العنف الأسري.. نار تحرق نواة المجتمع

2019-12-18 13:17

تحقيق: عماد بعو

تحرير: صباح الطالقاني

تصاعدت حدّة العنف وتعددت أنواعه في كافة المجتمعات قديماً وحديثاً، ووضعت جميع الأديان السماوية محدِّدات للعنف ومواضع لاستخدامه كحالة الدفاع عن النفس او لإقامة العدل وإحقاق الحقوق، محذِّرةً في الوقت نفسه من الإفراط بالعنف او استخدامه لأغراض باطلة وشريرة.

ويعد العنف الأسري احد اكثر انواع العنف خطورة على الفرد والمجتمع لكونه يتعلق ببناء الأسرة التي يعتمد عليها الكيان المجتمعي بصورة عامة، فإن كان بنائها سليماً معافى فسنرى مجتمعاً متعايشاً متسامحاً خالياً من الامراض النفسية والظواهر الاجتماعية السيئة، والعكس بالعكس..

وحددت المرجعية الدينية العليا أنواع العنف وأشارت اليه في شتى المناسبات بالتحذير ووضع المعالَجات المناسبة لأنواعه وأشكاله، مؤكدة على العنف الأسري وخطورته، فقد عرّفه ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي" أنه الحالة التي يشيع فيها أسلوب التوبيخ والتأنيب والخشونة والقساوة والفضاضة في التعامل بين أفراد الأسرة او مع الابوين او بين الزوج والزوجة، وقد يحصل أحياناً اللجوء الى الضرب، وهذا ما لا يقبل به ديننا الحنيف".

مؤكداً أن" هناك قواعد وضوابط لاستخدام أسلوب التوبيخ والتأنيب داخل العائلة، بحيث يجب أن يسبق ذلك استخدام الأسلوب الحكيم واللين والرفق والاسلوب التربوي الذي يكون مؤثراً، أما أن يلجأ الزوج لأن يضرب زوجته او أفراد أسرته كأسلوب تربوي فهذا غير مقبول اسلامياً..

خطورة كبيرة على المجتمع

وذهبَ الشيخ أنصار الأسدي من قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية الى" ان دور التوعية الدينية مهم لمحاربة ظاهرة العنف الأسري، ووضع الحلول لها، لأن الشارع المقدس حرّمَ كافة أنواع وأساليب العنف والإضرار بالآخرين, لذا تجد فقهاء ومقنني الإسلام لا يجيزون التعامل مع الزوجة، أو الطفل بالعنف كالضرب، بل يعتبر ذلك مما يوجب حدّاً أو قصاصاً أو ديّة على الجاني، سواء أكان الولي أو غيره, نعم أجازوا ضرب الطفل للتأديب بشروط معينة ولخصوص الأب فقط.

وأضاف" يلاحظ أن حالة العنف الأسري التي كانت تُعاب بها الحضارة الغربية أصبحت موجودة في مجتمعاتنا المسلمة بنحو لا يمكن غض النظر عنها، ولا تجاهله، فقد تضخمت المشكلة، وتحولت في كثير من البلاد إلى ظاهرة مخيفة، ومشكلة مقلقة تستثير اهتمام المصلحين، وأصحاب الرأي لكي يتنادوا إلى علاجها, وأهم ما يلاحظ من هذا العنف، العنف ضد النساء، أي عنف الأزواج تجاه زوجاتهم.

وبيّن الأسدي ان" هناك حالات كثيرة بعضها يدخل ضمن أرقام الإحصاء، والأكثر لا يدخل ضمنها بسبب التستّر والتصبّر، ومع ذلك فالمقدار القليل الذي يطفو على السطح، ويصل إلى المحاكم، أو تنشره وسائل الإعلام هو شيء مخيف, فقد  يتصور بعض الأزواج أنه مادام قد امتلك زمام القوامة من جهة، وامتلك القدرة العضلية من جهة أخرى، فإن ذلك يبرر له اضطهاد، وضرب زوجته، أو أطفاله, ومع الأسف إننا نجد النساء تتحدث عن حالات كثيرة، أدنى ما يقال عنها أنها ظلم كبير, وقد يقوم الزوج بتهديد زوجته بالأذى والطلاق إن أخبرت أحداً بما تتعرض له.

واقترح الشيخ الأسدي طرقاً للقضاء على العنف الأسري منها:

١- توجيه الأشخاص نحو الصواب، وتكثيف الجهود للتحدّث مع الغير حول خطورة العنف الأسري في المجتمع، وتوفير حلول بديلة لهم لحل مشاكلهم عن طريق الإذاعات ووسائل التواصل، والقنوات الفضائية والمنابر والمساجد والحسينيات.

