قراءة في كتاب معجم المصنفات الحسينية ــ الجزء الرابع

: محمد طاهر الصفار 2024-09-21 09:17:42

يواصل المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي جولته العلمية في عالم المصنفات ويسبر غور المكتبات والخزائن ويبحث في بطون المجلدات ليستخرج العناوين الخاصة بالإمام الحسين (عليه السلام) مع حرصه على إعطاء العنوان الكامل للكتاب والذي يشمل موضوعه وهويته وهوية صاحبه وجميع الأمور المتعلقة به إضافة إلى الكتب المترجمة.

في هذا الجزء وهو الرابع من مبحثه معجم المصنفات الحسينية وهو السادس بعد المائة من أجزاء دارة المعارف الحسينية يستطرد الكرباسي من حيث أفضى في حديثه عن العناوين في الأجزاء الثلاثة السابقة فيبدأ بالرقم ستمائة وأربعة وأربعين وينتهي بالرقم تسعمائة وثمانية وثلاثين وهذه العناوين كلها لم تخرج من إطار حرف الألف، وهذا يعني أنه أضاف مائتين وخمسة وتسعين عنواناً من المؤلفات في الإمام الحسين (عليه السلام) ونهضته المقدسة من مختلف اللغات.

ومن المكتبات التي ورد ذكرها في هذا الجزء:

مكتبة آل شبيب في القطيف

مكتبة الإسكندرية في مصر

مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة، ومكتبة التستري الجزائري في النجف الأشرف

مكتبة الجوادين العامة في الكاظمية

مكتبة حسن يوسف الاخباري في كربلاء

مكتبة دار الوثائق الوطنية العراقية في بغداد

المكتبة الرضوية في مشهد

مكتبة المحقق عبد العزيز الطباطبائي في قم المقدسة

مكتبة محمد الطهراني العسكري في سامراء

ولا تزال ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تتغلغل في ضمائر الأجيال ولا يزال صوته متجدّداً عبر العصور يغذي مداد الكتاب والشعراء والمفكرين بالمثل العليا السامية التي جسدها (عليه السلام) يوم الطف فألفوا الكتب والموسوعات والدراسات والبحوث ولا يزال هذا المعين ثرا لا ينضب مهما تقادمت الدهور وتعاقبت الأزمان.

ويطالعنا الكرباسي بقائمة كبيرة من الأسماء الكبيرة من الكتاب والمؤلفين والشعراء والأدباء الذين استلهموا من الإمام الحسين الروح الإنسانية الكبيرة، والمبادئ الحقة والنهج القويم.

لقد شكلت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وتجلياتها أثراً بارزاً وعلامة فارقة في الأدب والفكر العربي والإسلامي والعالمي لأنها كانت خير مثال معبّر عن إرادة وقيم الأمة في كل زمان ومكان، فجهد الكاتب والشاعر والأديب على تجسيد وتضمين هذه القيم في إطار أعماله ونتاجه، فلم تكن عاشوراء مجرد حادثة تاريخية وإنما كانت ثورة لها أبعادها الدينية والسياسية والفلسفية والفكرية والتي تضمنت مفاهيم وقيماً إنسانية عليا هي أساس خلودها عبر العصور، وقد انعكست هذه القيم والمفاهيم في الأدب والفكر والشعر والسرد والفنون الأخرى فاستحضرها الشعراء والأدباء والفنانون بشكل مباشر أحياناً وغير مباشر أحياناً أخرى، ووظّفوها في معالجة المشاكل الراهنة بحيث أصبحت سمة بارزة من سمات الهوية الثقافية التي غذت الحركة الأدبية والفنية بخبرات وتجارب غنية، وطبعت نتاجها بمسحة من الحزن والألم مثلما تحوّلت إلى نماذج معاصرة في التضحية والفداء.

وتطول قائمة المبدعين من الذين استلهموا من ثورة الحسين (عليه السلام) مادة إبداعهم، فالإرث العظيم الذي تركه الحسين والذي لم يترك مثله عظيمٌ غيره في أمته، فاض بنميره على البشرية حتى أغدقها فكراً وعطاءً، وغمرها نوراً وحياة فأينعت به الضمائر، واخضرّت به القلوب في دوائر الجهات، فبقي هذا الإرث ليروي للأجيال عظمة الثائر وعظمة الثورة ومعطياتها وتبقى رايته الحمراء رسالة دامية تهدد عروش الظالمين وتزعزع كيانهم.

لقد بقيت أصداء ثورة الحسين (عليه السلام) رمزاً أبدياً وصرحاً سرمدياً ومصدراً غنياً للإصلاح والثورة في كل بلاد استبد بها الظالمون وفي كل زمان طغى به المتجبرون حيث أنها جسدت أهداف كل الرسالات السماوية في الدعوة إلى الإصلاح ومحاربة الكفر والانحراف، فغمرت آفاق البشرية بالنور والعدل والنبل.

وبقي الحسين (عليه السلام) ليكون ضمير الإسلام وهمسة الوحي ونفحة النبوة فهو:

شموخ ورسوخ

وهو إباء وعطاء

وهو نجد ومجد

وهو طور ونور

وهو عَبرة وعِبرة.

لقد ألهب الإمام الحسين ــ منذ أن سقط دمه الزكي في كربلاء ــ مشاعر الغضب والسخط على الأمويين بعد واقعة كربلاء وكان لثورته أثرها الكبير والمؤثر في الوجدان الشعبي خصوصاً إن هذه الواقعة كانت مليئة بالفصول المأساوية وزاخرة بالصور التراجيدية التي تثير في النفوس الأسى العميق، فكان هذا الشعور هو (المنبّه) للأمة الإسلامية وإشعارها بالخطر الأموي على وجودها وكيانها ومقدساتها ما لم تكن هناك وقفة وتحدٍ بوجه الأمويين وهو ما تجسّد بالفعل على أرض الواقع في الثورات التي تلت كربلاء، حيث بدأت ثورة الحسين تظهر معطياتها وآثارها بعد عاشوراء مباشرة.

لقد كشفت ثورة الحسين خنوع المجتمع القابع تحت نير السلطة الأموية وكانت كلمته الخالدة: (لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد) الموجّه للأمة نحو طريق الحرية المعبّد بالدم وهذا ما تجلّى في ثورة التوابين التي استمد قائدها سليمان بن صرد الخزاعي من الحسين (ع) هذه الروح فخاطب أصحابه قائلا: (ألا لا تهابوا الموت فما هابه أحد قط إلا ذُل)

وكان دور الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كبيراً في ترسيخ كربلاء بكل تفاصيلها في ضمير الأمة وإبقائها حية في النفوس من خلال حثهم وحرصهم على إحياء روح الثورة في المجتمع وإبقاء جذوتها متّقدة في قلوب الأمة، ولهم في ذلك روايات وأحاديث كثيرة، فاستمد الكتاب والمؤلفون والعباقرة من هذا المنبع الثوري مادة معطياتهم، وكان منهم الكرباسي الذي استمد منها مداده وفكره وعقيدته.


العودة إلى الأعلى