الفقر في العالم.. من المسؤول عنه؟
يعد سوء الادارة واحدا من بين ابرز الاسباب التي تؤدي الى تفشي ظاهرة البطالة في المجتمعات ، وبالتالي زيادة مستوى الفقر لدى عدد من شرائح المجتمع، مما يدفع الجهات القائمة على الادارة الى انتهاج أساليب معينة في سبيل ايجاد الحلول او البدائل المناسبة لمعالجة ذلك.
وقد يعاضد سوء الادارة بعض الاحداث كالأوبئة والحروب وغيرها في احداث ذلك الاثر، وهنا تبرز الضرورة الى تفعيل دور الحكومات لمنع حالات الارباك والمشاكل التي ترافق امثال هذه الحالات ومنع الانزلاق الى ما هو أدنى من الفقر.
ولتسليط الضوء على ما يمكن اجراؤه من سياسات متنوعة من قبل الحكومات على وجه الخصوص حدثنا الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور مظهر محمد صالح قائلا أن" السياسات المالية في اغلب الدول لجأت الى احداث نفقات طارئة لتوسيع قاعدة التصدي للعاطلين عن العمل وما يسببه من فقر بسبب اغلاق الاقتصادات ازاء جائحة كورونا . فلا توجد موازنة عامة في الغالب اذا ما اعتمدت تخصيصات طوارئ لدفع المستحقات جراء التوقف القسري للعمل, وهذا ما قامت به حكومات مثل كندا والولايات المتحدة وببريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي مثل المانيا واشتملت الاجراءات كذلك على اعفاءات ضريبية واسعة والتوقف عن تسديد الغرامات والمستحقات على المكلفين في الظرف الراهن ".
واضاف ان " هناك اقل من مليار انسان على سطح الارض هم دون خط الفقر ، وقد ضاعف انغلاق الاقتصادات بسبب كورونا من تعاظم حجم هذه الفئة، ناهيك عن امتناع عدد من البلدان الرئيسة المصدرة للحبوب وللسلع الغذائية الاستراتيجية من التصدير لأشهر طويلة مما فاقم من ازمات الفقر في العالم بسبب تصخم اسعار المواد الغذائية وعدم قدرة الفقراء على الشراء . لذلك ارى ان الصراع السياسي الدولي الراهن والحروب التجارية لم توفر الفرصة الكافية للتصدي لمشكلات الفقر بشكل جمعي ومن المؤكد ان جزءا من عوامل الفقر هي من مخلفات الصراع السياسي البارد بين الامم" .
واكد " ان السياسات الحكومية العامة ستلجأ الى سياسات ما يسمى بالدولة التدخلية او ما يعرف بالمدرسة الكنزية التقليدية في الاقتصاد، وذلك عن طريق توسيع الانفاق العام واحداث موجات طلب تؤدي الى دوران عجلة العرض والانتاج لمكافحة البطالة التي هي اساس الفقر فصلا عن ممارسة سياسات نقدية توسعية تسمى بالتيسير الكمي بتوفير سيولة اضافية للإنفاق الحكومي وكذلك تسييل موجودات القطاع الخاص المالية التي تعرضت للخسائر من اجل توفير حزم انقاذ عالية وباقل كلفة ممكنة. فمكافحة الفقر والبطالة بعد جائحة كورونا ستقلب السياسات الحكومية من الليبرالية الجديدة وعدم التدخل بالاقتصاد الى سياسات تدخل واسعة النطاق تحت قيد استشراء الجوع والبطالة".
فيما قال الاعلامي والباحث في التاريخ السياسي من تونس الدكتور بلحسن اليحياوي " في نظام عالمي رأسمالي ليبرالي نعلم جيدا ان راس المال يمكن ان يسمح بأي شيء الا ان تنخفض معدلات مكاسبه وبالتالي طريقة تعامله مع المخاطر سواء تعلق الامر بعمليات الاغلاق التام والشامل على الجائحة او أي موضوع اخر فيكون الهدف هو الحفاظ على مكاسب راس المال حتى وان كان على حساب العامل او على حساب جودة المواد المقدمة او غير ذلك، كما أن راس المال العالمي يتحرك او يفكر بعقلية مفادها الاستفادة من الكارثة وكورونا واحدة من اكبر الكوارث التي تعرضت لها الانسانية في التاريخ الحديث، موضحا أن " الازمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالعالم كانت اتية بلا ريب ولم تكن الجائحة الا المشجب الذي تعلق عليه الانهيارات الاقتصادية فرأس المال كان يعاني من مشكلة مفادها التضخم المالي بمعنى ان حجم الاموال المتداول في العالم سواء تعلق بالبورصات العالمية او تعلق في البنوك المركزية اكبر بكثير من حجم الثروة الموجودة، بالتالي فإن هذا النظام الاقتصادي القائم على العولمة كان مقبلا على كارثة اقتصادية تفوق ما حدث عام 2008 وجاءت هذه الجائحة ليعلق عليها انهيار هذا النظام الاقتصادي او فشله في ضمان ما وعد به العالم والبشرية.
