نعم هناك إعلام معاكس للدين الإسلامي يزعم وبقوة أن الهوية الإسلامية بصورة عامة هي هوية إرهابية ولكن الحكومة الألمانية ومؤسساتها الأمنية تعلم بأن حقيقة الأمر خلافاً لذلك الرأي، وخاصة نظرتهم للشيعة، والدليل على ذلك تعاون المؤسسات الأمنية مع الجمعيات الإسلامية الشيعية من أجل تسهيل مهماتها وقضاء حاجاتها فيما يخص الإذن بالتظاهر وإقامة مجالس العزاء الحسينية وباقي الشعائر دون أية شروط أو مضايقات أو تعطيل".
دور المبلغين الإسلاميين في الغرب
العالم الديني واللغوي المتخصص في علوم القرآن والحديث الاستاذ (برهان الدين) قال معرفا عن نفسه" أعمل كمبلّغ منذ 16 سنة، ومنسّق المركز الإسلامي في هامبورغ، وعضوا في المجلس الأعلى للمسلمين الذي يجمع أعضاء مختلفة من السنّة والشيعة والعرب والعجم كممثل للطائفه الشيعية في هذا المجلس)".
وفيما يتعلق بشؤون التبليغ في الغرب تحدث برهان الدين قائلا" أن من يدخل الإسلام من باقي الديانات نوعين، منهم من يدخل الدين الإسلامي بالإسم فقط ولأسباب شخصية قد تكون لغرض الزواج من فتاة مسلمة، والنوع الثاني هم من يدخلون الإسلام نتيجة البحث المستمر عن حقيقة الدين الأصح على وجه الأرض، ويتم هذا من خلال الاحتكاك مع المسلمين في الغرب، فالكثير من الأسر تدخل الإسلام نتيجة التعامل في البيع أو العمل أو المجاورة الحسنة أو من خلال الصداقة القوية مع المسلمين".
وأكد برهان الدين" أن هناك جزء من الغربيين يدخلون الإسلام نتيجة التحقيق في الديانات، واغلبهم من الأطباء والمهندسين والمثقفين والأكاديميين الذين يستمر بحثهم لمدة طويلة للوصول إلى القناعة الكاملة، وهذا النوع من الأشخاص يقدمون خدمات جليلة إلى الإسلام، لا يمكن الاستغناء عنها، ونتيجة هذه الأعمال أصبح هناك الكثير من المستبصرين يدخلون إلى الدين الإسلامي".
وختم برهان الدين حديثه قائلاً" إن عمل المؤسسات الدينية الشيعية في الغرب ضعيف جداً بسبب ضعف الإمكانات المادية، وكذلك المساجد الشيعية تفتح في محرم ورمضان فقط ولا يوجد هناك إمام مسجد مقيم فيه، باستثناء بعض المساجد القليلة جداً، فضلا عن غياب دروس تعليم القرآن وتربية الأطفال وتعليم النساء بشكل منظم، وعلى العكس من ذلك فأن بقية المذاهب أكثر فاعلية في هذا الجانب بسبب الدعم المادي".