سراديب النجف.. عالم آخر
كلمة سرداب في اللغة العربية تعني البناء في باطن الارض، او تحت مستوى الارض الطبيعية وجمعها (سراديب) وجاء في معجم الوسيط للمعاني (السرداب عند الجنود هو القبو الذي يحمي العسكر من القنابل والسرداب في البيوت هو البناء في باطن الارض يحمي الناس من الحر في الصيف والسرداب في الطرق هو النفق الذي تسير فيه السيارات تحت الارض الطبيعية او مواقف السيارات وفي المقابر فان المدفن السردابي هو غرف في باطن الارض وممرات وفجوات لدفن الموتى).
وتعدَّ سراديب النجف من المعالم الحضرية التي اشتهرت بها مدينة النجف الاشرف الواقعة وسط العراق، وقد وصفها الكثير من الرحالة ومنهم الاديب العربي (عبد الوهاب عزام) في كتابه الذي صدر عام 1930م "بانها اعجوبة ناطقة بذكاء اهل النجف ونشاطهم وجدهم وهي مأواهم في الصيف لا محيص عنها والنجف تقع في صحراء جرداء شديدة الحر وفي النهار يهبط الناس جميعا الى هذه السراديب فيجدون مكانا اخر بارد الهواء".
ونحن اذ نتكلم عن السراديب في النجف لربما لا نتطرق الى السرداب ذي الطبقة الواحدة الذي قد يعدُّ اعتياديا في مناطق اخرى مختلفة وانما نتكلم عن سراديب متوسط عمقها عشرون مترا وقد تصل قسم منها الى 27 مترا متكونة من ثلاثة طوابق (سراديب) تحت الارض وهي التي تعرف عند العامة بسراديب النجف.
ومن وجهة النظر الجيولوجية وحسب ما يذكر المختصون ان مدينة النجف الاشرف وفرت اركان اساسية لبناء مساكن تحت الارض تسمى السراديب وهذه الاركان او الاسس ترتبط بطبيعة تربة النجف وخصائص الصخور التي تغطيها تلك التربة بالإضافة الى الطبيعة الهيدروجيولوجية الخاصة بهضبة النجف، وهذا ما ذكره الدكتور الجيولوجي المرحوم (موسى العطية) في كتابه ارض النجف.
كما يذكر ايضا ان الدبدبة جاء تكوينها على رقعة مدينة النجف نتيجة تعاقب طبقات رملية مختلفة السماكات ومتباينة التماسك والصلابة لذا يعدّ هذا النوع من الصخور ملائما لإنشاء فضاءات تحت الارض وبأبعاد مختلفة وبأسلوب الحفر اليدوي وبدرجة معقولة من السلامة والامان خلال عملية التشييد او الاستخدام الذي يتم بعد استكمال عملية الحفر, حيث ان بناء الجدران والسقوف بواسطة الطابوق وفق الاساليب الفنية المعروفة محليا التي اشتهر بها قدماء العراقيين وخاصة في بناء السقوف المقوسة.
وتصنّف سراديب النجف الى اصناف عدة ولها مسمياتها الخاصة معروفة لدى النجفيين وهي:
- السرداب الارضي الذي يبلغ عمقه (6) امتار ويخترق الطبقة الاولى من هضبة النجف.
- سرداب نصف السن الذي يلي السرداب الارضي ويبلغ عمقه حوالي (11) مترا ويصل الى طبقة الهصهاص المتكونة من رمال متماسكة ويكون ضمن الطبقتين الاولى والثانية.
- سرداب السن هو الذي يصل الى الطبقة الرابعة وهو سن القرص ومعدل عمقه حوالي (14) مترا.
- سرداب سنّ الطار وهو نادر في بيوت النجفيين حيث يبلغ عمقه (18) مترا ليصل الى الطبقة السادسة من هضبة النجف مخترقاً طبقة رأس الطار.
وسراديب النجف تحوي على نظام تهوية خاص يساعد على تكييف الهواء لذلك يجعلها صالحا للاستخدام المعيشي وهي عبارة عن شبكة من الممرات الهوائية الجدارية التي تُعرف محليا (البادكير) وترتبط هذه السراديب بطبقاتها الاربعة مع فناء الدار الداخلية بواسطة سلالم مريحة.
ان استخدام السراديب عند اهل النجف يكون للمعيشة في الصيف إذ تصل درجة الحرارة فيها الى 15 درجة مئوية وكذلك تستخدم كبراد للأطعمة والاشربة طوال العام.
كما استُخدمت هذه السراديب في فترات مختلفة من حياة النجفيين كأسلوب حماية وتخفي من الغزوات وملاحقة المستعمرين والظالمين، أما اليوم فان وجود السراديب في النجف صار نادرا جدا.
ارشد رؤوف قسام