كربلاء في الشعر العربي (1001)

: محمد طاهر الصفار 2024-10-13 11:39:54

كنا قد بدأنا هذه الموسوعة (كربلاء في الشعر العربي)، قبل خمس سنوات على موقع العتبة الحسينية المقدسة، وقد نشرنا فيها (1000) موضوع لشعراء ذكروا كربلاء من مختلف العصور والبلدان مع ذكر تراجمهم وشعرهم ونواصل هنا ما بدأناه في عرض هذه المواضيع ابتداء من العدد (1001)  

كربلاء في الشعر العربي رقم (1001)

ناهض بن محمد الأندلسي  (توفي 615 هـ / 1218 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (16) بيتاً:

أبـكي قتيلَ (الطفِّ) فرعَ نـبيِّنا     أكـرمْ بـفـرعٍ لـلنبـــــــوّةِ زاكِ

ويـــلٌ لـقومٍ غـادروه مضرَّجاً      بدمائه نــــضواً صريـعَ شكاكِ

مـتـعـفّـراً قـد مُـزَّقــتْ أشـلاؤه     فـريــــــــاً بـكـلِّ مـهـنَّـدٍ فـتّاكِ (1)

الشاعر

ناهض بن محمد الأندلسي ذكره المقري بعد أن أورد طائفة من أشعار صفوان بن إدريس التجيبي في رثاء الإمام الحسين قائلاً: (وقد تذكرت هنا قول ناهض بن محمد الأندلسي الوادي آشي في رثاء الإمام الحسين رضي الله عنه) ولم يذكر شيئاً عن أحواله وحياته أو آثاره الأدبية ولكنه أرخ وفاته قائلاً: (وتوفي ناهض المذكور بوادي آش سنة 615 هـ) (2)

ووادي آش مدينة أندلسية صغيرة قرب غرناطة، ومن المعاقل الإسلامية التي صمدت طويلا أمام الزحف الإسباني، ولم تسقط إلا قبيل سقوط غرناطة بسنوات قليلة (3)

ونسبت القصيدة في بعض المصادر لأبي بحر صفوان المرسي (4) وسبب هذا الخلط أن المقري ذكر القصيدة ضمن مراثي الحسين في ترجمة صفوان فقال: وقد تذكرت هنا قول ناهض بن محمد الأندلسي الوادي آشي في رثاء الحسين رضي الله تعالى عه....

يقول الدكتور كاظم عبد نتيش الخفاجي ومن شعراء التشيع في الأندلس الذين رثوا الإمام الحسين (عليه السلام) الشاعر ناهض بن محمد الوادي آشي كان معاصرا للشاعر أبي بحر صفوان بن إدريس، ثم ينقل عن عبد السلام الهراس فيقول

ويصف الهراس رثاءه للإمام الحسين عليه السلام بالقول

رثى الحسين رثاء يفيض بالأسى وينبض بالصدق والوفاء، ولعل للرجل قصائد متعددة في الموضوع ولعله لم يقتصر على رثاء الحسين دون الحسن عليهما السلام وغيره من أهل البيت الذين لقوا مصرعهم على يد أعدائهم لأن هذا الموضوع كما قلنا موضوع العصر يتنافس فيه الأدباء والشعراء والمؤلفون، ولكننا لا نملك إلا قصيدة واحدة وأبياتاً احتفظ لنا بها المقري، وهذه القصيدة اختار لها الشاعر إطاراً فنياً أضفى عليها ظلالاً من الأسى وشحنها بأنغام حزينة ملتاعة، فقد استهلها بخطاب موجه إلى حمامة رمز الألم والحزن لدى الشعراء (5)

وذكر الدكتور عبد الامير عبد الزهرة عناد الغزالي إن كلا من الهراس وصاحب دائرة المعارف الشيعية قد ذكروا هذه القصيدة ولكنهما نسباها لأبي بحر صفوان بن إدريس وعند تتبعنا للمضان والمصادر القديمة وجدنا بأن المقري في نفح الطيب ذكرها كاملة وقد نسبها لقائلها ناهض بن محمد..) (6)

وفي الحقيقة أن الهراس لم ينسب القصيدة لصفوان بل عقد مقارنة بين قصيدتي صفوان والوادي آشي فاشتبه الغزالي بأنه نسبها لصفوان كما يقول الخفاجي: (فالدكتور الهراس نسب القصيدة إلى شاعرها ناهض بن محمد الوادي آشي ولعل الأمر اختلط على الغزالي من خلال المقارنة التي عقدها الهراس بين قصيدة الشاعر صفوان بن إدريس في رثاء الإمام الحسين عليه السلام والقصيدة المذكورة للشاعر ناهض بن محمد الوادي آشي، لكونهما يشتركان بما فيهما من لوعة وأسى، وفي ذلك يقول:

