العصر الذهبي للدولة الفاطمية في صقلية 336-443هـ/ 948-1052م

2020-11-23 16:43

الحلقة (2)

د. منال حسن عكلة

عصر الامارة الكلبية.. حكّام الفاطميين في صقلية

كان للاسرة الكلبية دور كبير في رعاية العلوم والآداب، وقضت على كثير من الفتن في جزيرة صقلية، وامتد حكمها للجزيرة ما يقرب قرناً من الزمان، حتى وصفهم ابن خلدون بالعدل والاحسان.

فلَم تنعم صقلية في تاريخها بما نعُمت به في عهد الكلبيين، ولم تحب ولاة من قبل الخليفة الفاطمي كما أحبّت هذه الاسرة العربية التي بسطت نفوذها في ربوع الجزيرة، وازدهرت الآداب والفنون في عهدها وظلّت مقصد الشعراء وملاذ العلماء.

وسنأتي على ذكر الامراء الكلبيين - الامراء الشيعة الفاطميين على صقلية - واهم المنجزات السياسية التي حدثت في ظل حكمهم الشيعي لصقلية، وأهم انجازاتهم في مجال السياسة الداخلية والخارجية فيها:

1-الامير الكلبي الحسن بن علي بن ابي الحسين الكلبي (336هـ-341هـ/947م-952م): بولايته بدأ عهد جديد في تاريخ جزيرة صقلية اذ أدت ولايته في هذه الجزيرة الى تأسيس اسرة حاكمة - مع احتفاظها بتبعيتها للدولة الفاطمية - من أمراء الكلبيين حكمت الجزيرة اكثر من قرن ونصف.

سياسته الداخلية

ما أن تسلّم دفّة الحكم حتى بدأ بتذليل الصعاب التي واجهته في حكمه، وكان اولها ثورة بني الطيري في بلرم - اذ كان بُعد نظر المنصور الفاطمي في محلّه حين نصحه بالقضاء على التمردات في الجزيرة- بعد ان وثبَ بنو الطيري على الوالي عطاف مع أعوانهم في يوم عيد الفطر عام (335 هـ/947م) وقتلوا جماعة من رجاله، واخذوا أعلامه وطبوله وانصرفوا الى ديارهم فأرسل ابو عطاف الى المنصور الفاطمي (334-341هـ/945-952م) يعلمه بالحال، ويطلب منه المدد، فلما وصل الحسن الكلبي الى بلرم وكان قد بعث الخليفة المنصور معه جثة ابي يزيد الخارجي ورأس ابنه الفضل، وذلك لإرهاب المتمردين في  صقلية والتأكيد لهم بان ثورة ابي يزيد قد تم القضاء عليها على يد هذا الشجاع، وأن الدولة الفاطمية ستضرب بيد من الحديد على كل من يحاول الخروج عليها، عندما وصل الحسن الكلبي الى صقلية ارسل رسالة الى المنصور الفاطمي (334-341هـ/945-952م) بواسطة جوذر كاتبه، ان يفرج عن احد زعماء المتمردين بصقلية المسجون عنده في المهدية، بناء على تزكية أهل صقلية له وشهادتهم له باستقامته، ولكن طلب الحسن الكلبي لاقى الرفض من المنصور الفاطمي الذي علل عدم الامتثال لرغبته، بل انه طلب منه ان يكون حازماً، وطلب من جوذر ايضا - كاتبه - ان يكون حازما معهم، وان لا يتساهل مع احد من المتمردين، فقال له يحضه حضاً شديداً على الصرامة:" ان يكون مراً مريراً شرساً، فانه في بلد قد أسكرت اهله النعمة، وأبطرهم الاحسان، واعتادوا مع خليل اشياء لا يخرجها من رؤوسهم الا السيوف، وليكُن صعباً مستصعباً على كل داعر وفاجر، وليرفع عنهم السوط، ويستعمل فيهم السيف..."

سياسته الخارجية

اهمية صقلية العسكرية وضرورة مواجهة الروم البيزنطيين وأمويي الاندلس:

ان التعرف على حقيقة الاحداث التاريخية لا يتم بشكل واضح إلا من خلال الإلمام بدراسة العوامل الجغرافية وسمات او مواصفات البعد المكاني للحدث التاريخي، الذي يحصل في ذلك المكان سواء كان على البر او البحر.

