معجم المشاريع الحسينية ... الجزء الأول تاريخ في كتاب

: محمد طاهر الصفار 2024-09-25 10:29

رغم أن هذا الكتاب يختلف عن باقي أبواب موسوعة دائرة المعارف الحسينية فقد حمل اسم (معجم المشاريع الحسينية) إلا أنه يصب في بوتقة معطيات النهضة الحسينية المباركة حيث اختار مؤلفه المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي عنوانه بدقة متناهية ــ كعادته ــ في اختيار العناوين في جميع أبواب الموسوعة فكان موفقا في التجانس بين العنوان والموضوع

فـ (المعجم) هو المعرفة بالشيء وفي أوضح تعريفاته هو: (عجَّم أو أعجم الكتاب إذا أزال عجمته وإبهامه بوضع النقاط على الحركات أو فسّره وبينه) و(المعجم) هي من كلمات الضد أيضا حيث يؤدي المعنيين

أما المشاريع فهي جمع المشروع وهو اسم مفعول من شرَع يشرع وفيه يفصل الكرباسي اشتقاقات هذه الكلمة ثم يبين المراد منها هنا وهو (ما اصطلح على كل ما ينشأ وكل ما يؤسس من مصنع أو مؤسسة أو عمل أو ما شابه ذلك، وغالبا ما يرتبط بالخير أو الشيء النافع)

أما كلمة (الحسينية) فهي نسبة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) فهي مشروطة بارتباطها به (عليه السلام) فالصفة تتبع الموصوف في التأنيث فالمشاريع هنا حصراً هي المؤسسات والمنشآت التي انتسبت إليه (عليه السلام) كشخص ونهضة والتي انتسبت إليه تبركا.

ثم يشرع الكرباسي في مضمار هذه المشاريع باستعراض أهمها ابتداء بالحسينية فالنادي الحسيني فالمأتم وهذه الألفاظ عرفت في العراق ولبنان والبحرين، أما في الهند فكلمة (إمام باره) أو (إمام بارﮔاه) تؤدي نفس الوظيفة، وفي تركيا فالكلمة الشائعة المرادفة للحسينية هي (تكية)، وفي بعض الدول العربية وغيرها (دار الحسين)، و(العزية) في السعودية، و(عزاخانه) في إيران قديماً وكذلك (مأتم سرا) و(كاشانه)، و(المنبر) في أفغانستان، و(سورا) في أندونيسيا، و(المحفل) في باكستان.

وهناك عناوين أخرى ترتبط بالإمام الحسين (عليه السلام) كشخص ونهضة تشير بعضها إلى أحداث عاشوراء وتحيي بعض فصول يوم الطف ومنها السقاية التي أنشئت على خلفية عطش الحسين وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) وقد عرفت في العراق بـ (السقا خانة) رغم أنها كلمة فارسية لتمازج الشعبين وعادة ما يكتب على المكان المخصص للسقاية عبارات وأشعار وجمل وأحيانا ترسم صور تشير إلى عطش الحسين (عليه السلام) وإلى قربة العباس (عليه السلام)

ومن هذه المشاريع أيضاً الهيأة والخان والاحتفال إضافة إلى المشاريع الخاصة التي تقام في البيوت وهناك مؤسسات أخرى تعنى بهذه المشاريع ومنها دور النشر ومراكز التحقيق والتأليف وخزائن الكتب والمكتبات ومعارض الكتب ومراكز الترجمة والمطابع والصحف والاعلام بشقيه المسموع والمقروء والمدارس والمعاهد والحوزات العلمية والجوامع والمبرات والمؤسسات الخيرية وغيرها.

أما أصل التسمية ــ الحسينية ــ وأصلها فيعدد الكرباسي آراء الكتاب والمؤرخين في ذلك ثم يعزوها إلى المجالس والمآتم التي كانت تقام في المدينة والعراق والشام بعد مقتل الحسين مباشرة حيث يقول:

(وهذه المجالس والمآتم المتكررة والمنتشرة في بيوت العلويين لا يمكن الغفلة عنها حيث أنها النواة الأولى لتأسيس الحسينيات)

فجوهر هذه المجالس هو إحياء ذكر الحسين فالحسينية ولدت مع هذه المجالس وهي النتيجة الطبيعية لها وإن لم تأخذ في وقتها هذا المصطلح (الحسينية), فنشوء المحتوى والإطار لها كان موجوداً آنذاك، بل منذ استشهاده (عليه السلام), وإن لم تكن تحمل هذا الاسم في وقتها فولادة الأسماء والمصطلحات شيء ونشوء الأطروحة شيء آخر.

وهذا ما عبر عنه الكرباسي بقوله: (ربما لم تكن آنذاك لتأخذ الطابع الرسمي إلا أنها كانت مميزة دون شك، وربما كانت تعرف بأسماء أخرى ثم تطورت حتى غلب عليها الاسم المتعارف عليه اليوم)

أما أول ظهور لهذا الاسم فيعزوه الكرباسي ــ وهو المحقق الدقيق في نسبة الأحداث التاريخية إلى زمنها بالتحديد ــ إلى زمن الفاطميين وتحديدا عام (549 هـ / 1154 م) كما لا يستبعد أن يكون هذا الاسم متداولا عند البويهيين والحمدانيين قبل الفاطميين.

ثم يستعرض الكرباسي ــ بالصور ــ نماذج لأقدم وأكبر الحسينيات في العالم ومنها في الهند والكويت وباكستان وبنغلاديش والبحرين والإمارات والسعودية.

هذه المحاور كانت نواة الكتاب أدلى بها الكرباسي ليدخل إلى الهدف عبر ست نقاط تتلخص في استقصاء المشاريع وإحصائها ومدى التفاعل مع النهضة الحسينية المباركة، وبيان دور هذه المشاريع في تنمية الشعوب والحصول على دراسة تاريخية عن المجتمعات المختلفة الأعراق وفهم العادات والتقاليد المرتبطة بهذه الشعائر والنقطة الأخيرة والأهم هي محاولة ربط هذه المشاريع ببعضها لتشكيل شبكة اتصال فيما بينها من أجل تبادل الخبرات وتطوير العمل فيها.

ثم يتطرق الكرباسي إلى عوامل تأسيس هذه المشاريع ومنها: الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، وردة الفعل الذي خلفه الظلم الكبير على الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وإحياء ذكرى قادة الأمة والعمل بقوله تعالى (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)

يمخر الكرباسي بعدها في بحر التاريخ ــ وهو الربان المحترف العارف بالأنواء والأمواج ــ ليستعرض بالتفصيل تأريخ وجغرافية التأسيس مرفقا بجدول عن أعداد المسلمين في كل دول العالم والنشأة الإسلامية للتاريخ والجغرافية منذ بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) وحتى القرن الأخير وما رافق هذه القرون من أحداث في كل البلاد الإسلامية من قيام دول وتقويض أخرى إبرام معاهدات واحتلال ومعارك وهجرات وغيرها.

ثم يبدأ بتاريخ المسلمين الشيعة في الدول الإسلامية وغيرها حسب الحروف الأبجدية ابتداء بأذربيجان فأثيوبيا فالأرجنتين فالأردن ليختم الكرباسي كتابه بأرمينيا.

محمد طاهر الصفار 


العودة إلى الأعلى