وتشترك هذه القصيدة مع القصيدة الثانية لصفوان بن إدريس في البكاء الحار على الحسين عليه السلام في الحملة على قتلته وبخاصة يزيد وعبيد الله بن زياد وقد أبرز ــ بإلحاح وعناية ــ بعض مشاهد المأساة التي تفجر الآلام والدموع وتملأ النفس حقداً على القتلة، وإن كان صفوان أكثر استرسالاً وتنويعاً في تقديمه لتلك المشاهد بطريقة فنية بارعة غير مباشرة، لكن ناهضاً عمد إلى طريقة أخرى ــ وإن كانت مطرقة في أدبنا العربي ــ فعرض علينا المشهد الأول ــ المقدمة ــ يستعرض فيها سمات الحزن الصادق ومظاهر الألم العميق التي تجردت الحمامة منها ليصل إلى أن شكواه لا عهد لها بها في أغزر آلاماً وأحزاناً، لأنه يبكي قتيل الطف وفرع نبينا صلى الله عليه (وآله) وسلك وكفى بذلك حزنا واكتئاباً) (7)

ويقول الكرباسي: (القصيدة لناهض بن محمد الأندلسي المتوفى عام 615 هـ قالها في رثاء الأمام الحسين عليه السلام وقد ذكر شبر أنها لصفوان بن أدريس المرسي المتوفى سنة 598 هـ حيث خلط بين شعر صفوان وناهض . ولعل الخلط جاء من كتاب النفح حيث ذكرهما معا) (8)

يقول الوادي آشي في قصيدته:

أمرّنةٌ سجــــــــــــعتْ بـعودِ أراكِ     قولي مولّهة عــــــــلامَ بكاكِ

أجــــــــــفاكِ إلفكِ أمْ بُـليتِ بفرقةٍ     أمْ لاحَ برقٌ بــالحمى فشجاكِ

لو كانَ حقاً ما ادَّعيتِ مِن الجوى     يوماً لما طرقَ الجفونَ كراكِ

أو كانَ لوعكِ بالفـــــراقِ إذنْ لما     ضنَّتْ بمـــــاءِ جفونِها عيناكِ

ولما ألفتِ الروضَ يـــأرجُ عرفُه     وجعلــــتِ بين فروعِه مغناكِ

ولما اتخذتِ من الغصـونِ منصّةً     ولمـــــا بدتْ مخضوبةً كفاكِ

ولما ارتديتِ الريشَ بـرداً معلماً     ونظمتِ مِن قزحٍ سلوكَ طلاكِ

لو كنتِ مثلي ما أفقـتِ من البكا     لا تحسبي شكوايَ مِن شـكواكِ

إيهٍ حمامةُ خبِّريني إنــــــــــــني     أبكي الحسينَ وأنتِ ما أبــكاكِ

أبـكي قتيلَ (الطفِّ) فرعَ نـــبيِّنا     أكـرمْ بـفـرعٍ لـلنبــــــــوّةِ زاكِ

ويـــلٌ لـقومٍ غـادروه مضــرَّجاً     بدمائه نــــضواً صـريـعَ شكاكِ

مـتـعـفّـراً قـد مُـزَّقــتْ أشــلاؤه     فـريــــــــاً بـكـلِّ مـهـــنَّـدٍ فـتّاكِ

أيزيـــدُ لو راعيـتَ حرمةَ جـدِّهِ     لم تقتنصْ ليثَ العريـنِ الشاكي

لو كنتَ تصغي إذ نقرتَ بثغرِهِ     قرعـتْ صــماخَكَ أنّةُ المسواكِ

أترومُ ويـــــكَ شفاعةً من جَّدِه     هـيـــهـات، لا ومـــدّبرِ الأفلاكِ

ولسوفَ تُنبذ في جهنـــمَ خالداً     مـــا الله شـاءَ ولاتَ حــين فكاكِ

....................................................................

1 ــ نفح الطيب ج 5 ص 70 ــ 71 / الرثاء الحسيني في الأندلس 213 / التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة ص 219 ــ 220 / ديوان القرن السابع ص 138 ــ 139 / ذكر منها (6) أبيات في الشعر الأندلسي في عصر الموحدين ص 177 ــ 178

2 ــ نفح الطيب ص 70

3 ــ الرثاء الحسيني في الأندلس ص 213

4 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٨٩ / أدب الطّف ج 3 ص 249 / الطليعة ج 1 ص 443

5 ــ التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة ص 219 عن مأساة الحسين في الأدب الأندلسي للهراس ــ مجلة المناهل، العدد 16 لسنة 1979 ص 230

6 ــ التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة ص 220 عن الحسين في الشعر الأندلسي

7 ــ التشيع في الأندلس من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة ص 220 ــ 221

8 ــ ديوان القرن السابع ص 138 / الهامش


العودة إلى الأعلى