وذلك لان موقع الحدث التاريخي لابد ان يكون له تأثير مباشر او غير مباشر على مجريات الاحداث التاريخية، تفرضه المنطقة او الموقع الجغرافي الذي تجري عليه الاحداث. 

وبما ان منطقة البحر المتوسط تميزت بأهمية موصولة لا تكاد تنقطع عن النواحي الاقتصادية والسياسية والجيوستراتيجية، لذا فأن هذه الاهمية جعلت البحر المتوسط جسراً للتبادل الحضاري بين الشعوب التي عمّرت سواحله من خلال تفاعلها الحضاري فكان بؤرة حضارية ومنطقة التقاء وتفاعل بين حضارات الشرق والغرب.

وتعد جزيرة صقلية تجسيداً حياً للصراع المباشر مابين الفاطميين الشيعة الاسماعيلية والبيزنطيين فمن جهة الفاطميين كانوا يحرصون على الحفاظ على نفوذهم وعلى سيادة دولتهم، وذلك لاتخاذها قاعدة لأسطولهم  في البحر المتوسط لصد الحملات التي يوجهها الروم نحو افريقيا.

وأما بالنسبة لجهة البيزنطيين فكانت الإمارة الشيعية الكلبية تشكل محل تهديد لإمبراطوريتهم لاسيما وانها ليست بعيدة عن عاصمتهم القسطنطينية، كما تعني بذات الوقت نهاية لسيادتهم البحرية على البحر المتوسط وإضعاف وجودهم السياسي والتجاري بذات الوقت .

ان انطلاق اي قوات بحرية اسلامية باتجاه جزر البحر المتوسط وبالذات صقلية، سيؤثر على أمن وسلامة السواحل العربية الاسلامية في شمال افريقيا، فهي تقع في وسط البحر المتوسط او بحر المغرب كما تسميه بعض المصادر العربية، حيث ان السيطرة على صقلية كان معناه السيطرة على احد مفاتيح البحر المتوسط المهمة وعلى قسمه الاوسط بالذات، وبالتالي التحكم بالبحر المتوسط وخطوط مواصلاته، الامر الذي يجعل من صقلية حصناً منيعاً لحماية شمال افريقيا والمغرب، وفي نفس الوقت نقطة وثوب الى البر الايطالي القريب منها..

 

2-الامير احمد بن الحسن الكلبي (341هـ-359هـ/952م-969م): حكم لمدة (18) سنة وسارَ على نفس سياسة أبيه في ذكاءه وحسن تدبيره، وأحسن قيادة الدولة الفاطمية في صقلية سواء في سياسته الداخلية او الخارجية وأثبت بكفاءته العسكرية والادارية انه جدير بحكم هذه الجزيرة بإسم الفاطميين الاسماعيلية.

سياسته الداخلية:

في مجال السياسة الداخلية اتبع الامير الكلبي عدة اجراءات عززت من ثقة الخليفة الفاطمي به واثبت كفاءته عنده، فأراد احمد الكلبي أن يثبت ولاء الجزيرة للفاطميين فعمل على توثيق اواصر العلاقات بين وجوه الجزيرة - نفس سياسة والده - وبين الخليفة الفاطمي، فالخليفة المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م) كان من العارفين بصقلية، اذ انه سبق ان عاش فيها وتعلّم على يد علمائها، وكان يجيد عدة لغات منها الرومية واللاتينية والصقلية ولهجات البربر،فقد قدم من صقلية ومعه ثلاثون رجلاً من تلك الوجوه الى المعز الفاطمي بالمغرب، بعد ان أعلنوا دخولهم في المذهب الشيعي، وبايعوا المعز الفاطمي فخلع عليهم وأكرمهم وأغدق عليهم ثم عادوا الى صقلية.

وان كان البعض يرى بان هذه العناصر القلقة كانت تطلب لنفسها الزعامة، فتمكن احمد الكلبي بدهائه من تقريبهم من الخليفة واعلان ولائهم له واسترضاؤهم بالأموال.

