الإمام الحسين ومنهج الإصلاح
شهد التاريخ البشري منذ ريادته الأولى ثنائية الصراع بين المصلحين (الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين) وبين الأشرار ( الحكام الفاسدين والطغاة المستبدين .. )، وكان ضحايا هذا الإصلاح اولئك القناديل المتوهجة على شرفات التاريخ من الأنبياء والأولياء، ، وكان أسمى المضحين سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة إمامنا الحسين(عليه السلام).
لعل ما فعله معاوية بن ابي سفيان بسياسة التوريث تعد من الانقلاب على مبادئ وقيم ومثل الإسلام فترك الوصية بالإمامة التي قلدها القرآن الكريم والنبي العظيم لآل محمد المعصومين .. ولو أخذنا بادعاء الاتجاه الآخر الذي يرى في ان الخلافة شورى وفقا لمفهوم قول الله (وأمرهم شورى بينهم) فاننا نجد أول خرق ارتكب بالنظام السياسي الإسلامي وفق هذه النظرية هو توريث معاوية الخلافة ليزيد!
ومع تمزيق العهود بين معاوية والإمام الحسن المجتبى .عليه السلام. لم يكن أمام سيد شباب أهل الجنة أمام هذا الخرق الا طريق الإصلاح أو الشهادة . وباستقراء حيثيات الملحمة والسمفونية الخالدة واقعة الطف المأساوية نجد المطالبة بالإصلاح من خلال الخطاب الحسيني المجلجل المدوي الشامل في فضاء التاريخ :
الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغبا لا محيص عن يوم قد خط بالقلم رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ألا ومن كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فأني راحل مصبحاً إن شاء الله.
ونجد ان التصدي للباطل والامر بالمعروف والنهي عن الغي والفجور، وعدم مهادنة الحاكم الفاسق هي ثيمة ((الحريّة )) في النهضة الحسينية الخالدة . وإن ما ورد من النصوص القرآنية بحق الامام الحسين وأهل البيت من المنزلة الخصيصة التي كانت له في نفس الرسول كافية لعصمة الامام المفترض الطاعة والولاء ، لكن العقليات القبليّة الشريّرة التي أغوتها أموال السحت، والوعود الكاذبة بولاية الريّ وجرجان رجحت فنالت من الحسين لكنها لم تحقق مآربها الدنيئة ..فاندثرت، وأصبحت من نفايات التأريخ من عمر بن سعد، وحرملة بن كاهل، وشمر بن ذي الجوشن، وعبيد الله بن زياد وكل من ساهم بواقعة الطف الأليمة ..
أما السمو، والألق، والخلود، والتجدد، والعطاء، والدرس الحسيني.. يَخلد في وجدان الانسانية ما بقي الوجود الكوني إلى ان يرث الله الارض وما عليها .
وان النصوص القرآنية هي التي اسدلت على الحسين عليه السلام قدسيته فما ورد بالقرآن الكريم بحقة وأهل بيته (قل لا أسئلكم علية اجراً إلا المودة في القربى) (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون) (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علية فمنهم من قضى نحبة ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) وقال سيد الكونين الحبيب محمد (ص) الحسن والحسين إمامان إن قاما او قعدا . و حسين مني وأنا من حسين ، الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة . وكان يقبّل الحسن في فمه والحسين في نحره لمعرفته بسم الحسن وذبح الحسين ..
كما ان تتبع رحلة الجهاد ومحطات الألق والطهر بالموكب الحسيني منذ توديع الإمام قبر جده المصطفى -صلى الله عليه وآله - وخروجه من أرض مكة المشرفة عارفاً بحقة وما تؤول إليه الأحداث الدامية، وما تتمخض عنه مسيرة الخلود والكبرياء لكن الإرادة والإصرار على الإصلاح يمثل وهج الحرية الدامي، مع نداءات وشعارات للآخر للعودة للإسلام لكن تلك المحاولات باءت بالركون للظالم يزيد ومحاربة صاحب الإصلاح.
لذا كانت شعارات سيد الشهداء تتدفق من شفتي الامام كمعرفة هادرة تخترق حجب الباطل والضلالة وتفتح الآذان الصماء على صوت الحق مردداً ومحذراً ومذكراً ومبصراً (ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (لقد خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ..) (كأني بأوصالي هذي تقطعها عسلان الفلوات ما بين النواويس وكربلاء ) (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) .. هذا الخطاب الإصلاحي و الحجاج والاستدلال والإثبات بأنه خارج بمشيئة الله وأمر نبيه دلائل على عظمة منهجه في التصدي للباطل وعدم الركون للظالم والهدف هو ((الإصلاح )) بعد انحراف الأمة عن القرآن وخط الرسالة بسبب سياسة معاوية في الترغيب والترهيب والتوريث.
إن الحجاج الحسيني في خطاب الثورة لا زالت كلماته البليغة ترن في فضاء التأريخ، وحركة الانسان في كل الاجيال.. يستلهم منها الأحرار شعارات الإصلاح، وكل دُعاة القيّم والمُثل، وطلاب الثورة، والقادة الوطنيون، والابطال الذين يقدمون من الدماء الزكية التي خضبت جبين الاحرار من عبق عطائها، وكمال تضحياتها، وسمو روحها عن الدنيا إلى الملكوت الاخروي ؛ملحمة الخلود التي خطها أصحاب الحسين بمشاركة الشيخ الكبير حبيب بن مظاهر الاسدي، والطفل الرضيع عبد الله بن الحسين، وأخ الحسين ابي الفضل العباس، والقاسم، والحر، ومشاركة المرأة.. الى جوار الرجل التركي، والفارسي، و النصراني، والإفريقي.. في اقدس ملاحم التاريخ، وبقاء جذوتها متقدة لا تنطفئ مهما تقادمت الازمنة والعصور.. كما قالت العقيلة زينب في محضر المارق يزيد علية اللعنة (والله لن تمحوا ذكرنا ولن تميت وحينا) فحركة التاريخ اتجاهاتها بمسارين فأما حسيني علوي محمدي رسالي ..وأما يزيدي سفياني أموي.. وحركة التأريخ تؤكد أن الانسان بين المسارين لا تتعدى غيرها فلا منطقة وسطى بين الحق والباطل، لذا كان ولا زال الإصلاح الحسيني يجري بالوجود كما الأوكسجين بالحياة لإصلاح المجتمعات وإقامة دول الحق وكرامة الإنسان .