٢- الاهتمام الإعلامي المرئي، والمقروء بالقضية، وسبل حلها، وأسبابها، فكلما سلط الإعلام الضوء على قضية محددة بجميع نواحيها، كلما توفرت المزيد من الطرق لعلاج مختلف مشاكل العنف الأسري.

٣- التنشئة السلمية الإسلامية للأطفال، وتعليمهم، وتدريبهم على المعاملة الجيدة مع الجميع، وعدم حثهم وتشجيعهم على ممارسة العنف مع الآخرين سواء كانوا أطفالاً مثلهم أو كبارا، في المدارس، والمعاهد ومختلف مؤسسات التعليم.

٤- تجنب الممارسات العنفية أمام الأطفال في المجتمع ككل، ويجب على الأب، والأم تجنّب الشجار أمام الأطفال حتى لا يشعر الطفل بأن العنف شيء طبيعي في الحياة.

٥- لا يجوز معاقبة الطفل بعنف على أي تصرف غير مسؤول يصدر منه؛ لأنه سيتعلم إن هذا الأسلوب هو الأسلوب الأساسي للتعامل مع الأخطاء.

٦- إنشاء مراكز علمية ثقافية تُدار من متخصصين ورجال دين في معاجلة هذه الظواهر ووضع الحلول لها وبيان مخاطرها باستمرار من خلال لقاءاتهم مع الناس ومن خلال إصدارات إلكترونية أو ورقية توزع على الناس في هذا الصدد, وهذا ما يقوم به الجميع من رجال دين، ومثقفين ومؤسسات، وإعلاميين.

مؤكداً انه" لا يوجد زمان أو مكان محدد لهذا العنف، إنما له أسباب كثيرة، ونتائج سلبية كبيرة، ويمكن الحد منه من خلال مجموعة من الطرق تأتي عن تكاتف الجهات، والجماعات المختلفة, والعنف كما يكون من الفرد يكون من الجماعة، ومن الفقير، والغني، ومن المحكوم والحاكم, ولا شك أن الإسلام يحرّم كل أنواع العنف والتعدي على الآخرين، ويمنع من انتشاره في الأسرة والمجتمع، وينظر له نظرة اشمئزاز.

مبيناً" ولعل الامر الواضح، من التعاليم الاسلامية، ومبادئ الدين الاسلامي كما وردت في النصوص القرآنية الكريمة، والاحاديث النبوية الشريفة، واحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام، أن الاسلام يرفض العنف بأشكاله كافة، ويقف بالضد منه، فقد روي عن رسول الله أنه قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» وتشكل الحياة الأسرية لرسول الله صلى الله عليه واله منبعاً ثرًّا للكثير من الأخلاق والسلوكيات، التي ينبغي للإنسان المسلم أن يعيشها, وتتميز بعض تلك السلوكيات بأهمية خاصة في زماننا هذا، بالنظر إلى ما يتعرض إليه الكيان العائلي من تخريب وهدم، بواسطة العنف الأسري أو العنف داخل إطار الأسرة".

تأثيرات متعددة الجوانب

وعرّفت الاستشارية في مركز الارشاد الاسري في العتبة الحسينية زهراء التميمي العنف الأسري بأنه" جميع الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة وتلحق ضرراً مادياً او معنوياً أو كليهما، ويعني بالتحديد، الضرب بأنواعه وحبس الحرية والحرمان من حاجات أساسية والإرغام على القيام بفعل ضد رغبة الفرد والتسبب في أذى او كسور أو جروح.  

وأضافت" نظراً لأهمية الأسرة التي تنبع من كونها نواة المجتمع, فإن اي تهديد سيوجه نحوها (العنف الأسري نموذجاً) سيؤدي بالنهاية الى تفكك الأسرة أولاً ثم تهديد كيان المجتمع بأسره، ويتضح ذلك من خلال اثر العنف الذي لا يتوقف في حدود الفرد، ولا يشمل اسرته الحالية فحسب بل قد يتحول العنف على مستوى اسرته مستقبلاً متخذاً اسلوب اسرته كما كانت تعامله مسبقاً.

وأشارت الى أن تأثير العنف" يظهر من الناحية النفسية، إذ له تأثير خطير على الوظائف النفسية، مثل:

آثاره على الأطفال: فهو يطبعه بطابع العنف كأسلوب من أساليب الحلول للمشكلات التي تواجهه في حياته، وذلك ينعكس سلباً على مختلف حالاته وربما تكون عاملاً من عوامل الفشل في مستقبله. كما ويطبعه بطابع البغض تجاه من يعنفه من اسرته، ولاسيما عندما لا يستوعب دوافع القسوة تجاهه، ومن جهة أخرى يخلق في داخله عامل الخوف والرهبة من الآخرين.