سياسته الخارجية:

اما بالنسبة للوضع الخارجي فقد قاد أمراء الفاطميين في صقلية عدة حروب كان الغرض منها تطبيق سياسة التوسع للدولة الفاطمية في صقلية وجنوب ايطاليا، كما كان يهدف الى حماية الحدود العربية في حوض البحر المتوسط من هجمات الروم البيزنطيين فتمثلت سياسته بما يلي:

1-حروب احمد الكلبي مع الروم البيزنطيين: لم تنعم جزيرة صقلية بالاستقرار من جراء تهديد البيزنطيين لها في عهد المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م)، فقد قامت بها الحروب بين الجيوش الفاطمية وانصار البيزنطيين، ولما نقض الامبراطور البيزنطي قسطنطين السابع الصلح سنة (344هـ/955م)، غزا الامير احمد الكلبي - وهو الامير وقتها - مع اخيه عمار بن علي الكلبي وابيه الحسن الكلبي ايطاليا مرة اخرى، فقام عمار بن علي بمهاجمة مقاطعة قلورية (345هـ/956م) إلا ان قوة بيزنطية في هذه الاثناء استولت على مدينة ثرمة كما هددت مازر، وفي طريق عودة الاسطول الكلبي الى صقلية غرقت جميع سفنه وغرق احد قواده عمار بن علي الكلبي، فقام الحسن الكلبي بإنشاء اسطول آخر، واستمر هجوم احمد الكلبي على مقاطعة قلورية وواجه الاسطول البيزنطي في طارنت، وهاجمت قطع الاسطول العربي في ذات الوقت نابولي، ومع انها اخفقت في الاستيلاء على المدينة إلا انها أصابت مغانم كثيرة.

 2-سياسته مع أمويي الاندلس: اتخذ العداء بين صقلية الفاطمية والدولة الاموية في الاندلس صورة الصدام العسكري سنة ( 344هـ/955م)، فقد هاجمت سفينة اندلسية تابعة للخليفة الاموي عبد الرحمن الناصر (316-350هـ/928-961م) سفينة صقلية تابعة للامير احمد الكلبي تحمل رسولاً ورسائل من أمير صقلية احمد الكلبي الى المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م) واستولت على ما فيها من الرسائل واغرقوا السفينة، وربما تخوف الامير من أن تكون رسالة احمد الكلبي الى المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م)، تتضمن خطة هجوم نحو الاندلس هو الذي دفعه لخوض هذا العمل.

المعز الفاطمي لم يسكت عن هذا العمل فأمد احمد الكلبي بأسطول ليلحق بالسفينة الأموية وهاجم الأسطول مدينة المرية، وعادوا بعد ذلك الى مدينة المهدية، وكان احمد الكلبي لما وصل الى المرية، اقتحم الجيش الفاطمي -الكلبي- في صقلية مرساها واحرقوا جميع السفن الاندلسية الراسية فيه واستولوا على نفس السفينة الاندلسية الكبيرة السابقة الذكر، وكانت قد عادت من الاسكندرية محمّلة بما يخص الخليفة عبد الرحمن الناصر(316-350هـ/928-961م) ثم دخلوا المدينة نفسها ونهبوا وقتلوا وعادوا الى المهدية، وهذه المرة الاولى التي تهاجم فيها قوات صقلية فاطمية الاراضي الاندلسية.

ويعترف حسن ابراهيم حسن هنا بأن مهارة رجال الاسطول الفاطمي في المعارك البحرية هي التي ساعدتهم على تحقيق النصر في هذه المعركة، اما الخليفة الاموي الاندلسي عبد الرحمن الناصر لم يستسغ لقمة الهزيمة ولم يكن يريد إلا الانتقام من الفاطميين حتى ولو تطلب الامر التحالف مع اعداء الاسلام والمسلمين في سبيل تحقيق هدفهم هذه السياسة الميكافيلية التي اتبعها بنو اميه في المشرق، يتعبونها الان في اوروبا فتحالف عبد الرحمن الاموي مع الامبراطور البيزنطي قسطنطين، بعد أن بعث اليه برسالة يطلب منه فيها نصرته على الفاطميين وهذا ما كان ينتظره البيزنطيون العدو اللدود للفاطميين، وجاءت الفرصة لهم على طبق من ذهب فأسرعت أساطيل البيزنطيين من القسطنطينية الى شواطئ الاندلس وانضمت الى مراكب بني أميّة، وهنا حدث امر غريب حين ارسل الاسطول البيزنطي رسالة الى الفاطميين تتضمن رغبتهم في مهادنتهم فجمع  المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م)، أمراءه ليطلعهم على هذا الامر الخطير واخبرهم ان:" الروم سألوه عقد هدنة الى مدة طويلة على أن ينصرفوا عنه وقال لهم: ما ترون في ذلك؟ فقالوا: امير المؤمنين أعلى عيناً والذي نراه نحن مهادنة الروم فما علينا من ذلك ، وان نصرف وجوهنا الى هؤلاء بجملتنا، فقال: معاذ الله ما كنت بادئاً إلا بمَن بدأ الله عز وجل به، فهُم اقرب الينا وحسبنا استنصاراً بالله على هؤلاء الفسقة بني أمية استنصارهم بالمشركين اخوانهم في الدين علينا ودخولهم في جملتهم وكونهم في حزبهم، وكفاهم بذلك خزيةً وعاراً في دنياهم واخراهم....، ومفاد هذا الكلام ان بطانة المعز الفاطمي اشاروا عليه بمهادنة البيزنطيين اتقاءاً لشرهم حتى يتسنى لهم القضاء على الأمويين ولكنه رفض رأيهم واستشهد بآيات من القرآن الكريم موضحاً لهم ان البيزنطيين أولى بالقتال من الامويين لأنهم هم الكفار وحتى وان تحالف الامويين مع البيزنطيين اعداء الفاطميين في المشرق وصقلية.