وبين " أن خطر الفقر في تأثيره على شعوب العالم لم تفعل جائحة كورونا الا تسريعا له، فقد كنا مقدمين على خطر الفقر الذي بدأ سواء بوجود كوفيد 19 ام لا، والان اصبح بالإمكان تبرير وتعليق فشل هذا النظام العالمي على جودة نظام الحياة والرفاهة جمعاء والى اخر الشعارات التي يرفعها على الجائحة, وبالمحصلة فان عملية توزيع الثروة والنظام العالمي الجديد المسؤول عنها مباشرة هو المسؤول عن ارتفاع معدلات الفقر بصورة مهولة في العالم اجمع, حسب احصائيات رسمية قدمتها البنوك الدولية ولكن الحقيقة أن معدلات الفقر اعلى بكثير لأن عملية قياس معدلات الفقر تعود اساسا الى حساب الناتج القومي الخام والدخل الفردي العام، ونعلم جيدا ان هناك مجموعات تتمتع بدخل فردي عالٍ جدا مقابل مجموعات اخرى تعاني العكس، وبالتالي فان نسبة الفقر واقعيا وحقيقيا تفوق ما تصرح به الجهات الرسمية.
والمح اليحياوي الى " ضرورة تغير المنوال التنموي والتركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة والقطاعات التقنية للتخلص من النظام الريعي المعتمد اساسا على الثروات الباطنية الخام وتصديرها، واقامة صناعات تحويلية حتى نتخلص من عملية تصدير الطاقات والمواد الخام وتحويلها الى مواد مصنعة تحمل قيمة مضافة لان حجم الانفاق بما يتعلق بإعادة استيراد المواد المصنعة يحدث هوة كبيرة يصعب تغطيتها حتى في قطاع مصدِّر بطاقات كبرى كما يتعلق الامر بالعراق او البلدان الخليجية والبلدان النفطية او ليبيا والجزائر مثلا، مشيرا الى أن" التفكير الان ينصب حول ضرورة التوقف او التخلص من تصدير المواد الخام لصالح خلق صناعات منتجة وتحويلية خاصة وأن كل المؤشرات تفيد ان العالم مقبل على كارثة بالمنتوجات الزراعية بصورة عامة وبعض المنظرين يتحدثون عن هذه الإشكالية الكبرى" مبينا أن" الكثير من الدول العربية تمتلك الشروط اللازمة لإقامة واحداث نظام زراعي يحقق الاكتفاء الذاتي بل ويصبح قطاعا مصدرا مع ربطه بالشرط الاساسي وهو احداث قطاعات صناعية تحويلية مما يمكن من بناء اقتصاد منتج والتخلص من نظام الاقتصاد الريعي وتحويل المجتمعات الاستهلاكية الى مجتمعات منتجة" منوها الى " ان الاقتصاد الريعي المهيمن في كثير من الدول العربية والعلاقة الجدلية بين الفساد المالي والسياسي وكيف اصبح راس المال متحكما في صنع القرار واسباب سياسية واقتصادية مفتعلة ادت الى تزايد معدلات الفقر.
وبالنسبة للمجتمعات والدول وكيف تعاملت مع الجائحة أوضح اليحياوي اختلاف التعامل معها قائلا" إن الفرق كان بيناً بين الدول الغربية واروبا اساسا والكثير من الدول الاسيوية وامريكا الجنوبية فهناك اجراءات رافقت الطبقات الفقيرة والعاملة اثناء عمليات الاغلاق التام كونها ضاءلت نشاط الكسبة اليوميين والذين يعملون بنظام غير مهيكل (عمال، تجار، أعمال حرة وغيرهم) وعكس ذلك عملت امريكا إذ لم تطلق عملية مرافقة لهذه الفئات فحدثت كثير من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية, وبالنسبة البلدان العربية كانت هناك الكثير من الوعود بالعمليات المرافقة للطبقات الفقيرة والمتوسطة ومحدودة الدخل لكن هذه المرافقة لم تحدث بالشروط المطلوبة ولم تتمكن من خفض نسب الحاجة لدى الطبقات ذات الدخل المحدود بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الدول العربية الامر الذي زاد في تقليص مداخيل الطبقات العاملة وحتى الشركات الصغرى والمتوسطة ما ادى الى تقليص او غلق عدد من فروعها وزيادة نسب البطالة الى معدلات عالية جدا .
