\"المواطن\" بين نيران الغلاء وعواصف الاجراءات الحكومية
هل كان قرار خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار مدروسا؟ وهل ساهم في احتواء الازمة المالية التي ضربت البلاد؟ وما ايجابيات هذا القرار وما تداعياته ومن المستفيد منه؟ ومن المتضرر؟ وهل هناك عوامل اخرى تؤثر على قيمة العملة المحلية في المستقبل؟ وما هي؟.
اسئلة واستفسارات تم طرحها على طاولة البحث مع المختصين في الشأن الاقتصادي ومع المواطنين للاطلاع على مدى تضررهم بالقرار وحجم التداعيات التي خلفها.
الحكومة مجبرة على اتخاذ اسهل الطرق لتحسين مقدار إيراداتها الدينارية من ريعية إيراداتها الدولارية
وبصدد الموضوع قال الاستشاري في التنمية الصناعية والاستثمار الاستاذ عامر الجواهري" ان تخفيض قيمة الدينار العراقي إزاء الدولار ادى الى انخفاض القدرة الشرائية وبالتأكيد ينعكس ذلك على ارتفاع قيمة السلع والخدمات المستوردة وكذلك السلع والمنتجات العراقية بحسب نسبة مدخلات المواد المستوردة فيها وبالتالي ان ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير أثر على شريحة واسعة من المجتمع وهم المستهلكين اصحاب الدخول الثابتة والمحدودة، كما ان التجار والمتعاملين في السوق يتخذون إجراءات احترازية تتمثل في زيادة الأسعار للحذر من التقلبات من جانب اضافة الى التطلعات الى أرباح اضافية من جانب آخر، والمستفيد بصورة عامة هم المضاربين والطفيليين".
ولفت الى ان "تغيير سعر الصرف بتخفيض قيمة الدينار مطروح للنقاش في كافة الأوساط منذ أكثر من 10 سنوات ليصبح بحدود 1500 دينار للدولار, لكن الذي حصل مقدار التخفيض جاء بنسبة عالية ومرة واحدة وبتوقيت غير سليم مما أثر على المواطن، موضحا أن "الحكومة مجبرة على اتخاذ اسهل الطرق لتحسين مقدار إيراداتها الدينارية من ريعية إيراداتها الدولارية عن تصدير النفط الخام وذلك لتخفيض مقدار العجز بالدينار ومن هنا جاء التناغم بين وزارة المالية والبنك المركزي لتخفيض قيمة الدينار وتبنى مجلس الوزراء ذلك وبتأييد من الكتل السياسية ومن الواضح مجلس النواب كذلك".
وتابع الاستشاري الجواهري قوله "ان انخفاض قيمة الدينار يمكن أن يعطي فرصا أكبر للمنتجين المحليين لتوسيع أعمالهم وزيادة الفرص أمام الاستثمار المحلي المباشر ورواد الأعمال لتنفيذ أعمال واستثمارات جديدة لكن ذلك لن يتحقق بالدرجة التي يمكن أن تساهم في نهضة اقتصادية ملحوظة ما لم يوجد تحرك ساند من قبل المؤسسات الحكومية الساندة والداعمة والمعنية بتمكين ودعم القطاع الخاص".
واشار الى ان "الاجراءات الحكومية المتبعة أدت الى حصول تخلخل وارتفاع وعدم انتظام في حركة الأسواق وفي ضوء تأخر الموازنة وضعفها الواضح في المساهمة في توجهات تنشيط الاقتصاد وتنويعه وتحريك القطاع الخاص بكافة نشاطاته, كل ذلك ترك مردودات سلبية واضحة، مستدركا "لا أرى أن هذا التغيير أزمة مفتعلة ولا بداية لتدهور العملة المحلية حيث تغير القيمة لا يعني ذلك، لكن الأزمة الحقيقية والتي تتفاقم وتتعمق مع الوقت وزيادة التحديات هي استمرار ريعية الاقتصاد باعتماد البلد على القدرات الحكومية فقط وعلى الإيرادات النفطية في تمشية أمور البلد خصوصا ان هناك ارتفاعا كبيرا للسكان ما ينعكس على ارتفاع حجم ونوعية وتنوع المتطلبات وتزداد الأزمة في عدم جدية وعدم توفر إرادة البناء وتنويع الاقتصاد والتنمية والاعمار وكذلك عدم وجود رؤية واستراتيجية لا متوسطة ولا بعيدة المدى حول مستقبل العراق, لذلك فإن زيادة الاعتماد على إيرادات النفط فقط, التي بالكاد تغطي مصروفات الحكومة, واستمرار التدهور الحقيقي في الناتج المحلي المتنوع هي العوامل التي قد تؤدي الى تأثر قيمة العملة المحلية أكثر مستقبلا".