وكانت الخطة الاموية البيزنطية تقضي بان يهاجم الامبراطور قسطنطين، الفاطميين في صقلية وافريقيا من الشرق وعبد الرحمن الناصر (316-350هـ/928-961م) يهاجم من الغرب. وأقبل اسطول الروم فلقي اسطول المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م) وجاء اسطول بني امية لميعاد المشركين ثم دارت المعركة بين هؤلاء الفاطميين في صقلية بحراً ثم براً في مسينا فحقق فاطميو صقلية النصر وهزموا أعدائهم المجتمعين عليهم وقتلوا منهم الكثير، فهربوا الى مجاز ريه - اي مجاز مسينا الفاصل بين صقلية ومقاطعة قلورية بجنوب ايطاليا -ليحموا بلادهم، فاتبعتهم القوات الفاطمية الصقلية وقابلتهم في البحر وهزمتهم مرة اخرى ونزلت القوات الفاطمية الصقلية في ارض العدو وأثخنت فيهم القتل، اما  اسطول بني امية بعد ان مني بهزيمة ساحقة توجه الى بعض مراسي المغرب وتصوّرَ بأنها خالية وقليلة العدد، لأنه كان يريد ان يحقق ولو نصراً بسيطاً يرجع به الى الامير الاموي بتحقيق نصر على الفاطميين، ولكن اهالي تلك الناحية خرجوا لهم بالمرصاد وقتلوا من الاسطول الاموي الكثير فهزموهم فهربوا الى البحر فمات في البحر اكثر مما قاتلوه وغنموا ما كان معهم من السلاح وجاءت الى اسماع من بقي من الامويين خبر انهزام الروم فانصرفوا منكوبين خاسرين، وهكذا اخفق الامويين والبزنطيين مجتمعين في الحاق الهزيمة بالفاطميين ولم يجد البيزنطيين أمامهم سوى ان يطلبوا الصلح مع الفاطميين رغبة في الحفاظ على سلطانهم المهدد في جنوب ايطاليا- قلورية.

إن النشاط البحري الفاطمي ضد الروم يقودنا إلى أن ندرك، بأن الفاطميين امتلكوا أسطولاً ضخماً قادوا بواسطته حركة الجهاد في الحوض الغربي من البحر الأبيض المتوسط طيلة القرن (4هـ/10م) ولمدى نحو خمسين سنة انتهت بمعركتي رمطة والمجاز الحاسمتين، وكانت من آثارها الايجابية على المسلمين في صقلية، تمتع  صقلية وقلورية لفترة طويلة بالاستقرار في إطار التبعية السياسية للفاطميين وولاتهم الكلبيين، وبقاء النصارى  في قلورية وانكبرده على دينهم مقابل دفع الجزية، فضلاً عن ان الهزيمة التي لحقت بالروم أدت إلى انسحابهم من قلورية وانكبرده ومجالهما البحري، وأيضا كانت من نتائجها المهمة أن أثبتت البحرية الفاطمية وجودها وشخصيتها القوية حتى أصبحت تسيطر على مراكز مهمة وحيوية من الحوض الغربي من البحر الأبيض المتوسط طيلة القرن الرابع الهجري، حتى ان الرومان لم تستطع أساطيلهم التغلب على الأساطيل الفاطمية طول هذه المدة ولم يستطيعوا السيطرة على صقلية قبل نهاية القرن (5هـ/11م) بالفتح الروماني.