وتابعت التميمي" يعاني الأطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة والإهمال كثيراً من المشكلات النفسية مثل الكوابيس المتكررة والقلق ومستويات مرتفعة من الغضب والعدوان والشعور بالذنب والألم لكونهم أصبحوا ضحايا للإساءة, كما تظهر لديهم المخاوف المرضية بشكل مفاجئ مثل الخوف من الظلام, كما تظهر لديهم اعراض عدة مثل انخفاض تقدير الذات والثقة بالنفس وتكوين صورة سلبية عن الذات تبدأ في الطفولة وتستمر مع الطفل الضحية طوال حياته.

آثاره على الأزواج: تتمثل الإساءة النفسية/ الانفعالية بالنسبة للزوجة في التهديد اللفظي وغير اللفظي بالعنف ضد المرأة من قبل الزوج وبالعكس، ويشير الى النقد الدائم وتحطيم نسق الاعتقادات الشخصية لدى الزوج/ الزوجة، والتهديد بالأذى، والإساءة الى الأطفال، وعادة ما تكون الإساءة الانفعالية مقترنة بالإساءة الجسمية، أو تستخدم بمفردها كطريقة لتحقيق التحكم والسيطرة على الضحية, ويُعد العنف المعنوي النفسي من أخطر أنواع العنف، فهو غير محسوس وبلا أثر واضح للعيان، وهو شائع في جميع المجتمعات غنية أو فقيرة متقدمة أو نامية، وله آثار على الصحة النفسية للمرأة، وتكمن خطورته بأن القانون قد لا يعترف به، كما ويصعب اثباته.

وأكدت" أن مشكلة الفقر هي سبب أغلب مشاكل المجتمع وبالتالي فالفقر سبب أساسي للعنف الاسري الذي يحدث بين افراد الاسرة او بين الزوجين او بين الوالدين والاولاد،  لذلك من الضرورة توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة وزيادة الوعي المجتمعي والاسري ودعم حملات تنظيم الأسرة، ومحو الأمية, وتوفير الرخاء الاقتصادي للأسرة للتخلص من آثار مسببات العنف الاسري, وكذلك ضعف الاقتصاد، وانتشار الفقر والبطالة، وعدم توافر فرص العمل يسبب الشعور باليأس، وتدنّي الوضع الاقتصادي للأسرة مع ازدياد عدد أفرادها يؤدّي إلى تفشّي العنف كوسيلة لحلّ المشكلات  التي تخص الأسرة.

أسباب ظاهرة وأخرى مخفية

وكشفت الاستشارية علياء الصافي" ان من أسباب انتشار العنف الأسري اجتماعياً ونفسياً هو ضعف الوازع الديني الذي له أثر كبير في حسن التعامل والمعاشرة بالمعروف داخل العائلة، فالشخص الذي يخشى الله تعالى، تكون تصرفاته وسلوكياته منضبطة وبعيدة عن حالات الانفلات السلوكي، أما الشخص الذي ليس لديه وازع ديني فانه قد يرتكب أعظم الجرائم  والموبقات حتى ضد أفراد أسرته.

وأضافت" من جملة الأسباب الاخرى للعنف هي تعاطي الكحول والمخدرات التي تجعل الانسان يفقد عقله ويختل  توازنه، وبالتالي فهو يتصرف بصورة غير سوية، ويثور لأتفه الأسباب، ويصب غضبه على عائلته وأسرته، فضلاً عن دور الأمراض النفسية الناشئة عن ضغوطات الحياة والمشاكل المتنوعة، فإذا ما أصيب الزوج او الزوجة بأحد الأمراض النفسية او العقد الداخلية فان الحياة الزوجية  تبدأ بالانتكاس ويحل العنف محل التفاهم لمواجهة تلك المشاكل".

وبيّنت الصافي" ان كثرة الضغوط والانفعالات والبطالة وعدم القدرة على العمل وزيادة العبء  الى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة، قد تؤدي بالرجل الى الشعور بالفشل في إشباع حاجاته وتحقيق أهدافه وبالتالي لجوئه الى العنف.

وختمت الصافي" تسود لدينا بعض العادات والتقاليد الاجتماعية الخاطئة، ومنها أن يتجه بعض الأزواج لاستخدام العنف ضد الزوجة وربما كامل أفراد أسرته، لإثبات انه الرجل المسيطر والمتسلط على أفراد أسرته! 