وتابع أن " المعالجات والحلول الاقتصادية لا تتعامل مع جائحة كورونا فقط بل مع النظم الاقتصادية اساسا ونحن تحدثنا عن الاقتصاد الريعي وبعد ما يسمى بالربيع العربي وانفتاح المجتمعات وارتفاع مؤشر الاستهلاك لدى هذه المجتمعات مقابل الانخفاض المدوي لمؤشرات الانتاج فكثير من الدول العربية والنموذج التونسي اساسا لا يملك ثروات باطنية تسمح له بتخطيط ميزان العجز التجاري وانفتاح المجتمع بعد عام 2011 على العالم ادى الى ارتفاع عمليات التوريد فاصبحنا نتحدث عن عمليات توريد عشوائية بل متوحشة مما ساهم في انهيار المؤسسات الاقتصادية المنتجة في عديد الميادين والمجالات بما في ذلك القطاع الفلاحي اذ كانت تونس تعتبر من الدول المنتجة واليوم اصبحت تستورد الكثير من المنتجات الفلاحية.
مراجعة سريعة لتاريخ النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم تجدها حافلة في التصدق على الفقراء والمساكين والاسرى وغيرهم واشباع بطونهم الجائعة
الشيخ حمزة الفتلاوي من قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية بيّن أن " المشاكل والازمات التي تعصف بالمجتمعات البشرية وتقصف بكيانها وتزعزع استقرارها كثيرة منها لا على نحو الحصر الفقر والجهل والاوبئة والكوارث الطبيعية والحروب والصراعات العرقية والمذهبية, ولعل الفقر هو ابرز الامراض الفتاكة في العالم بأسره وفي المجتمعات الاسلامية بصورة خاصة.
وأشار الى أن "نظرة واحدة لتاريخ البشرية والاديان السماوية نجدها وقفت بوجه هذه الظلام وحاولت بتشريعاتها واحكامها ان تقف سدا قويا بوجه طوفان الفقر، وخير دليل ما عملت به الشريعة المحمدية الغراء لتحتوي هذا الاعصار بحلول واقعية سريعة وتأخذ بأيدي الفقراء لتعبر بهم الى مرافئ الامان والعيش الرغيد كفرض الزكاة والخمس وايصال الحقوق الشرعية لمستحقيها حفظا لماء وجوههم, وكذلك تشريع اخراج الكفارات والثروات والقربات والاوقاف والصدقات المستحبة مما يدلل على عمق واصالة التشريع الاسلامي الواعي, كما في قول الباري عز وجل(فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
واوضح الفتلاوي أن "مراجعة سريعة لتاريخ النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم تجدها حافلة في التصدق على الفقراء والمساكين والاسرى وغيرهم واشباع بطونهم الجائعة تصديقا لقول الله تعالى في كتابة الكريم (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) والصور الرائعة من التكافل وتقديم المعونات لا تعد ولا تحصى لكن تنظير الانظمة الحاكمة واستغلال المال العام والجشع والطمع وغيرها من الامور اسباب حقيقية لزيارة نسبة الفقراء في العالم" .
واشار الى الاسباب في زيادة نسبة الفقراء في الوقت الحاضر فقال" لعل اهم الاسباب هو الاستئثار بالمال العال وهدر وترك الرعية تتضور جوعا, وهذا ما نراه في شعوب المنطقة وبالأخص في بلدنا العراق, ولكن هناك ايادٍ بيضاء سخية اخذت على عاتقها معونة الفقراء ومساعدتهم وهذا ما يعزز التكافل الاجتماعي ويصون المجتمع الاسلامي من الانهيار وتعتبر المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف قديما وحديثا صمام الامان والحارس الامين لحقوق الناس وقد لاحظ العالم اجمع دور مرجعية النجف الاشرف وكيف احتوت الازمات خصوصا في ايام الحرب على داعش الارهابي وايامه السوداء وكيف جند كل امكانياته وطاقاته لانهاء العراق بجميع طوائفه ، غير أن مساعدات المرجعية امتدت ووصلت لكل العراقيين عربا واكرادا وايزيديين وغيرهم.
وتابع أن " المرجعية لعبت الدور الاكبر بعد جائحة كورونا وايصال المساعدات للعوائل الفقيرة والمتعففة فضلا عن رعايتها لعوائل الشهداء والجرحى وعوائل الايتام وكذلك بناء الدور وتقديم مختلف المساعدات من اجل حفظ ماء الوجه واخراج البعض من ظلمة الفقر الى نور السعادة والراحة والغنى فلنشكر كل من ساهم ويساهم في رفع هذه المظلومية عن الفقراء في العالم الاسلامي والعراق.
تحقيق: عماد بعو
تحرير: يحيى الفتلاوي