ولكن لماذا عقد الفاطميين اتفاقات مع الروم البيزنطيين رغم ان البحرية الفاطمية الكلبية كانت تسيطر على المنطقة؟ ولمَ رفضت الدولة الفاطمية عقد الاتفاقيات مع  الدولة الاموية في الاندلس؟.

للإجابة عن ذلك التساؤل يجب أن ندرك المخاطر التي كان يتعرض لها الأسطول الفاطمي والدولة الفاطمية بحد ذاتها والمتمثلة:

أولاً: الجبهة الاندلسية: في عهد الناصر الأموي (300-305هـ/912-917م) التي كانت تريد أن تصطاد في الماء العكر للفاطميين فهي لم تقدم جهودها أو تمد يد العون للخلافة الفاطمية ضد العدو المشترك البيزنطي بل نجد أن الخلفاء الأمويين في الاندلس كانوا يشتركون مع البيزنطيون ضد الأسطول والخلافة الفاطمية في مقابل الحصول على بعض الجزر وللقضاء على المدى البعيد على الخلافة الفاطمية، فبدل ان يتصالح الأمويون في الأندلس مع الفاطميين للتنسيق فيما بينهم ضد القوات البيزنطية في الحوض الغربي من المتوسط، أخذوا يعدون لهم الدسائس والمكائد، التي حالت دون توحيد جهود مسلمي المغرب والأندلس ضد العدو المشترك وهو البيزنطي.

ثانياً: كان الخلفاء الفاطميون في تلك الفترة يعدون العدة للتوسع ودخول الجيش الفاطمي مصر كخطوة أولى لإعلانها خلافة في الشرق، لاسيما وأن مصر كانت بوابة المشرق الإسلامي والمركز العباسي المتقدم. فمصر كانت هدفاً رئيساً للحركة الإسماعيلية من حيث إنه طريق بلاد الشام التي هي طريق إلى بلاد العراق مركز الخلافة العباسية.

ثالثاً: لم يتوقف الفاطميون في صقلية عن حركة الجهاد بل استمرت حركة الجهاد ومقاومة العدو البيزنطي طيلة فترة حكمهم منذ عهد الولاة العسكريين مرورا بحكم الكلبيين - ولاة الفاطميين وهم أول أسرة عربية ورثت الحكم في جزيرة صقلية واغلاق ثغورها.

ونشطت حركة الجهاد والعمران والثقافة والفكر فيها وفي ما جاورها أكثر من قرن بعد رحيل الفاطميين إلى مصر - لصقلية حتى نهاية الحكم العربي في صقلية، ليستخدم المعز لدين الله الفاطمي (341هـ-365هـ/952هـ-975م) هذه الأسرة  في الضغط على الروم في الجبهة الشرقية.

رابعاً: كان الخلفاء الفاطميون يجدون أن جهاد البيزنطيين واجباً عليهم فهم لم يطمعوا في أموال الصلح او هداية الإمبراطور البيزنطي بل كانوا يسعون لنشر الدين الإسلامي في ابعد اصقاع العالم فقد ورد إن المعز الفاطمي (341-365هـ/952-975م) بلغه يوماً ان احد قادته الذين بعثهم للتصدي للروم هاجم أحد معاقل البيزنطيين وحاصرهم حتى اشتد الامر عليهم فعرض له القائد البيزنطي أموالاً حتى يفك حصار جيشه فقبلها ذلك القائد فغضب المعز لدين الله لذلك غضباً شديداً وتوعد بعقابه اشد العقاب وقال:"إنا لم نخرج أولياءنا ونتعب فكرنا وننفق أموالنا لنطلب بذلك اموالاً نعتاضها، ولا أردنا بذلك متجراً بها ، وإنما أردنا بذلك إقامة حق الله في أرضه وأن يُعبد سبحانه فيها حق عبادته ويدان لطاعته كما أمر لأوليائه فأما المال، فعندنا بحمد الله منه مما خولناه وأصاره إلينا من وجهه وحقه وحله مالا حاجة بنا إليه...انما الحاجة والفائدة لنا اقامة ما استخدمنا الله ونصبنا له من الذب عن دينه وجهاد اعدائه والدعاء اليه واستنقاذ من جعلنا سبباً لاستنقاذه ونجاة من اقامنا لنجاته، ممن اراد اسعاده، واصطلام من اراد اصطلامه على ايدينا لشقوته، فلذلك نسعى وندأب..."

 

 

 

المرفقات

العودة إلى الأعلى