دور العلامة الحلّي في إسلام المغول وكبيرهم هولاكو

2025-12-22 09:55

كان يمتلك القدرة لمواجهة الغزو المغولي، وهو خير من يعلم أن المغول التتار ماذا يصنعون إذا دخلوا بلدة مِن الدمار والهلاك والسبي والتعدي على الناموس، لذلك صممَ الشيخ يوسف بن المطهر المشهور بالعلاّمة الحليّ (قدس سره) ومن معه من علماء الطائفة على مواجهة الكارثة بأسلوب عقلائي وتدبير مُحكم، فراسلوا هولاكو أولاً، وحافظوا بذلك على مدنهم وما فيها من العلماء والمكتبات.

ثم ألّفَ السيد مجد الدين محمد بن طاووس كتاب البشارة، وأهداه إلى هولاكو، فأنتجت هذه الخطوة أن ردَّ هولاكو شؤون النقابة في البلاد الفراتية إلى السيد ابن طاووس وأمر بسلامة المشهدين الشريفين والحلة.

وفي مرحلة إصلاح المعتدي وردعه عن ارتكاب الجرائم وهدايته هو ومن معه إلى الصراط المستقيم، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - قام النصير الطوسي بأقناع هولاكو باعتناق الدين الاسلامي، وفعلاَ قد نحج في ذلك وأسلمَ هولاكو ومن معه من المغول، واستطاع النصير الطوسي (رحمه الله) من المحافظة على ما تبقى من التراث بعد هلاك جلّه، ثم صار الطوسي وزيراً لهذا السلطان، وقام بمهام كبيرة في خدمة العلم والعلماء والحفاظ على النفوس والدماء.

وبعد ذلك كله جاء دور علامتنا الحلّي (رضوان الله عليه) ليؤدي واجبه المقدس، حيث يحدثنا التأريخ عن كيفية استبصار السلطان محمد خدابنده وأكثر قادته وأمرائه، وذلك عند ما طلّقَ السلطان زوجته ثلاثاً، وأجمع علماء المذاهب على وجوب المحلل، ثم مجيء العلامة الحلي (رضوان الله عليه) ومباحثته مع علماء العامة وإقامة الأدلة الدامغة عليهم، حيث أسفرت تلك المباحثة عن تشيّع السلطان وأكثر من معه.

وقد ذكر هذه الحادثة مفصّلة العلامة المجلسي في روضة المتقين، وذكرها الحافظ الشافعي بوجه آخر.

وبقي العلامة ملازماً للسلطان محمد خدابنده في حلّه وترحاله، يعمل على نشر المذهب الحق وتركيز دعائمه، إلى أن توفي السلطان في سنة 716 ه‍ فرجع العلامة إلى الحلة واشتغل بالدرس والتأليف وتربية العلماء وتقوية المذهب.

من هنا يبدو جلياً ما أفرزته سنن التاريخ من قاعدة مفادها: (أن الأمة الغالبة تفرض ثقافتها على الأمة المغلوبة)، وقد أجمع المؤرخون على أن هذه القاعدة لم تخرق إلا في الغزو المغولي لبلاد المسلمين، ذلك المدَّ الذي كان قوياً عاتياً، سرعان ما تسلط على مقدرات أغلب بلاد الأمة، لكن المسلمون أثبتوا عكس هذه القاعدة، وفرضوا ثقافتهم على الغزاة الطغاة المستكبرين، الذين أسلموا وذابوا في حبها، للجهود الجبارة التي بذلها المرجعان العبقريان يوسف بن المطهر المشهور بالعلاّمة الحليّ (قدس سره) بمساعدة شخصية لا تقل مكانة عنه في الفقه الشيعي هو العلامة محمد بن محمد بن الحسن المشهور باسم خواجة نصير الدين الطوسي (قدس سره)، اللذان ركَّزا عملهما على القادة المغول، فأجادا الأساليب ورسّخا العلاقات خصوصاً مع هولاكو وأبنائه ووزرائه، وكان العمل الأصعب هو إنارة أفكارهم وميل قلوبهم من الوثنية الى الإسلام، وتبديل تعطشهم للدماء والتدمير والسيطرة، الى حب الهدوء والتقوى، فأثمرت جهودهما إذ أسلم على يديهما أبناء هولاكو وكبار قادة جيشهم، وحسُنَ إسلامهم وكان أولهم إسلاماً أحمد بن هولاكو، وأكثرهم أثراً نيقولاوس بن آرغون بن أبغا بن هولاكو، الذي عُرف لاحقاً بـ(خدابنده)، وهي كلمة فارسية بمعنى عبد الله، وسمي بـ(محمد)، فقد أسلم وتشيّع على يد العلامة الحلي (قدس سره)، وفي عام 708هـ، قام بسكِّ النقود عليها شعار (عليّ ولي الله) وقد رافقه العلامة الحلي حتى وفاته سنة 716هـ، وتسلّم بعده إبنه أبو سعيد.

وبفضل العلامة الحلي استقرّ كثير من الذين اهتدوا الى الحق من جنود المغول، في بلاد المسلمين وتناسلوا وتغيرت نظرتهم ومشاعرهم تجاه الإسلام وأمته.

...........................

المصدر: إيضاح الاشتباه - العلامة الحلي - الصفحة ٤٣


العودة إلى الأعلى