حلول ممكنة التحقيق..

الاستشارية ضحى العوادي أفادت" ان هناك بعض الحلول الواقعية لمشكلة العنف الأسري، وخصوصاً العنف بين الزوجين، ومنها، وجود الحكمة والنضج لدى الزوجين حيث تمنع هذه الأمور ظهور العنف او تحد منه إن ظهر في مواقف حرجة قد تمرّ بها أية أسرة.

وأضافت" ان اشاعة المودة لها دور كبير في استقرار الحياة العائلية، فالمنزل الذي تسوده أجواء المودة والتعاطف والتراحم يكون منزلاً يتخرج منه أفراد أسوياء، أما المنزل الذي تسوده اجواء الاضطراب والعنف فأنه سيخرج أفراداً مضطربين، لذلك فإن تلاحم الاسرة فيما بينها امر ضروري، وتبادل المحبة بين الزوجين احد العناصر النفسية الهامة التي تلعب دوراً أساسياً على صعيد تفاهم الزوجين واستقرار الاسرة ومستقبلها".

وبيّنت العوادي" ان إتباع منهج التسامح مهم جداً، فطبيعة الانسان انه يصيب ويخطئ، وقد يخطأ احد الزوجين بحق الآخر ولكي لا يتحول الخطأ الى مشاجرات وشرخ في العائلة عليهما إتباع منهج التسامح والعفو واللين، والتغاضي عن صغائر الامور، وألا يتحول أي خطأ او سوء فهم او مشكلة صغيرة الى عامل مساعد في استخدام اساليب عنيفة في الحياة الزوجية مما يؤدي الى الإضرار بكيان العائلة كلها.

وختمت العوادي" يقول الإمام الصادق عليه السلام (ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه، وسعيدة سعيدة امرأة تكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله).

قوانين تحد من العنف

الناطق الرسمي لمحكمة كربلاء الاتحادية القاضي محمد ميري جبار، أفاد ان" المحاكم العراقية والمحكمة المعنية تقوم بواجبها في اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي حالة تخص العنف الاسري، وأن محكمة التحقيق المختصة والقاضي المختص يسند الواقعة القانونية استنادا الى المواد القانونية والعقوبات، فإذا كانت الجريمة المرتكبة هي جناية او جنحة فتكون المواد القانونية واجبة التطبيق وفق الواقعة الجرمية، فإن كانت جنحة يتخذ قاضي التحقيق الاجراءات وفق المواد (413) او الايذاء البسيط (415) واذا ما كانت من جرائم التهديد تتخذ الإجراءات وفق القانونين (433-434).

موضحاً" لا يوجد قانون خاص يتعلق بالعنف الاسري، وانما هناك مكاتب في اروقة رئاسات استئناف في العراق ومكاتب خاصة وقاضي مختص، يُسمّى للنظر بقضايا العنف الأسري، أما اذا أعقبَ العنف انتهاء الحياة الزوجية بين الزوجين فإن محكمة التحقيق تعتبر العنف جريمة من الجرائم التي تخرج عن نطاق العنف الاسري وتكون أمام مراكز الشرطة او أمام مكاتب التحقيق الاعتيادية.

دور منظّمات المجتمع المدني

المنسّق العام لمنظمة مراقبة حقوق الانسان العراقية احمد الموسوي أوضح"  ان دور منظمات المجتمع المدني هو تشخيص المشاكل المجتمعية، ومن ضمن هذه المشاكل هو ازدياد العنف الاسري الذي يشمل الاطفال والنساء، مع ملاحظة عدم وجود قانون خاص بالعنف الاسري مع الأسف.

أضاف الموسوي" لقد صادقَ العراق على اتفاقية مناهضة التعذيب ضد المرأة والطفل، ولكن حتى الآن لم نرَ قانوناً لحماية الطفل والأسرة، وهذا يعد تناقضاً بين قبول الاتفاقيات الدولية والاشتراك فيها وبين عدم وجود آليات تطبيق أهداف هذه الاتفاقيات، ونحن كمنظمات مجتمع مدني نلاحظ ان العنف الأسري قد امتد ليأخذ حيزاً واسعاً من أسباب حالات الطلاق في البلاد ونعمل جاهدين على التنبيه لمخاطر هذه الحالة".

وبيّن" ان مهمة المجتمع المدني الحصول على احصائيات واقعية حول العنف الأسري والتنبيه لمخاطره، وبيان أسباب تفشّي هذا النوع من العنف الذي غالباً ما تكون أسبابه اقتصادية واجتماعية ومتعلقات أخرى خاصة بالأعراف والتقاليد..

