الإمام الكاظم (عليه السلام).. القرآن الناطق
من أهم ما واجهه الإمام الكاظم (عليه السلام) في فترة إمامته هو محاولات الخلفاء العباسيين لتحريف الدين، وزرع الشبهات حول القرآن، وإطلاق الأحكام الخاطئة والتأويلات الباطلة على الآيات الكريمة، ودعم الحركات والتيارات المنحرفة والمعادية للشيعة، كما حاولوا تبرير سياستهم الفاسدة وأعمالهم المخزية بهذا التحريف كما فعل المهدي والهادي والرشيد العباسي
من هذه المحاولات التي أراد العباسيون تبرير مفاسدهم بها، أن الخليفة المهدي العباسي سأل الإمام (عليه السلام) عن حكم الخمر، وهل هي محرّمة في القرآن أم لا ؟.
لقد حاول المهدي من خلال سؤاله هذا أن يثير شبهة حول هذا الأمر، وأن يجد من الإمام قولاً يوافق قوله لكي يُسكت الألسن التي ضجّت بسياسته، فقال له: فإنّ الناس إنّما يعرفون النهي عنها، ولا يعرفون التحريم ؟
كانت محاولة منه لعله يجد تساهلاً من الإمام في الدين كما وجده عند وعاظ السلاطين من المتقوِّتين على سحت موائده لكي يشهر ذلك وينتقص من الإمام (ع) لكن جواب الإمام كان واضحاً
ــ بل هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجل.
لم يعهد المهدي أن اعترض أحد على أفعاله بل لم يجرؤ على أي إنسان الاعتراض عليه وانتقاده من قبل حاشيته وجلسائه، بل أصبحت كل المعاصي والكبائر التي يرتكبها من المباحات! بل من المستحبات التي يثاب عليها! كما في حادثة غياث بن إبراهيم التميمي وهو أحد أفراد حاشيته المتزلفين ووعاظ السلاطين
فقد دخل عليه يوماً فوجده يمارس هوايته التي عُرف بها وهي اللهو بالحمام فذكر حديث النبي (ص): (لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر) ولكنه أضاف عليها رابعة وهي (أو جناح) ولم يتورّع عن تحريف حديث النبي (ص) فضحك المهدي وأكرمه !!
ورغم أن النبي قد حرم هذه الرابعة كما في كثير من الأحاديث منها قوله (ص): الحمامات الطيارات حاشية المنافقين. ومنها عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قوله: إن النبي (ص) رأى رجلاً يرسل طيراً، فقال: شيطان يتبع شيطاناً. إلا أن الخليفة عندما يهوى اللهو بالحمام فعلى فقهاء السلطة أن يجيزوه له ! بل يحبذوه
لكن الأمر هنا اختلف تماماً مع الإمام الكاظم (ع)
ذهل المهدي لهذا الجواب الواثق وقال
ــ في أي موضع هي محرّمة في كتاب الله عزّ وجل يا أبا الحسن ؟
فقال الإمام (ع): في قول الله عزّ وجل: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
ثم بدأ (ع) يفسّر الآية من مظانها ومن منبعها الصحيح فهو (ع) أعلم الناس بالقرآن بل هو القرآن الناطق فقال: فأمّا قوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية
وأمّا قوله عزّ وجل: (وَمَا بَطَنَ) يعني ما نكح الآباء، لأنّ الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (ص) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها، تزوّجها ابنه الأكبر من بعده إذا لم تكن أمّه، فحرّم الله عزّ وجل ذلك
وأمّا (الإِثْمَ) فإنّها الخمرة بعينها، وقد قال الله تعالى في موضع آخر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، فأمّا الإثم الذي ذكر إنه حرام في كتاب الله فهو الخمر والميسر، فإثمهما كبير، كما قال عزّ وجل بشكل صريح وعليه فالخمر محرم في القرآن.
دهش المهدي وهو يستمع هذا الاستدلال ولم يدر ما يقول فتدارك الموقف وقال لعلي بن يقطين وكان حاضرا
ــ يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية.
وقد سمّاها هاشمية لكي يتوسّع في رقعة النسب فيقحم بني العباس ونفسه فيها وعدم حصرها في العلويين