من سيكون في معسكر عمر بن سعد؟

: حسين النعمة 2025-07-05 12:56

قد يبدو السؤال صادمًا... بل وقد يُثير الغضب أو الحرج أو الدفاع الغريزي:

"من سيكون في معسكر عمر بن سعد؟"

ولعلّ البعض يرى فيه خروجًا عن أدب الطفّ، أو استغلالًا للتاريخ في نقد الواقع، أو محاولة لإلباس ثياب الجريمة لغير أهلها.

لكن الحقيقة، أن السؤال ليس اتهامًا لأحد بعينه، ولا تصفية حسابات مع هذا الطرف أو ذاك، بل مرآة نرفعها جميعًا أمام وجوهنا، سياسيين ومثقفين، خطباء ومواطنين، سادة وأتباعًا، لنرى:

هل نحن حقًا في صفّ الحسين، أم أننا نحمل رايته بينما نسير في اتجاهٍ آخر؟

إننا لا نُسقِط التاريخ على الواقع بلا وعي، ولا نخلط بين الرمزية والواقعة، ولكننا نؤمن أن كربلاء ليست حكاية من الماضي، بل ميزانٌ نزن به مواقف الحاضر.

وفي هذا الميزان، قد لا يكون القاتل سيفًا، بل صمتًا. وقد لا تكون الخيانة طعنة، بل صفقة. وقد لا يكون الشمر مقاتلًا، بل متحدّثًا بارعًا باسم الدين.

نكتب هذا النص لا لنحاكم أحدًا، بل لنحاكم أنفسنا أولًا...

ففي كل لحظة من لحظاتنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية، ثمّة طفٌّ يتكرّر، وثمّة معسكران:

معسكر الحسين، ومعسكر عمر بن سعد.


ريّ الكوفة... وظمأ الطف

في زمن كربلاء الأول، وقف عمر بن سعد على مفترقٍ حادّ:

الريّ، بستان السلطة، وعطر الولاية...

أم الطفّ، حيث الدم والتراب والدموع.

واختار.

قال لنفسه: أُقاتل الحسين وأدخل الريّ، خير لي من أن أضيع الدنيا والدين معًا.

لكن... كم عمر بن سعد يعيش بيننا الآن؟

كم من سياسيٍّ قالها سرًّا: "لا أستطيع أن أقف مع الحسين، سيُغضب ذلك البلاط!"

كم من مسؤول اختار أن "يرى بعينه" ويصمت، كي لا يخسر كرسيًا، أو تحالفًا، أو سفرًا؟

عمر بن سعد في هذا الزمان لا يركب جوادًا، بل يركب مكاسب المرحلة.

ويُقاتل لا بالسيف، بل بالمساومة، بالتوقيع، بالصمت، بتجميل القبح وتبرير الباطل.


الشمر المعاصر... لا يحتاج إلى كتيبة يكفيه ميكروفون..

لا تتعب في البحث عن الشمر الجديد...

إنه في كل قرارٍ يُذبح فيه الفقراء، في كل بيانٍ يُخَوّن فيه الأحرار، في كل لحظة يُستباح فيها الحقّ باسم "الوطنية"، و"الدين"، و"المصلحة العامة".

الشمر الحديث لا يحتاج إلى كتيبة.. يكفيه ميكروفون، وشاشة قناة، ومقاعد ناعمة، وخطابٍ منمّق يتكئ على "الواقعية" ويغتال الحقيقة باسمها.

وذاك الذي قال: لولا الرأي!

كم يشبه بعض ساسة اليوم أولئك الذين قالوا:

"نعلم أن الحسين على حق، لكننا ننتظر… الرأي، الموقف، المآلات، مصلحة الجماعة، توازن القوى.."

فيُسلَّم الحسين بلا ندم، وتُرفع الأعلام فوق الجثث، ويُقال بعدها: "ما كنّا نعلم، ما كنّا نقصد!"

لكن عاشوراء لا تقبل الحياد، فالصامت فيها خائن، والمتفرج فيها قاتلٌ بالقسطاس.


الحسين... لا يُنصر من بعيد

كثيرون اليوم يرتدون السواد في المواسم، ويذرفون الدمع على المقتل، ويصرخون "وا حسيناه"...

ثمّ يُوقعون، في اليوم التالي، على ميزانية تُقصي المظلوم، أو قرار يُقصم ظهر الفقير، أو صفقة تُرجع البلد ألف عام للوراء.

لكن الحسين لا يُنصر بالبكاء فقط؛ بل بالوقوف مع كل مظلوم، والامتناع عن كل موطئ يُسفك فيه دمُ برئ، والانسحاب من كل موكبٍ يتقدم به شمر بثوب رجل دولة.


من سيكون في معسكر عمر بن سعد؟

هو سؤال لا يُراد به السخرية، ولا التحامل، بل المراجعة... المحاسبة... الاعتراف المرّ.

فنحن، في هذا العصر، لا نُختبر بسيوف، بل بمواقف.

والأخطر من ذلك…

أن بعضنا قد يكون في معسكر عمر بن سعد، وهو يظن نفسه بين أنصار الحسين.


الختام طفٌّ لا يزال يُكتب

كربلاء ليست ذكرى، بل مرايا…

ومن وقف في صف الحسين، عليه أن يسير على الجمر، لا على الزهور.

فالسؤال الذي يطاردنا: حين ينكشف الزيف، ويسقط القناع، ويأتي وقت الحسم...

أين سنكون؟

في معسكر عمر بن سعد؟

أم على رُكبنا، تحت لواء الحسين؟

العودة إلى الأعلى