المطلوب مسار ثقافي ديني متوازي

رئيسة منظمة (الصداري البيضاء) مجتمع مدني، الدكتورة مروة سالم هادي أفادت" ان هناك قوانين وإجراءات تحمي المرأة والرجل على السواء من حالات العنف الأسري، ولكنها غير مفعّلة بشكل مؤثر، لأسباب عديدة منها الخشية من الأعراف والتقاليد او خوف المرأة على مستقبلها ومستقبل أبنائها..

مضيفةً" يجب أن يكون هناك مسار ثقافي ديني إعلامي متوازي فيما يخص الجهود المبذولة لمواجهة العنف الأسري، وإلا فالطريق طويل أمام مكافحة ظاهرة العنف الأسري خاصة وانه امتدَ على نطاق واسع بين الزيجات الحديثة، وأفرز حالات طلاق للعديد من الشباب المتزوج حديثاً.

دور الإعلام

وتحدثَ رئيس المركز العراقي لحرية الإعلام حيدر عباس الطاهر، عن دور الإعلام في معالجة هذه الظاهرة قائلاً" ان العنف الاسري حالة تجدها في كل المجتمعات ولا يستطيع احد أن يستثني مجتمع منها سواء كان المجتمعات الغربية او مجتمعات العالم الثالث ومن بينها المجتمعات العربية والاسلامية، ولكن هذه الظاهرة تختلف في نسبتها وطبيعتها فالعنف الاسري بشكل عام يكون بشكل قليل في الدول الاوربية والغربية عنه في دول الفقيرة والمتخلفة لوجود قوانين صارمة تحكم العلاقة بين الأزواج وأفراد الأسرة.

وأضاف" ان نتائج العنف الأسري خطيرة على البناء الاساسي للمجتمعات لأنه يضرب اهم عنصر في هيكل بناء المجتمع وهو الاسرة لكون الاسرة هي النواة الاساسية التي ينبثق منها المجتمع، فإذا كانت هذه النواة تتمتع بنوع من الاستقرار والعلاقات العائلية الطبيعية التي تجد فيها العدل والاحترام فأنها ستكون خلية سليمة تنمو في جسد المجتمع، والعكس بالعكس.

وبيّن الطاهر" أنا أؤمن بمقولة الوقاية خير من العلاج، ومن هنا يجب أن ننطلق لوقاية المجتمع وإبعاد الأسرة والنسيج الاسري عن الأسباب والمسببات لظاهرة العنف الاسري، وذلك عن طريق التركيز على القيم الاسلامية التي عالجت هذه الظاهرة بشكل رائع لم أجده في كل الديانات، فشواهد القرآن الكريم كثيرة في الحث على تكريم الوالدين ورعايتهما والحث على رعاية الأبناء وحسن معاملة الزوجة، والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة وسيرة آل البيت الأطهار تشير الى هذه المسألة، ويمكن لنا كمجتمعات إسلامية أن نجعل من هذه التوجيهات والتعاليم التي تمثل ثروة فكرية خارطة طريق لتوجيه المجتمع بشكل سليم وصحيح.

مؤكداً" ان دوافع العنف الأسري تختلف بين مجتمع وآخر بالنوع والكم، فهناك مجتمعات متطورة او فقيرة متدينة او غير متدينة مضطهدة او حرة، مثقفة او متخلفة، كل هذه حالات وصفات تحتم نوع وكم العنف الذي يعانيه المجتمع، ويعد العنف الذي يتعرض له الطفل من أسوأ وأخطر أنواع التعنيف، كونه يدمر جيل جديد مهيأ لاستلام المسؤولية في استمرارية المجتمعات فأي تأثير يتعرض له هذا الطفل من حرمان او قسوة او تهديم للقيم العليا له ستكون نتائجه وخيمة على الاسرة نفسها، وكذلك يتعدى خطره الى المجتمع الذي سيكون فريسة له في النيل منه للحصول على ما عاناه من حرمان وظلم واضطهاد..

وختم الطاهر" ان الحد من العنف الاسري هو هدف صعب المنال لكن يمكن الحد منه بشكل كبير من خلال تضافر جهود الآباء ومؤسسات التعليم والدولة بكل مؤسساتها، وخاصة تشريعاتها وقوانينها، وكذلك الإعلام والمجتمع المدني إضافة الى المؤسسة الدينية ودورها في إظهار الوجه الحقيقي للقيم الاسلامية.

العودة إلى الأعلى