تخفيض قيمة العملة أضر بعموم الشعب العراقي وقلل قدرته على الاستهلاك
ويشاطر الاستشاري الجواهري الرأي الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور همام الشماع قائلا ان "انخفاض قيمة العملة يعني انخفاض قوتها الشرائية وقيمة العملة تجاه العملات الاجنبية خصوصا الدولار، لان العراق يتبع نظام الصرف الثابت تجاه الدولار وعندما خفضت قيمة العملة العراقية تجاه الدولار يعني انه تم تخفيض قوتها الشرائية اي قدرتها على شراء السلع والخدمات وتزامن ذلك الانخفاض في القوة الشرائية للدينار العراقي مع احتمالات تخفيض رواتب الموظفين وفرض الضرائب عليهم من خلال الموازنة 2021 والتي كما اقترحتها الحكومة تحتوي على تخفيضات الضرائب والرواتب عموما الا ان اجراءات البرلمان العراقي اوقفت الاستقطاعات".
ونوه الى ان "تخفيض قيمة العملة جاء متزامنا مع فرض الضرائب على الاسواق المركزية والمشتقات النفطية و رفع اسعار البنزين وغيرها وهذا يجعل الاسعار اكثر ارتفاعا، ومع انخفاض القيمة والقوة الشرائية للدينار العراقي فإن الاسواق تعرضت الى هزة وانخفاض القدرة الشرائية لما لا يقل عن ستة ملايين مستلم للرواتب الشهرية من الحكومة وستة ملايين يمثلون نصف الشعب العراقي إذا اعتبرناهم معيلين لعوائلهم اي ان اعدادهم مع من يعيلونهم يصل الى عشرين مليون عراقي وهؤلاء قد تأثرت قوتهم الشرائية وقدرتهم على اقتناء السلع وهذا يعني انخفاض الطلب على السلع والخدمات نتيجة لضعف القوة الشرائية, وبالتالي تتدهور الاسواق بسبب انخفاض القوة الشرائية لعموم المواطنين و انخفاض الطلب على السلع والخدمات وتأثر اصحابها بشكل مباشر".
وأشار الخبير الشماع الى ان "اصرار وزارة المالية بشكل خاص والحكومة بشكل عام بتخفيض الدينار امام الدولار مرده ظاهريا الى رغبة الحكومة بالإصلاح الاقتصادي وارى انه ليس اصلاحا اقتصاديا بقدر ما هو احتواء للازمة المالية التي ضربت العراق، وتخفيض قيمة العملة كطريق للإصلاح الاقتصادي هو جزء من سياسات المؤسسات الدولية وصندوق النقد الدولي بالذات الذي شارك مع الحكومة في الضغط باتجاه تخفيض الدينار العراقي، وتخفيض قيمة العملة جعل البلد يستهلك اقل عدد من السلع والخدمات وخصوصا المستوردة وهذا سوف يكون على حساب عموم الشعب العراقي لكونه يعني تقليل قدرة الشعب على الاستهلاك".
وتابع حديثه عن خفض قيمة العملة المحلية "ان خفض قيمة العملة المحلية تجاه الدولار هو اسلوب ناجح في الدول الفقيرة جدا التي ليس لها امكانات مالية سوى ان تضغط على الشعب وذلك يؤدي الى تقليص استيراداته وتحقيق نوع من الزيادة في ميزان المدفوعات لصالح البلد، موضحا أن" حالة العراق مختلفة و العراق ليس بلدا افريقيا فقيرا مدينا الى الحد الذي يعجز عن تسديد ديونه فالعراق مر بأزمة بسبب السنوات العجاف الماضية التي رافقتها سياسات البلد منذ 2003 الى الان، سياسات الهدر والسرقة والنهب لثروات العراق حتى جاء انخفاض اسعار النفط المتزامن مع ازمة كورونا ليدخل البلد في ازمة عنيفة جعل صندوق النقد الدولي يكرر مقترحاته بشأن تخفيض العملة الذي اضر بمصلحة الشعب ويتمسك به وزير المالية باعتباره الموقف الوحيد الذي يستطيع ان يتبناه".
واستطرد الشماع في حديثه عن اهداف تخفيض العملة قائلا "اعتقد ان بعض الكتل السياسية تريد ان تستحصل الاموال لصالحها خصوصا مع قرب الانتخابات فارادت ان يكون هناك تدفق لموارد الحكومة لتحصل ناك ان توحيد الذي تبها الشعب على جزء من هذه الاموال لان تخفيض قيمة الدينار يعني زيادة ايرادات الحكومة من مبيعات النفط بمقدار 25% بما يمكن الكتل السياسية من الحصول على الايرادات التي تتوخاها من اجل استمرار عملها ودخولها الانتخابات بنجاح مما يحقق لها الفوز في كسب اكبر عدد من المقاعد".
فيما طالبَ المواطن أحمد حسين "الحكومة العراقية بإعادة النظر بسعر الدولار مراعاة لذوي الدخل المحدود والفقراء معبرا عن "قلقه من حدوث مجاعة حقيقية قد يشهدها العراق".
وواصل حديثه بقوله "نتجول في الاسواق لشراء الحاجات والمستلزمات الغذائية الضرورية فنجد ان اسعار السكر والزيت والرز وغيرها مرتفعة كما نلاحظ ارتفاع مواد البناء من الحديد والاسمنت وبقية المواد والمتضرر الوحيد هو المواطن لان المعنيين لا يهمهم شيء فاغلبهم لديهم اموال داخلية وحسابات واملاك محفوظة في الخارج" .
ويقول محمد عامر(صاحب محل جملة) ان "المواطنين يشتكون من غلاء السلع موجهين انتقادهم لنا ويطالبوننا بتخفيض قيمتها، مبررا موقفه " انا اضطررت الى رفع قيمة السلعة لكوني اشتريها من التجار بقيمة اعلى من قيمتها قبل تخفيض الدينار".
وأضاف "ارى ان الكثير من الذين ليس لديهم دخل ثابت قد تضرروا من ارتفاع الاسعار حتى ان بعضهم يضطر الى شراء السلع الاقل تكلفة حتى وان كانت منخفضة الجودة".
(ع.م) 52 سنة يروي معاناته المعيشية قائلا " ليس بمقدروي ان اشتري الا الاشياء التي بالكاد اقوت بها عيالي فراتبي الشهري (147 ألف دينار) فقط ولولا معونة الخيرين لتفاقمت حالتي اكثر مما هي عليه الان".
وتابع قوله "بعد ان اجتاحتني الامراض لم يعد بإمكاني ان ازاول عملا معينا، موجها حديثه الى المعنيين "كفاكم تلاعباً بالعملة والاسواق فهي تمس حياة الناس واتقوا الله في الفقراء واصحاب الدخل المحدود".
(الحاج حامد) 63 سنة يتحدث هو الآخر عن اوضاعه المالية والصحية الحرجة بالقول " لا احد يشعر بألم المريض ومعاناته اكثر منه لاسيما اذا اجتمع الفقر والمرض معا، مبينا " اصبت بالسكري والضغط منذ مدة طويلة وانا اتدبر اسعار العلاج بصعوبة بالغة ومع ارتفاع الادوية ازدادت معاناتي شأني شأن باقي المرضى الفقراء واصحاب الدخل البسيط".
تحقيق: عماد بعو ــ تحرير: فضل الشريفي
مجلة الروضة الحسينية